فصل : تابع باب الشروط في الطلاق .
إذا قال لزوجته : إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال : إن خرجت فأنت طالق وإن لم تخرجي فأنت طالق أو إن لم يكن هذا القول حقا فأنت طالق طلقت في الحال لأنه حلف بطلاقها وإن قال : إن طلعت الشمس أو قدم الحاج فأنت طالق ففيه وجهان : .
أحدهما : لا تطلق حتى تطلع الشمس ويجيء الحاج لأن الحلف ما قصد به المنع من الشيء أو الحنث عليه أو التصديق وليس في طلوع الشمس وقدوم الحاج شيء من هذا هذا قول القاضي في المجرد و ابن عقيل .
والثاني : أنه حلف لأنه تعليق على شرط فكان حلفا كما لو قال : إن خرجت فأنت طالق هذا قول القاضي في الجامع و أبي الخطاب وإن قال : إذا شئت فأنت طالق أو إذا حضت أو إذا طهرت فأنت طالق لم يكن حلفا وجها واحدا لأن تعليقه على المشيئة تمليك وتعليقه على الحيض طلاق بدعة وتعليقه على المطهر طلاق سنة فإن قال : إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم أعاده ثانية طلقت واحدة لأنه حلف بطلاقها فإن أعاده ثالثا طلقت ثانية فإن أعاده رابعا طلقت ثلاثا لأن كل مرة يوجد به صفة طلاق و تنعقد بها صفة أخرى ومثله لو قال : إن كلمتك فأنت طالق وكرره أربعا طلقت ثلاثا كذلك ولو قال لمدخول بهما : إذا حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان وكرره أربعا طلقتا ثلاثا فإن كانتا غير مدخول بهما بانتا إذا أعاده مرة ثانية ولم يقع بهما بعده طلاق فإن كانت إحداهما مدخولا بها والأخرى غير المدخول بها فأعاده مرة طلقت المدخول بها طلقة رجعية والأخرى طلقة ثانية فإن أعاده ثانيا لم تطلق واحدة منهما لأن شرط طلاقهما الحلف بطلاقهما ولم يحلف به لأن غير المدخول بها لا يصح الحلف بطلاقها وإن قال لمدخول بهما لإحداهما : إن حلفت بطلاقك ضرتك فأنت طالق ثم قال للأخرى : مثل ذلك طلقت الأولى وإن أعاده للأولى طلقت الأخرى وكلما أعاده لامرأة طلقت الأخرى وإن قال : كلما حلفت بطلاقك فضرتك طالق ثم قال مثل ذلك لضرتها طلقت فإن أعاده للأولى طلقت الضرة فإن أعاده للثانية طلقت الأولى وكلما أعاده لامرأة طلقت ضرتها حتى تكمل ثلاثا وإن كانت إحداهما غير مدخول بها فطلقت مرة لم تطلق أخرى ولم تطلق الأخرى بإعادته لها لأنه ليس بحلف بطلاقها لكونها بائنا .
فصل : .
وإن استعمل الطلاق أو العتاق استعمال القسم وأجابه بجوابه فقال : أنت طالق لأقومن أو ما قمت أو لقد قمت أو إني لقائم وبر لم يقع الطلاق لأنه حلف بر فيه فلم يحنث كما لو حلف بالله وإن حنث وقع طلاقه وإن قال : أنت طالق لولا أبوك لطلقتك وكان صادقا لم تطلق وإن كان كاذبا طلقت .
فصل : .
إذا قال : إن كلمتك فأنت طالق فاعلمي ذلك أو فتحققيه طلقت لأنه كلمها بعد عقد اليمين إلا أن يريد بعد انقضاء كلامي هذا ونحوه وإن زجرها فقال : تنحي أو اسكتي حنث لأنه كلام وإن سمعها تذكره فقال : الكاذب لعنه الله حنث لأنه كلمها وإن قال : إن بدأتك بالكلام فأنت طالق فقالت : إن بدأتك الكلام فعبدي حر انحلت يمينه بيمينها لأنها كلمته فلم يكن كلامه لها بعد ذلك بداية فإن كلمها انحلت يمينها لأنها لم تبدأه ما لم يكن لهما نية وإن قال : إن كلمتما هذين الرجلين فأنتما طالقتان فكلمت كل واحدة واحدا ففيه وجهان : .
أحدهما : يطلقان لأن تكليمهما وجد منهما .
والثاني : لا يطلقان حتى تكلم كل واحدة الرجلين معا لأنه علق طلاقهما على فعليهما معا ولو قال : إن ركبتما هاتين الدابتين فأنتما طالقتان طلقتا إذا ركبت كل واحدة دابة لأن العرف في ركوب دابتيهما أن يركب كل واحد دابته ولو قال : أنت طالق إن كلمت زيدا ومحمد مع خالد لم تطلق حتى تكلم زيدا في حال يكون محمد مع خالد لأن الجملة حال للجملة الأولى إلا أن يريد بكلامه الاستئناف فتطلق بكلام زيد بكل حال وقال القاضي : يحنث بكلام زيد لأن الجملة الثانية استئناف لا تعلق لها بالأولى وإن قال : من بشرتني بقدوم أخي فهي طالق فأخبره بذلك زوجتاه وهما صادقتان طلقت الأولى وحدها لأن البشارة خبر يحصل به سرور أو غم وإنما تحصل بالأول وإن كانتا كاذبتين لم تطلق واحدة منهما لأنه لا سرور في الكذب وإن كانت الأولى كاذبة والثانية صادقة طلقت الثانية وحدها لذلك وإن قال : من أخبرتني بقدوم أخي فهي طالق فقال القاضي : هي كالتي قبلها سواء لأن المراد من الخبر الإعلام ولا يحصل إلا بالخبر الأول الصدق ويحتمل أن تطلق الثانية والكاذبة لأن الخبر يقع على الجميع .
فصل : .
إذا قال : أنت طالق إن شئت أو متى شئت أو غير ذلك من الحروف فقالت : قد شئت طلقت سواء شاءت على الفور أو التراخي لأنه تعليق للطلاق على شرط فأشبه سائر التعليق وإن قالت : قد شئت إن شئت أو إن شاء أبي لم تطلق وإن شاء لأنها لم تشأ إنما علقت مشيئتها بمشيئته كما لو قالت : قد شئت إذا طلعت الشمس ولو قال : أنت طالق إن شاء زيد فشاء وهو مجنون أو طفل لم تطلق لأنه لا مشيئة لهما وكذلك إن شاء وهو سكران وخرجه أصحابنا على روايتين في طلاقه وإن شاء وهو مميز طلقت لأن له مشيئة ولذلك صح اختياره لأحد أبويه وخوطب بالاستئذان في العورات الثلاث وإن كان أخرس فأومأ بمشيئته طلقت لأن إشارته كنطق غيره وإن كان ناطقا فخرس فكذلك لأنه من أهل الإشارة ويحتمل أن لا يحنث لأن إشارته لا يعتد بها في تلك الحال في الشرع وإن مات أو جن لم تطلق لأنه لم يشأ وحكي عن أبي بكر : أنها تطلق وإن قال : أنت طالق إن شاءت البهيمة فهو تعليق للطلاق على المستحيل وإن قال : أنت طالق لمشيئة أبيك أو رضاه طلقت في الحال لأن معناه : ليرضى أو لكونه شاء فإن قال : أردت تعليقه بذلك قبل منه لأن ذلك يستعمل للشرط في قوله : أنت طالق للسنة فإن قال : أنت طالق إلا أن تشائي فشاءت في الحال لم تطلق وإن لم تشأ طلقت لأنه أوقعه عليها إلا أن ترفعه مشيئتها فإذا لم يوجد ما يرفعه وقع وإن قال : أنت طالق واحدة إلا أن تشائي ثلاثا فشاءت ثلاثا طلقت ثلاثا وإن لم تشأ أو شاءت دون الثلاث وقعت واحدة لأن هذا هو السابق إلى الفهم من ذلك وفيه وجه آخر أنها إذا شاءت ثلاثا لم تطلق لأنه علق وقوع الواحدة على عدم مشيئتها الثلاث ولم يوقع لمشيئتها شيئا فأشبه قوله : إلا أن تشائي وإن قال : أنت طالق إن شئت وشاء أبوك فشاء أحدهما منفردا لم تطلق لأنه لم يوجد الشرط .
فصل : .
وإن قال : أنت طالق إن كنت تحبين أن يعذبك الله بالنار أو قال : إن كنت تحبين ذلك [ بقلبك ] فقالت : أنا أحب ذلك ففيه وجهان : .
أحدهما : لا تطلق لأنها لا تحب ذلك وقولها كذب لا يلتفت إليه .
والثاني : تطلق لأنه لما لم يوقف على ما في القلب علق على النطق كالمشيئة .
فصل : .
فإن قال : أنت طالق أو عبدي حر إن شاء الله طلقت زوجته وعتق عبده لما روي عن ابن عباس Bه أنه قال : إذا قال الرجل لزوجته : أنت طالق إن شاء الله فهي طالق ولأنه استثناء يرفع جملة الطلاق حالا ومآلا فلم يصح كاستثناء الكل فإن قال : أنت طالق إن دخل الدار إن شاء الله ففيه روايتان : .
إحداهما : يقع الطلاق لما ذكرنا والأخرى : لا يقع لأن الطلاق المعلق بشرط يمين فيدخل في عموم قول النبي A : [ من حلف على يمين فقال : إن شاء الله فلا حنث عليه ] رواه الترمذي وقال : حديث حسن غريب وإن قال : أنت طالق إلا أن يشاء الله طلقت لما ذكرنا ولأنه علق رفع الطلاق على مشيئته لا يوقف عليها وإن قال : أنت طالق ما لم يشأ الله أو إن لم يشأ الله طلقت لأنه علقه بمستحيل فإن وقوع طلاقها إذا لم يشأ الله محال ويحتمل أن لا يحنث وإن قال : أنت طالق لتدخلن الدار إن شاء الله لم يحنث دخلت الدار أو لم تدخل لأنها إن دخلت فقد شاء الله وإن لم تدخل فلم يشأ الله تعالى .
فصل : .
لا يصح تعلق الطلاق قبل النكاح فلو قال لأجنبية : إن دخلت الدار فأنت طالق فتزوجها ودخلت الدار لم تطلق لما روي عن النبي A أنه قال : [ لا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك ابن آدم وإن عينها ] رواه الدارقطني وفي لفظ [ لا طلاق فيما لا يملك ] رواه الترمذي وقال : حديث حسن وروى أبو داود و الطيالسي نحوه وإن قال : كل امرأة أتزوجها فهي طالق وإن تزوجت فلانة فهي طالق ثم تزوجها لم يقع كذلك قال أبو بكر : لا يختلف قول أبي عبد الله : إن الطلاق إذا وقع قبل النكاح لا يقع وقال غيره عن أحمد : ما يدل على أن الطلاق يقع لأنه يصح تعليقه على الإخطار فصح تعليقه على الملك كالوصية والمذهب الأول لما ذكرنا ولأن من لا يقع طلاقه بالمباشرة لا يصح تعليقه كالمجنون .
فصل : .
إذا علق الطلاق بعد النكاح بوقت طلقت بأوله لأنه إذا علق بشيء تعلق بأوله كما لو قال : أنت طالق إذا دخلت الدار طلقت بدخولها أول جزء منها فلو قال : أنت طالق في رمضان طلقت بغروب شمس شعبان وإن قال : أنت طالق اليوم طلقت في الحال وإن قال : أنت طالق غدا طلقت بطلوع فجره فإن قال : أردت في آخر الشهر واليوم والغد دين وهل يقبل في الحكم ؟ يخرج على روايتين وإن قال : أنت طالق في أول رمضان أو في غرته طلقت في أوله ولم يقبل قوله : نويت آخره لأنه لا يحتمله وإن قال : أردت بالغرة اليوم الثاني قبل لأنه محتمل لأن الثلاث الأول من الشهر تسمى غررا وإن قال : أنت طالق إذا رأيت طلال رمضان طلقت بأول جزء منه لأن رؤيته في الشرع عبارة عما يعلم به دخوله بدليل قول النبي A : [ صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ] فإن قال : أردت إذا رأيته بعينيك قبل لأنه فسر اللفظ بموضوعه ويتعلق لحكم برؤيتها إياه بعد الغروب لأن هلال الشهر ما كان في أوله ويحتمل أن يتعلق برؤيتها إياه قبل الغروب وبعده لأن هلال الشهر يتعلق به وجوب الصوم والفطر وإن لم تره حتى أقمر لم تطلق لأنه ليس بهلال واختلف فيما يقمر به فقيل بعد ثالثة وقيل باستدارته وقبل إذا بهر ضوءه وإن قال : أنت طالق إلى شهر رمضان طلقت في أول جزء منه كقوله : في شهر رمضان لأنه جعل الشهر غاية للطلاق ولا غاية لآخره فوجب أن يجعل غاية لأوله فإن قال : أردت الإيقاع في الحال طلقت لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ وإن قال : أنت طالق في آخر أول الشهر طلقت في آخر أول يوم منه لأنه أوله وإن قال : في أول آخره طلقت بطلوع فجر آخر يوم منه لأنه آخره وقال أبو بكر : تطلق في المسألتين بغروب شمس اليوم الخامس عشر منه لأنه آخر نصف الشهر الأول وأول نصفه الآخر .
فصل : .
إذا قال : إذا مضت سنة فأنت طلق اعتبر مضي سنة بالأهلة لأنها السنة المعهودة في الشرع فإن قاله في أثناء شهر كمل ذلك الشهر بالعدد ثلاثين يوما وأحد عشر شهرا بالأهلة وإن قال : أردت سنة بالعدد وهي ثلاثمائة وستون يوما أو شمسية وهي ثلاثمائة وخمس وستون يوما قبل لأنه سنة حقيقية وإن قال : إذا مضت السنة فأنت طالق طلقت بانسلاخ ذي الحجة لأن التعريف ( بالألف واللام ) يقتضي ذلك فإن قال : أردت سنة كاملة دين وهل يقبل في الحكم ؟ يخرج على روايتين وإن قال : أنت طالق في كل سنة طلقة طلقت في الحال ثم إذا مضت سنة كاملة طلقت أخرى وكذلك الثالثة وقال أبو الخطاب : تطلق الثانية بدخول المحرم وكذلك الثالثة فإن قال : أردت أن تكون ابتداء السنين من أول الجديدة دين وهل يقبل في الحكم ؟ يخرج على روايتين .
فصل : .
وإن قال : أنت طالق إذا قدم فلان غدا أو غدا إذا قدم فلان لم تطلق حتى يقدم لأن الطلاق لا يقع قبل شرطه فإن مات قبل قدومه لم تطلق لأنها لم تبق محلا للطلاق وإن قدم بعد الغد لم تطلق لفوات محل الطلاق وإن قال : أنت طالق يوم يقدم فلان فقدم ليلا لم تطلق لأن الشرط لم يوجد إلا أن يريد باليوم الوقت فتطلق قال الله تعالى : { ومن يولهم يومئذ دبره } و إن قدم نهارا طلقت وهل تطلق في أول اليوم أو حين قدومه ؟ فيه وجهان : .
أحدهما : تطلق من أوله كما لو قال : أنت طالق يوم الجمعة .
والثاني : لا تطلق إلا بعد قدومه لأنه جعل قدومه فيه شرطا فلا تطلق قبله فإن مات قبل قدومه طلقت على الوجه الأول ولم تطلق على الثاني .
فصل : .
وإن قال : أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم لم يطلقها طلقت في آخر اليوم إذا بقي منه ما لا يتسع لقوله أنت طالق لأن معناه إذا فاتني طلاقك اليوم فأنت طالق وبهذا يفوت طلاقها وقال أبو بكر : لا تطلق لأن شرط طلاقها خروج اليوم وبخروجه يفوت محل طلاقها وإن قال : أنت طالق اليوم إذا جاء غد فقال القاضي في موضع : يقع الطلاق في الحال لأنه علقه بشرط محال فلغا شرطه ووقع الطلاق كما لو قال لآيسة : أنت طالق للبدعة وقال في المجرد : لا تطلق لأنه لا يقع في اليوم لعدم الشرط وإذا جاء الغد لم يمكن الطلاق في اليوم لأنه زمن ماض .
فصل : .
وإن قال : أنت طالق اليوم غدا طلقت واحدة لأن من طلقت اليوم فهي طالق غدا وإن قال : أردت طلقة اليوم وطلقة غدا طلقت اثنتين لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ وإن قال : أردت نصف طلقة اليوم ونصف غدا فكذلك لأن كل نصف يملكه بالسراية فيصيران طلقتين وإن قال : أردت نصف طلقة اليوم وباقيها غدا فكذلك في إحدى الوجهين لأن باقيها نصف يكمل بالسراية .
والثاني : لا تطلق إلا واحدة لأنه لما كمل النصف الأول لم يبق في الطلقة شيء فلا باقي لها فإن قال : أنت طالق في اليوم والغد طلقت واحدة لما ذكرنا وإن قال : أنت طالق في اليوم وفي الغد فكذلك في أحد الوجهين وفي الآخر : تطلق طلقتين لأن إعادة حرف الصلة يقتضي فعلا فكأنه قال : أنت طالق في اليوم وأنت طالق في غد .
فصل : .
إذا قال : أنت طالق بعد موتي لم تطلق لأنها بعد موته بائن فليست محلا للطلاق وإن قال : أنت طالق مع موتي لم تطلق لأن زمن البينونة زمن الطلاق فلم يمكن إيقاعه وإن تزوج أمة أبيه ثم قال : إذا مات أبي فأنت طالق فمات أبوه لم تطلق لأنه يملكها بموت أبيه فينفسخ نكاحه فيجتمع الفسخ والطلاق فيمتنع وقوعه كالتي قبلها وفيه وجه آخر أنها تطلق لأن زمن الطلاق عقيب الموت وهو زمن الملك والفسخ بعد الملك فيتقدم الطلاق الفسخ فيقع وإن قال : إن اشتريتك فأنت طالق واشتراها فعلى وجهين كالتي قبلها وإن قال الأب لجاريته : إذا مت فأنت حرة وقال الزوج : إذا مات أبي فأنت طالق فمات الأب وقعت الحرية والطلاق معا لأن الحرية تمنع ثبوت الملك له فلا ينفسخ نكاحه فيقع طلاقه .
فصل : .
إذا قال : أنت طالق أمس أو قبل أن أتزوجك لم يقع الطلاق نص عليه لأنه إضافة إلى زمن يستحيل وقوعه فيه فلم يقع كما لو قال : أنت طالق قبل موتي بشهر ومات قبل مضي شهر وقال القاضي في بعض كتبه : تطلق لأنه وصف الطلقة بما لا تتصف به فلغت الصفة ووقع الطلاق كما لو قال لآيسة : أنت طالق للبدعة وحكي عن أبي بكر أن الطلاق يقع في قوله : أنت طالق قبل أن أتزوجك خاصة لأنه يمكن أن يتزوجها بائنا وهذا الوقت قبله فيقع فيه بخلاف التي قبلها وإن قال : أردت طلاقها في الحال وقع لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ وإن قال : أردت أني طلقتها أمس طلقت بإقراره وإن قال : أردت أني طلقتها في نكاح آخر أو طلقها زوج قبلي فقد ذكرنا حكمه فيما مضى وإن قال : أنت طالق قبل قدوم أخرى بشهر أو قبل موتي بشهر فقدم أخوه أو مات مع مجيء الشهر أو قبله لم تطلق لأنه زمن ماض وإن قدم أو مات بعد مضي شهر وجزء يقع الطلاق فيه تبينا أنه وقع في ذلك الجزء قبل الشهر فإن خلعها بعد تعليق طلاقها بيوم ثم مات أو قدم بعد التعليق بشهر وساعة وقع الطلاق دون الخلع لأنها بانت بالطلاق فكان الخلع لبائن وإن مات أو قدم بعد الخلع بشهر وساعة صح الخلع لأنه صادف زوجة ولم يقع الطلاق لأنها بانت بالخلع قبله وإن قال : أنت طالق قبل موتي طلقت في الحال لأنه قبل موته وكذلك إن قال : أنت طالق قبل قدوم زيد سواء قدم أو لم يقدم ذكره القاضي وإن قال : أنت طالق قبيل موتي أو قبيل قدوم زيد لم يقع الطلاق إلا في الجزء الذي يلي الموت لأن ذلك تصغير يقتضي الجزء اليسير .
فصل : .
وإن علقه على مستحيل كقوله : أنت طالق إن طرت ففيه وجهان : .
أحدهما : لا تطلق لأنه علقه على صفة لم توجد .
والثاني : تطلق لأنه علق طلاقها على ما يرتفع به جملة فلغا الشرط ووقع الطلاق كقوله : أنت طالق طلقة لا تلزمك ولو قال : أنت طالق إن لم تطيري أو تقتلي الميت طلقت في الحال لأنه معلوم عدمه وإن قال : أنت طالق لتطيرن فكذلك وحكي عن القاضي أنه لا يحنث .
فصل : .
إذا كتب إليها : إذا أتاك كتابي فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت إذا أتاها وإن ذهبت حواشيه أو انمحى ما فيه إلا ذكر الطلاق طلقت لأنه أتاها كتابه مشتملا على المقصود وإن انمحى كل ما فيه أو انمحى ذكر الطلاق أو ضاع الكتاب لم تطلق لأن المقصود لم يأت وإن ذهب الكتاب إلا موضع الطلاق ففيه وجهين : .
أحدهما : تطلق لأن المقصود أتاها .
والثاني : لا تطلق لأن الكتاب لم يأت وإن قال إذا أتاك طلاقي فأنت طالق ثم كتب : إذا أتاك كتابي فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت طلقتين واحدة بمجيء الكتاب والأخرى بمجيء الطلاق .
فصل : .
إذا قال إن لم تخبريني بعدد حب هذه الرمانة فأنت طالق فإنها تعد له عددا يعلم أن عددها داخل فيه ولا يحنث إذا نوى ذلك فإن لم ينو حنث في قياس المذهب لأن الأيمان تنبني على المقاصد وظاهر قصد الحالف العلم بكميته ولا يحصل بهذا فإن قال : إن لم تميزي نوى ما أكلت من نوى ما أكلت فأنت طالق فأفردت كل نواة وحدها فالحكم فيها كالتي قبلها ولو وقعت في ماء جار فقال : إن أقمت فيه أو خرجت منه فأنت طالق فقال القاضي في الجامع : هي كذلك لأن الظاهر قصده خروجها من النهر وقال في المجرد لا يحنث بحال لأن الماء الذي كانت فيه جرى وصارت في غيره ولو قال : إن كانت امرأتي في السوق فعبدي حر وإن كان عبدي في السوق فامرأتي طالق وكانا في السوق عتق العبد ولم تطلق المرأة لأن العبد عتق باللفظ الأول فلما عتق لم يق له في السوق عبد ولو كان فيها تمرة فقال : إن أكلتيها أو أمسكتيها أو ألقيتيها فأنت طالق فأكلت بعضها ورمت بعضها انبنى على بعض المحلوف عليه ولو كانت على سلم فحلف عليها ألا تنزل عنه ولا تصعد عنه ولا تقف عليه فإنها تنتقل إلى سلم آخر ثم تنزل أو تصعد لأن نزولها أو صعودها إنما حصل من غيره ولو سرقت زوجته منه شيئا فحلف : لتصدقني أسرقت مني شيئا أم لا ؟ وكانت قد سرقت منه وخشيت أن تخبره فإنها تقول : سرقت منك ما سرقت منك وتكون ( ما ) هاهنا بمعنى الذي .
فصل : .
ومتى علق طلاق زوجته على صفة ثم أبانها ثم تزوجها قبل الصفة عادت الصفة لأن العقد والصفة وجدا منه في الملك فأشبه ما لو لم يتخللها بينونة وإن وجدت الصفة حال البينونة لم ينحل اليمين لأنه لم يحنث في يمينه فلم تنحل كما لو لم توجد الصفة ولأن الملك مقدر في يمينه لقييد الطلاق به ويتخرج أن تنحل الصفة بناء على قوله في العتق وهو اختيار أبو الحسن التميمي لأن الصفة وجدت فانحلت اليمين بها كما لو وجدت حال الملك ولأن اليمين إذا تعلقت بعين لم تتقيد بالملك كما لو لم حلف : لا يدخل هذه الدار وهي ملكه والله أعلم