باب الشك في الطلاق .
إذا شك هل طلق أم لا ؟ لم تطلق لأن النكاح متيقن فلا يزول بالشك وإن طلق فلم يدر أواحدة طلق أم ثلاث ؟ بنى على اليقين كذلك نص عليه أحمد فإذا ارتعجها فعليه نفقتها واختلف أصحابنا في حلها فقال الخرقي : هي محرمة لأنه متيقن للتحريم الحاصل بالطلاق شاك في حصول الحل بالرجعة فلا يزول التحريم المتيقن بالشك وقال غيره : تحل لأن الرجعة مزيلة لحكم المتيقن من الطلاق ومنهم من منع حصول التحريم بالطلاق لكون الرجعية مباحة فلم يكن التحريم متيقنا والورع أن يلتزم حكم الطلاق الأكثر فيدعها حتى تقضي عدتها لتحل لغيره لقول النبي A : [ دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ] .
فصل : .
وإذا قال لنسائه : إحداكن طالق ولم ينو واحدة بعينها أقرع بينهن فأخرجت بالقرعة المطلقة منهن نص عليه لأن ذلك يروى عن علي وابن عباس Bهم ولأن الطلاق إزالة ملك بني على التغليب والسراية فتدخله القرعة كالعتق وإن نوى واحدة بعينها طلقت وحدها لأنه نوى بلفظه ما يحتمله فانصرف إليه وقوله في ذلك مقبول لأنه لا يعلم إلا من جهته فقبل منه كقول المرأة في حيضها وإن قال : هذه المطلقة بل هذه طلقتا لأن إقراره بطلاق الثانية مقبول ورجوعه عن طلاق الأولى غير مقبول وإن قال : طلقت هذه بل هذه أو هذه طلقت الأولى وإحدى الأخريين وإن قال : هذه أو هذه بل هذه طلقت الثالثة وإحدى الأوليين وإن قال : هذه وهذه أو هذه احتمل أن يكون الشك في الجميع لأنه أتى بحرف الشك بعد الأوليين فيعود إليهما واحتمل أن يكون الشك في الثانية والثالثة لأن حرف الشك بينهما وإن قال طلقت هذه أو هذه وهذه ففي أحد الوجهين يكون شاكا في طلاق الجميع لا يدري أطلق الأولى وحدها أو الأخريين جميعا ؟ وفي الأخرى يكون متيقنا لطلاق الثانية شاكا في الأوليين وكل موضع علم أنه طلق بعضهن فاشتبهت عليه بغيرها فحكمها حكم المنسية على ما سنذكره وإن لم ينو واحدة بعينها تعينت بالقرعة وعليه نفقة الجميع حتى تتعين المطلقة لأنهن محبوسات عليه .
فصل : .
وإن طلق واحدة بعينها ثلاثا وأنسيها أو خفيت عليه بأن طلقها في ظلمة أو من وراء حجاب أو يراها في طاقة فيطلقها وتشتبه عليه فإنه يحرم عليه الجميع لأنه اشتبهت زوجته بغيرها فحرمتا كما لو اشتبهت بمن لم يتزوجها وإن علمها عينها وقبل قوله لأنه لا يعلم إلا من جهته فإن امتنع مع المعلم حبس حتى يعينها لأنه حق عليه امتنع من إيفائه وإن ادعت غير المعينة عليه أنها المطلقة فالقول قوله من غير يمين فإن مات أقرع بينهن فمن خرجت لها القرعة فلا ميراث لها قال إسماعيل بن سعيد : سألت أحمد عن الرجل يطلق امرأة من نسائه ولا يعلم أيتهن طلق قال : أكره أن أقول في الطلاق بالقرعة قلت : أرأيت إن مات بعدها ؟ قال : أقول بالقرعة وذلك لأنه تصير القرعة على المال وقد روي عن علي Bه في رجل له أربع نسوة طلق إحداهن ثم مات لا يدري أيتهن طلق أقرع بين الأربع وأنذر منهن واحدة وقسم بينهن الميراث وكذلك إن ماتت إحداهن أو متن جميعا أقرعنا بينهن فمن خرجت عليها القرعة حرمناه ميراثها وقال الخرقي وكثير من أصحابنا : يقرع بينهن في حياته فمن خرجت عليها قرعة الطلاق بانت وحل له البواقي احتجاجا بحديث علي Bه فإن ذكر بعد ذلك أن المطلقة غيرها بانت المذكورة لأنها المطلقة ويكون وطؤه لها وطأ بشبهة وترد إليه الأخرى إلا أن تكون قد تزوجت أو تكون القرعة بحكم حاكم فلا ترد نص عليه لأنها إذا تزوجت فقد تعلق بها حق غيره فلم يقبل قوله في فسخ نكاح غيره وقرعة الحاكم كحكمه لا سبيل إلى تقضه وقال أبو بكر وابن حامد : لا ترد إليه التي عينتها القرعة بحال لأنه لا يقبل قوله عليها ولا يرثها إن ماتت وإن مات هو ورثته .
فصل : .
وإن رأى طائرا فقال : إن كان غرابا فحفصة طالق وإن كان حماما فعمرة طالق فطار ولم يعرف ما هو لم يلزمه طلاق لأنه يحتمل أنه غيرهما ولو قال : إن كان غرابا فحفصة طالق وإن لم يكن غرابا فعمرة طالق ولم يعرف ما هو طلقت إحداهما و الحكم فيها على ما ذكرنا في المشتبهة وإن كان الحالف رجلين فقد حنث أحدهما فيحرم الوطء عليهما لأننا علمنا التحريم في إحداهما فأشبه ما لو كان الحالف واحدا على زوجتين ويبقى في حق كل واحد منهما أحكام النكاح من النفقة والكسوة والمسكن لأن نكاحه كان متيقنا وزواله مشكوك فيه وإن قال أحدهما : إن كان غرابا فعبدي حر وقال الآخر : إن لم يكن غرابا فعبدي حر لم يعتق واحد منهما لأن الأصل الرق فإن اشترى أحدهما عبد صاحبه عتق لأن تمسكه بعبده اعتراف منه بعتق الآخر وقد ملكه فيعتق قاله القاضي وقال أبو الخطاب : يقرع بينهما حينئذ لأن العبدين صارا له وقد علم عتق أحدهما لا بعينه فيعتق بالقرعة إلا أن يكون أحدهما قد أقر أن الحانث صاحبه فيؤخذ بإقراره ولو كان الحالف واحدا فقال : إن كان غرابا فعبدي حر وإن لم يكن غرابا فأمتي حرة ولم يعرف أقرع بينهما فمن خرجت قرعته فهو الحر لأن القرعة تستعمل لتعيين الحرية .
فصل : .
إن قال لحماته : ابنتك طالق أو كان اسم زوجته زينب فقال : زينب طالق طلقت زوجته فإن قال : أردت ابنتك الأخرى أو امرأة أجنبية اسمها زينب دين لأنه يحتمل ما قاله ولم يقبل في الحكم نص عليه لأن غير زوجته ليست محلا لطلاقه فلم يقبل تفسيره بها وإن نظر إلى زوجته وأجنبية فقال : إحداكما طالق فكذلك لما ذكرناه وقال القاضي : هل يقبل في الحكم ؟ على روايتين .
فصل : .
فإن كانت له زوجتان هند وزينب فقال : يا هند فأجابته زينب فقال : أنت طالق ينوي المجيبة أو لم يكن له نية طلقت المجيبة وحدها لأنها المخاطبة بالطلاق ولم يرد غيرها به وإن قال : ظننت المجيبة هندا فطلقتها طلقت هند رواية واحدة لأنه أرادها بطلاقه وفي زينب روايتان : .
إحداهما : تطلق اختارها ابن حامد لأنه خاطبها بالطلاق فطلقت كما لو لم يكن له نية .
والثانية : لا تطلق لأنه لم يردها بكلامه فلم تطلق كما لو أراد أن يقول : أنت طاهر فسبق لسانه بقوله أنت طالق وقال أبو بكر لا يختلف كلام أحمد : أنها لا تطلق وإن قال : علمت أن المجيبة زينب وأردت طلاق هند طلقتا معا ( هند ) بإرادته وزينب بخطابه لها بالطلاق اختيارا ولو لقي أجنبية ظنها زوجته فقال : أنت طالق طلقت زوجته لأنه قصد زوجته بلفظ الطلاق فطلقت كالتي قبلها وإن لقي زوجته فظنها أجنبية فقال : تنحي يا مطلقة أو أمته فقال : تنحي يا حرة يظنها أجنبية فقال أبو بكر لا يلزمه عتق ولا طلاق لأنه لم يقصد طلاقا ولا عتقا ويخرج على قول ابن حامد : أن يقع العتق والطلاق بناء على المسألة في أول الفصل