كتاب الطلاق .
وهو على خمسة أضرب : .
واجب هو : طلاق المؤلي بعد التربص إذا أبى الفيئة وطلاق الحكمين في الشقاق إذا رأياه .
ومكروه وهو : الطلاق من غير حاجة لما روى محارب بن دثار عن ابن عمر Bهما : أن النبي A قال : [ أبغض الحلال إلى الله الطلاق ] رواه أبو داود وعنه : أنه محرم لأنه يضر بنفسه وزوجته وقد قال عليه السلام : [ لا ضرر ولا ضرار ] .
ومباح وهو : عند الحاجة إليه لضرر بالمقام على النكاح فيباح له دفع الضرر عن نفسه .
ومستحب وهو : عند تضرر المرأة بالنكاح إما لبغضه أو غيره فيستحب إزالة الضر عنها وعند كونها مفرطة في حقوق الله الواجبة عليها كالصلاة ونحوه وعجزه عن إجبارها عليه أو كونها غير عفيفة لأن في إمساكها نقصا ودناءة وربما أفسدت فراشه وألحقت به ولدا من غيره وعنه : أن الطلاق هاهنا واجب قال في مسألة إسماعيل بن سعيد : هل يحل للرجل أن يقيم مع امرأة لا تصلي ولا تغتسل من جنابة ولا تتعلم القرآن ؟ أخشى أن لا يجوز المقام معها وقال : لا ينبغي له إمساك غير العفيفة .
ومحظور وهو : طلاق المدخول بها في حيضها أو في طهر أصابها فيه ويسمى : طلاق البدعة لمخالفته أمر الله تعالى في قوله : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } وروى ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر رسول الله A عن ذلك فقال له رسول الله A : [ مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق بها النساء ] متفق عليه ولأن طلاق الحائض يضر بها لتطويل عدتها والمصابة ترتاب فلا تدري أذات حمل هي فتعتد بوضعه ؟ أم حائل فتعتد بالقرء ؟ ويحتمل أن يتبين حملها فيندم على فراقها مع ولدها فأما غير المدخول بها فلا يحرم طلاقها لأنها لا عدة عليها تطول والصغيرة التي لا تحمل والآيسة لا يحرم طلاقهما لأنه لا ريبة لهما ولا ولد يندم على فراقه وكذلك الحامل التي استبان حملها لا يحرم طلاقها لما روى سالم عن أبيه أن النبي A قال : [ ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا ] أخرجه مسلم ولأنه لا ريبة لها ولا يتجدد لها أمر يتجدد به الندم لأنه على بصيرة من حملها .
فصل : .
ويقع الطلاق في زمن البدعة لأن النبي A أمر بالرجعة ولا يكون إلا بعد طلاق ويستحب ارتجاعها لأمر النبي A بها ولأنه يزيل الضرر الحاصل بالطلاق ولا يجب لأنه بمنزلة ابتداء النكاح أو استدامته وكلاهما غير واجب وعنه : أن الرجعة واجبة لظاهر الأمر ومتى ارتجعها أبيح له طلاقها في الطهر الذي يلي الحيضة التي طلق فيها قبل إصابتها لأن في حديث ابن عمر أن النبي A أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم إن شاء طلق متفق عليه .
فصل : .
والأولى أن يطلقها واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها لقول الله تعالى : { فطلقوهن لعدتهن } إلى قوله : { لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا * فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } وهذا لا يمكن إذا جمع الثلاث وقال علي : لو أن الناس أخذوا بما أمر الله تعالى من الطلاق ما يتبع رجل نفسه امرأة أبدا يطلقها تطليقة ثم يدعها ما بينها وبين أن تحيض ثلاثا فمتى شاء راجعها وهل يحرم جمع الثلاث ؟ فيه روايتان : .
إحداهما : يحرم لمخالفته أمر الله في الطلاق واحدة وروى محمود بن لبيد قال : أخبر رسول الله A عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فغضب وقال : [ أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ؟ ! ] حتى قام رجل فقال : يا رسول الله ألا أقتله ؟ رواه النسائي ولأنه حرم بالقول امرأته لغير حاجة فحرم كالظهار .
والثانية : لا يحرم لأن في حديث فاطمة بنت قيس أن زوجها أرسل إليها بثلاث تطليقات ولم ينقل إنكاره عن النبي A ولأنه طلاق يجوز تفريقه فجاز جميعه كطلاق النسوة و متى طلقها ثلاثا بكلمة واحدة أو بكلمات حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره لما روي أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة البتة ثم أتى رسول الله A فقال : يا رسول الله لقد طلقت امرأتي سهيمة البتة والله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله A : [ والله ما أردت إلا واحدة ؟ ] فقال ركانة : والله ما أردت إلا واحدة فقال : [ هو ما أردت ] فردها إليه رسول الله A رواه الترمذي و الدارقطني و أبو داود وقال : الحديث صحيح فلو لم تقع الثلاث لم يكن للاستحلاف معنى .
فصل : .
ويملك الحر ثلاث تطليقات لقوله تعالى : { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وروى أبو رزين قال : جاء رجل إلى النبي A فقال : قول الله تعالى : { الطلاق مرتان } فأين الثالثة ؟ قال : { تسريح بإحسان } .
ويملك العبد اثنتين حرة كانت زوجته أو أمة لما روي أن مكاتبا لأم سلمة طلق امرأته و كانت حرة تطليقتين فأراد رجعتها فذهب إلى عثمان Bه فوجده آخذ بيد زيد بن ثابت فقالا : حرمت عليك حرمت عليك والمكاتب والمعتق بعضه كالقن في ذلك لأنه لم تكمل الحرية فيه .
فصل : .
وإن طلق العبد زوجته تطليقتين ثم عتق ففيه روايتان : .
إحداهما : لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره لأنه استوفى عدد طلقاتها فأشبه الحر إذا طلق ثلاثا .
والثانية : له أن ينكحها وتكون عنده على طلقة واحدة لأنه يروى عن النبي A أنه قضى بذلك رواه النسائي وهو قول ابن عباس وجابر .
ويصح الطلاق من كل زوج بالغ عاقل مختار فأما غير الزوج فلا يصح طلاقه لقول النبي A : [ الطلاق لمن أخذ بالساق ] وروى الخلال بإسناده عن علي أن النبي A قال : [ لا طلاق قبل نكاح ] وعن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ( ص ) قال : [ لا طلاق إلا فيما تملك ] رواه أبو داود و الترمذي فلو قال : إذا تزوجت فلانة أو امرأة فهي طالق ثم تزوجها لم تطلق للخبر ولأنه حل لقيد النكاح قبله فلم يصح كما لو قال لأجنبية : إذا دخلت الدار فأنت طالق ثم تزوجها وعن أحمد : ما يدل على أنها تطلق إذا تزوجها لأنه يصح تعليقه على الشرط فصح تعليقه على حدوث الملك كالوصية وأما الصبي العاقل ففيه روايتان : .
إحداهما : لا يقع طلاقه حتى يحتلم لقول النبي ( ص ) : [ رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ] ولأنه غير مكلف أشبه الطفل .
والثانية : أنه إن كان ابن عشر وعقل الطلاق صح طلاقه اختاره الخرقي لأنه يروى عن النبي ( ص ) أنه قال : [ كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه والمغلوب على عقله ] أخرجه الترمذي ولأنه عاقل أشبه البالغ وأما الطفل والمجنون والنائم والزائل العقل لمرض أو شرب دواء أو إكراه على شرب الخمر فلا يقع طلاقه لقول النبي ( ص ) : [ رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المحنون حتى يفيق ] فيثبت في الثلاثة بالخبر وفي غيرهم بالقياس عليهم فأما السكران لغير عذر والشارب لما يزيل عقله لغير حاجة ففيه روايتان : .
إحداهما : يقع طلاقه اختاره الخلال و القاضي لما روى أبو وبرة الكلبي قال : أرسلني خالد إلى عمر فأتيته في المسجد ومعه عثمان وعلي و طلحة والزبير وعبد الرحمن فقلت : إن خالدا يقول : إن الناس انهمكوا في الخمر وتحاقروا عقوبته فقال عمر : هؤلاء عندك فسلهم فقال علي : نراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون فقال عمر : أبلغ صاحبك ما قالوا فجعلوه كالصاحي في فريته وأقاموا مظنة الفرية مقامها ولأنه مكلف فوقع طلاقه كالصاحي .
والثانية : لا يقع طلاقه اختارها أبو بكر لأن ذلك قول عثمان صح ذلك عنه ولأنه زائل العقل أشبه المجنون وفي قتله وقذفه وسرقته وعتقه ونذره وبيعه وشرائه مثل ما في طلاقه والأولى أنه لا يصح منه تصرف له فيه حظ لأن تصحيح ما عليه إنما كان تغليظا عليه فيبقى في ماله على الأصل .
فصل : .
فأما المكره على الطلاق بحق كالذي وجب عليه الطلاق فأكرهه الحاكم عليه صح منه لأنه قول حمل عليه بحق فصح كإسلام المرتد وإن أكره بغير حق لم يقع طلاقه لقول النبي ( ص ) : [ رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ] ولأنه قول حمل عليه بغير حق أشبه الإكراه على كلمة الكفر ولا يكون مكرها إلا بشروط ثلاثة : .
أحدها : أن يكون المكره قادرا على فعل ما توعده به لا يمكن دفعه عنه .
الثاني : أن يغلب على ظنه فعل ما توعد به إن لم يفعل .
الثالث : أن يكون ضرره كبيرا غير محتمل كالقطع والقتل والحبس الطويل والإخراج من الديار وأخذ المال والإحراق بمن يغض ذلك منه من ذوي الأقدار فأما من لا يغض ذلك منه والمهدد بالشتم أو الضرب اليسير ونحوه فليس بمكروه واختلفت الرواية في نيله بشيء من العذاب هل يشترط في الإكراه أم لا ؟ .
فعنه : هو شرط ولا يكون الوعيد بمجرده إكراها هذا الذي ذكره الخرقي ولأن عمر قال : ليس الرجل أمينا على نفسه إذا أوجعته أو أوثقته ولأن الوعيد بمجرده لا يتحقق وقوعه به .
والثانية : ليس بشرط وهو الصحيح لأن الوعيد بالمستقبل هو المبيح دون ما مضى منه لكون الماضي لا يمكن دفعه وقد استويا في الوعيد فيستويان في عدم الوقوع ولأن المهدد بالقتل إذا امتنع قتل فوجب أن تثبت الإباحة بمجرد التهديد دفعا لضرر القتل عنه .
فصل : .
وأما السفيه المبذر فيقع طلاقه لأنه زوج مكلف فيقع طلاقه كالرشيد والحجر : إنما هو في ماله لا في غيره .
فصل : .
وإن قال العجمي لامرأته : أنت طالق ولا يعلم معناه لم تطلق لأنه لم يختر الطلاق لعدم علمه بمعناه فإن نوى موجبه لم يقع لأنه لم يتحقق اختياره لما لا يعلمه فأشبه ما لو نطق بكلمة الكفر من لا يعرف معناها ويحتمل أن تطلق لأنه أتى بالطلاق ناويا مقتضاه فوقع كما لو علمه وهكذا العربي إذا نطق بلفظ الطلاق بالعجمية غير عالم بمعناه .
فصل : .
وإذا طلق جزءا من زوجته كثلثها وربعها أو عضوا منها كيدها وإصبعها طلقت لأنه لا يتبعض فإضافته إلى البعض إضافة إلى الجميع كالقصاص وإن أضافه إلى الشعر والسن والظفر لم يقع لأن هذه تزول ويخرج غيرها فلم يقع بإضافته إليها كالريق وإن أضافه إلى الريق والدمع والعرق لم يقع لأنه ليس من ذاتها إنما هو مجاور لها وإن أضافه إلى سوادها أو بياضها لم يقع لأنه عرض ليس من ذاتها وإن أضافه إلى روحها فقال أبو بكر : لا يقع لأنها ليس عضوا ولا جزءا لا شيئا يستمتع به و لا يحل العقد به وقال أبو الخطاب : يقع بإضافته إلى روحها ودمها لأن دمها من أجزائها فهو كلحمها وروحها بها قوامها وإن أضافه إلى الحمل لم يقع لأنه ليس من أعضائها وإنما هو مودع فيها .
فصل : .
إذا قال لزوجته : أنا منك طالق لم تطلق لأنه محل لا يقع الطلاق بإضافته إليه من غير نية فلم يقع بنية كالأجنبي ولأنه لو قال : أنا طالق لم يقع به طلاق فكذلك إذا قال : أنا منك طالق كالأجنبي وإن قال : أنا منك بائن أو بريء ففيه وجهان : .
أحدهما : لا يقع طلاقه لأنه لا يقع بإضافة صريحة إليه فكذلك كنايته .
والثاني : يقع لأن البينونة والبراءة يوصف بها الرجل فيقال : بان منها وبانت منه ولأنه عبارة عن قطع الوصلة التي بينهما فصح إضافته إلى كل واحد منهما