باب نفقة الأقارب .
وهما صنفان : عمود النسب وهم الولدان وإن علوا والولد وولده وإن سفل فتجب نفقتهم لقول الله تعالى : { وبالوالدين إحسانا } ومن الإحسان الإنفاق عليهما وقال النبي A : [ إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه ] وقال الله تعالى : { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } وقال النبي A لهند : [ خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ] فثبتت نفقة الوالدين والولد بالكتاب والسنة وثبتت نفقة الأجداد وأولاد الأولاد لدخولهم في اسم الآباء والأولاد قال الله تعالى : { ملة أبيكم إبراهيم } وقال تعالى : { يا بني آدم } وقال النبي A في الحسين : [ إن ابني هذا سيد ] وسواء كان وارثا أو غير وارث لأن أحمد قال : لا تدفع الزكاة إلى ولد ابنته لقول النبي A : [ إن ابني هذا سيد ] وإذا منع دفع الزكاة إليهم لقرابتهم يجب أن تلزمه نفقتهم وذكر القاضي ما يدل على هذا وذكر في موضع آخر أنه لا تجب النفقة إلى على وارث وهو ظاهر قول الخرقي وغيره من أصحابنا .
الصنف الثاني : كل مورث سوى من ذكرنا وسوى الزوج لقول الله تعالى : { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } إلى قوله : { وعلى الوارث مثل ذلك } فأوجب على الوارث أجرة رضاع الصبي فيجب أن تلزمه نفقته وروي أن رجلا سأل رسول الله A : من أبر ؟ قال : [ أمك وأبوك وأختك وأخوك ومولاك الذي يلي ذاك حق واجب ورحم موصول ] رواه أبو داود وقضى عمر Bه على بني عم منفوس بنفقته ولأنها قرابة تقتضي التوريث فتوجب الإنفاق كقرابة الولد .
فصل : .
فأما ذو الرحم الذين لا يرثون بفرض ولا تعصيب فلا نفقة عليهم في المنصوص لعدم النص فيهم وامتناع قياسهم على المنصوص لضعف قرابتهم ويتخرج وجوبها عليهم لأنهم يرثون في حال فتجب النفقة عليهم في تلك الحال وإن كان الوارث غير موروث كالمعتقة وعم المرأة وابن عمها وابن أخيها والمعتق وجب عليهم الإنفاق في المنصوص لأنهم وارثون فيدخلون في العموم وعنه : لا نفقة عليهم لأنهم غير مورثون أشبهوا ذوي الأرحام .
فصل : .
ويشترط لوجوب الإنفاق على القريب ثلاثة شروط : .
أحدها : فقر من تجب نفقته فإن استغنى بمال أو كسب لم تجب نفقته لأنها تجب على سبيل المواساة فلا تستحق مع الغنى عنها كالزكاة وإن قدر على الكسب من غير حرفة ففيه روايتان : .
إحداهما : لا نفقة له لأنه يستغني بكسبه أشبه المحترف .
والثانية : له النفقة لأنه لا مال له ولا حرفة أشبه الزمن .
الثاني : أن يكون للمنفق ما ينفق عليهم فاضلا عن نفقة نفسه وزوجته لما روى جابر أن النبي A قال : [ ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ] قال الترمذي : هذا حديث صحيح ولأن نفقة القريب مواساة فيجب أن تكون الفاضل عن الحاجة الأصلية ونفقة نفسه من الحاجة الأصلية وكذلك نفقة زوجته لأنها تجب لحاجته فأشبهت نفقة نفسه وكذلك نفقة خادمه الذي لا يستغني عن خدمته تقدم كذلك .
الثالث : اتفاقهما في الدين والحرية فلا يجب على الإنسان الإنفاق على من ليس على دينه لأنه لا ولاية بينهما ولا يرث أحدهما صاحبه لأنها تجب على سبيل المواساة والصلة فلمن تجب له مع اختلاف الدين كالزكاة وعنه في عمودي النسب : أنها تجب مع اختلاف الدين لأنهم يعتقون عليه فينفق عليهم كما لو اتفق دينهما وأما العبد فلا نفقة عليه لأنه لا شيء له يواسي به فلا تجب نفقته على قريبه لأن نفقته على سيده ولأنه لا توارث بينهما ولا ولاية فلم ينفق أحدهما على صاحبه كالأجانب .
فصل : .
ولا يشترط في وجوب النفقة نقصان الخلقة بزمانة أو صغر أو جنون لعموم الخبر وعن أحمد أنه يشترط ذلك في غير الوالدين لأن من علم ذلك فيه في مظنة التكسب فكان في مظنة الغنى ولا يشترط البلوغ ولا العقل فيمن تجب النفقة عليه بل يجب على الصبي والمجنون نفقة قريبهما إن كانا موسرين لأنها من الحقوق المالية فتجب عليهما كأرش جنايتهما .
فصل : .
ومن كان له أب لم تجب نفقته على غيره لأن الله تعالى أمر الآباء أن يعطوا الوالدات أجر الرضاع بقوله تعالى : { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } وقوله سبحانه : { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } وأمر النبي A هندا : أن تأخذ ما يكفي ولدها من مال أبيهم فإن لم يكن لهم أب لم يكن له إلا وارث واحد فالنفقة عليه وإن كان له وارثان فالنفقة عليهما على قدر إرثهما فإذا كان لهم أم وجد فعلى الأم ثلث النفقة وعلى الجد الثلثان وإن كان له جدة وأخ فعلى الجدة سدس النفقة والباقي على الأخ وإن كان له أخوان أو أختان فالنفقة عليهما نصفين وإن كان له أخ وأخت فالنفقة عليهما أثلاثا وإن كان له أخت وأم فعلى الأخت ثلاثة أخماس النفقة وعلى الأم الخمسان لأنه مال يستحق بالقرابة فكان على ما ذكرناه كالميراث وإن كان له من الورثة ثلاثة أو أكثر فنفقته عليهم على قدر إرثهم لما ذكرنا وإن اجتمع أم أم وأبو أم فالنفقة على أم الأم لأنها الوارثة .
فصل : .
ومن كان وارثه فقيرا وله قريب موسر محجوب به كعم معسر وابن عم موسر وأخ فقير وابن أخ موسر فلا نفقة عليهما ذكره القاضي و أبو الخطاب لأنه علة الوجوب الإرث فيسقط بحجبه كما يسقط ميراثه وإن كانا من عمودي النسب كأب معسر وجد موسر فالنفقة على الجد لأن وجوب النفقة عليه لقرابته وهي باقية مع الحجب ويحتمل أن يجب الإنفاق على الموسرة في التي قبلها لأن الموجب للنفقة القرابة الموجبة للميراث لا نفس الميراث وهي موجودة مع الحجب ووجود المعسر كعدمه .
فصل : .
ومن لم يفضل عنده إلا نفقة واحدة بدأ بالأقرب فالأقرب لأنه أولى فإذا كان له أب وجد فالنفقة للأب وإن كان له ابن وابن ابن فهي للابن وإن اجتمع أب وابن صغير أو زمن فالنفقة للابن لأن نفقته وجبت بالنص وإن كان كبيرا ففيه ثلاث أوجه : .
أحدها : يقدم الابن كذلك .
والثاني : يقدم الأب لأن حرمته آكد .
والثالث : هما سواء لتساويهما في القرب لأن كل واحد يدلي بنفسه وإن اجتمع أبوان ففيهما ثلاثة أوجه : .
أحدها : هما سواء لتساويهما في القرابة .
والثاني : الأم الأحق لما روي أن رجلا قال : يا رسول الله من أبر ؟ قال : [ أمك قال : ثم من ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال : أباك ] .
والثالث : الأب لأنه ساواه في القرابة وهي الولادة وانفرد بالتعصيب وإن اجتمع أخ وجد احتمل أن يقدم الجد لأنه آكد حرمة وقرابته قرابة ولادة ولهذا لا يقاد به ويحتمل تساويهما لتساويهما في التعصيب والإرث وإن كان مع الجد عم أو ابن عم قدم الجد لتقديمه في الحرمة والإرث ولأنهما يدليان به فقدم عليهما كالأب مع الأخ .
فصل : .
وعلى المعتق نفقة عتيقه إذا وجدت الشروط لأنه وارثه ولا نفقة للمعتق على عتيقه لأنه لا يرثه .
فصل : .
وتجب نفقة القريب مقدرة بالكفاية لأنها لا تجب للحاجة فيجب ما تندفع به وإن احتاج إلى من يخدمه وجبت نفقة خادمه وإن كانت له زوجة وجبت نفقة زوجته لأنه من تمام الكفاية وعنه : لا يلزم الرجل نفقة زوجة ابنه فعلى هذه الرواية لا يلزمه نفقة غير القريب لأن الواجب نفقته لا نفقة غيره .
فصل : .
ويلزمه إعفاف أبيه وجده وابنه الذين تلزمه نفقتهم إذا طلبوا ذلك لأنه يحتاج إليه ويضره فقده فأشبه النفقة وهو مخير بين أن يزوجه حرة أو يسريه بأمة ولا يجوز أن يزوجه أمة لأنه بوجوب إعفافه يستغني عن الأمة ونكاحها ولا يعفه بعجوز ولا قبيحة لأن القصد الاستمتاع ولا يحصل ذلك بهما وإن أعفه بزوجة فطلقها أو بأمة فأعتقها لم يلزمه إعفافه ثانيا لأنه ضيع على نفسه وإن أعفه بأمة فاستغنى عنها لم يملك استرجاعها لأنه دفعها إليه في حال وجوبها عليه فم يملك استرجاعها كالزكاة ويجيء على قول أصحابنا : أن يلزمه إعفاف كل من لزمه نفقته لأنه من تمام كفايته فأشبه النفقة .
فصل : .
وإن احتاج الطفل إلى الرضاع لزمه إرضاعه لأن الرضاع من حق الصغير كنفقة الكبير ولا يجب إلا في حولين لقول الله تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } فإن امتنعت الأم من رضاعه لم تجبر سواء كانت في حبال الأب أو مطلقة لقول الله تعالى : { وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى } ولأنها لم تجبر على نفقة الولد مع وجود الأب فلا تجبر على الرضاع إلا أن يضطر إليها ويخشى عليه فيلزمها إرضاعه كما لو لم يكن له أحد غيرها ومتى بذلت الأم إرضاعه متبرعة أو بأجرة مثلها فهي أحق به سواء وجد الأب متبرعة برضاعه أو لم يجد لقول الله تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن } إلى قوله : { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } وقوله سبحانه : { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } ولأنها أحق بحضانته فوجب تقديمها وإن أبت أن ترضعه إلا بأكثر من أجر مثلها لم يلزمه ذلك ويسقط حقها لأنها أسقطته باشتطاطها ولأن ما لا يوجد بثمن المثل كالمعدوم مثل الرقبة في الكفارة وإن كانت ذات زوج أجنبي من الطفل فمنعها زوجها من الرضاع سقط حقها وإن أذن لها فهي على حقها من ذلك .
فصل : .
وتفارق نفقة القريب نفقة الزوجة في أربعة أشياء : .
أحدها : أن نفقة الزوجة تجب مع الإعسار لأنها بدل فأشبهت الثمن في المبيع ونفقة القريب مواساة فلا تجب إلا من الفاضل لقول الله تعالى : { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو } .
الثاني : أن نفقة الزوجة تجب للزمن الماضي لما ذكرنا ونفقه القريب لا تجب لما مضى لأنها وجبت لإحياء النفس وتزجية الحال وقد حصل ذلك في الماضي بدونها .
الثالث : إذا دفع إلى الزوجة نفقة يومها أو كسوة عامها فمضت المدة ولم تتصرف فيها فعليه ما يجب للمدة الثانية والقريب بخلاف ذلك .
والرابع : أنه إذا دفع إلى الزوجة ما يجب ليومها أو لعامها فسرق أو تلف لم يلزمه عوضه والقريب بخلافه لما ذكرنا