باب قطع النفقة .
إذا أعسر الزوج بنفقة المعسر فلها فسخ النكاح لقول الله تعالى : { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وقد تعذر الإمساك بالمعروف فيتعين التسريح بإحسان وكتب عمر Bه إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم : يأمرهم أن ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى ولأنه إذا ثبت لها الفسخ لعجزه عن الوطء فلأن يثبت بالعجز عن النفقة أولى لأن الضرر فيه أكثر وإن أعسر ببعضها فلها الفسخ لأن البدن لا يقوم بدونها وإن أعسر بكسوة المعسر فلها الفسخ لأن البدن لا يقوم بدونها فأشبهت القوت وإن أعسر بما زاد على نفقة المعسر فلا خيار لها لأنها تسقط بإعساره ولأن البدن يقوم بدونها ومن لم يجد إلا قوت بيوم فليس بمعسر بالنفقة لأن هذا هو الواجب وإن كان يجد في أول النهار ما يغديها وفي آخره ما يعيشها فلا خيار لها لأنها الأصل إلى كفايتها وإن كان يجد قوت يوم دون يوم فلها الخيار لأنها لا تصل إلى كفايتها وإن كان صانعا يعمل في كل أسبوع ثوبا يكفيه ثمنه للأسبوع كله فلا خيار لها لأنها تصل إلى كفايتها ومتى عازه أمكنه الاقتراض ثم يقضيه فلا تنقطع النفقة فإن كانت نفقته من عمل عجز عنه لمرض مرجو الزوال أو غيبة ماله وأمكنه الاقتراض إلى زوال العارض وفعل فلا خيار لها وإن عجز عن الاقتراض وكان العارض يزول في ثلاثة أيام فما دون فلا خيار لها لأن ذلك قريب وإن كثر فلها الفسخ لأن الضرر يكثر وإن أعسر بالمسكن فيه وجهان : .
أحدهما : لا خيار لها لأن البدن يقوم بدونه .
والثاني : لها الخيار لأنه مما لا بد منه أشبه النفقة والكسوة .
فصل : .
فإن منع النفقة من يساره وقدرت له على مال أخذت منه قدر كفايتها بالمعروف لما روي أن هندا جاءت رسول الله A فقالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي فقال : [ خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ] متفق عليه وإن منعها بعض الكفاية فلها أخذه للخبر ولها أن تأخذ نفقة ولدها الصغير للخبر فإن وجدت من جنس الواجب لها أخذته وإن لم تجد أخذت بقدره من غيره متحرية للعدل في ذلك فإن لم تجد ما تأخذه رفعته إلى الحاكم ليأمره بالإنفاق أو الطلاق فإن أبى حبسه فإن صبر على الحبس وقدر الحاكم على ماله أنفق منه وإن لم يجد إلا عروضا باعها وأنفق منها فإن تعذر ذلك فلها الفسخ لما ذكرنا من حديث عمر Bه ولأنه إذا ثبت الفسخ مع العذر دفعا للضرر فمع عدمه أولى وإن كان الزوج غائبا كتب الحاكم إليه كما كتب عمر إلى الذين غابوا عن نسائهم فإن لم يعلم خبره أو تعذرت النفقة منه ولم يوجد له مال فلها الفسخ لما ذكرنا وهذا اختيار الخرقي و أبي الخطاب وذكر القاضي : أن الفسخ لا يثبت مع اليسار لأن الخيار لعيب الإعسار ولم يثبت ذلك وما ذكرناه أصح فإن الإعسار ليس بعيب وإنما الفسخ لدفع الضرر وهما فيه سواء ومن كان له دين يتمكن من استيفائه فهو كالموسر لأنه قاد عليه وإن لم يتمكن من استيفائه فهو كالمعدوم لأنه عاجز عنه .
فصل : .
فإن كان له عليها دين من جنس الواجب لها من النفقة فأراد أن يحتسب به عليها وهي موسرة فله ذلك لأن له أن يقضي دينه من أي ماله شاء وهذا منه وإن كانت معسرة لم يملك ذلك لأن قضاء الدين في الفاضل عن الكفاية ولا فضل لها .
فصل : .
ومتى ثبت لها الفسخ فرضيت بالمقام معه ثبت لها في ذمته ما يجب على المعسر من القوت والأدم والكسوة والمسكن والخادم تطالبه بها إذا أيسر لأنها حقوق واجبة عجز عنها فثبتت في ذمته كالدين وقال القاضي : لا يثبت في ذمته شيء قياسا على الزائد عن نفقة المعسر والفرق ظاهر فإن الزائد غير واجب على معسر وهذا معسر بخلاف هذا ولا يلزمها التمكين من الاستمتاع ولا الإقامة في منزله لأن ذلك في مقابلة النفقة فلا يجب مع عدمها ومتى عن لها الفسخ فلها الفسخ لأن وجوب النفقة يتجدد كل يوم فيتجدد حق الفسخ ولو تزوجت معسرا عالمة بإعساره ثم بدا لها الفسخ لعسرته فلها الفسخ لما ذكرنا وقال القاضي : ظاهر كلام أحمد أنه ليس لها الفسخ في الموضعين لأنها رضيت بعيبه فأشبه امرأة العنين إذا رضيت بعنته .
فصل : .
وإن اختارت الفسخ لم يجز لها ذلك إلا بحكم حاكم لأنه مختلف فيه فلم يجز بغير الحاكم كالفسخ بالعنة ولها المطالبة بالفسخ بالحال لأنه فسخ لتعذر العوض فثبت في الحال كفسخ البيع لفلس المشتري .
فصل : .
وإن أعسر زوج الأمة فلم تختر الفسخ لم يكن لسيدها الفسخ لأن الحق لها فلم يكن له الفسخ كالفسخ للعنة وإن أعسر زوج الصغيرة والمجنونة فليس لوليها الفسخ لأنه فسخ لنكاحهما فلم يملكها وليهما كالفسخ للعيب وحكي عن القاضي : أن لسيد الأمة الفسخ لأن الضرر عليه ويحتمل أن يملك ولي الصغيرة والمجنونة الفسخ لأنه فسخ لفوات العوض فملكه كفسخ البيع لتعذر الثمن .
فصل : .
وإذا وجد التمكين الموجب للنفقة فلم ينف حتى مضت مدة صارت النفقة دينا في ذمته سواء تركها لعذر أو غيره لحديث عمر ولأنه مال يجب على سبيل البدل في عقد معاوضة قلم يسقط بمضي الزمان كالصداق وإن أعسر بقضائها لم تملك الفسخ لأنها دين يقوم البدن بدونه فأشبهت دين القرض وعنه : لا يثبت في الذمة وتسقط ما لم يكن الحاكم قد فرضها لأنها نفقة توجب يوما بيوم فإذا لم يفرضها الحاكم سقطت بمضي الزمن كنفقة الأقارب فعلى هذا لا يصح ضمانها لأنه ليس مآلها إلى الوجوب وعلى الرواية الأولى يصح ضمان ما وجب منها وما يجب في المستقبل لأن مآله إلى الوجوب .
فصل : .
وإذا ادعى الزوج أنه دفع إليها نفقتها فأنكرته فالقول قولها مع يمينا لأن الأصل عدم القبض وإن مضت مدة لم ينفق فيها فادعت أنه كان موسرا فأنكرها ولم يعرف له مال قبل ذلك فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدمه وإن عرف له مال فالقول قولها لأن الأصل بقاؤه وإن ادعت التمكين الموجب للنفقة فأنكرها فالقول قوله لأن الأصل عدمه وإن قالت : فرض الحاكم نفقتي منذ سنة فقال : بل منذ شهر فالقول قوله كذلك وإن ادعى نشوزها فأنكرته فالقول قولها كذلك وإن طلقها طلقة رجعية وكانت حاملا فقال الزوج : طلقتك قبل الوضع فانقضت عدتك به وقالت : بل بعده لم يبق له رجعة لإقراره بانقضاء عدتها ولزمتها العدة لإقرارها بها والقول قولها مع يمينها في وجوب نفقتها لأن الأصل بقاؤها