كتاب الخلع .
ومعناه : فراق الزوج امرأته بعوض فإن خالعها بغير عوض لم يصح لكن إن كان بلفظ الطلاق أو نواه به فهو طلاق رجعي ولم يقع به شيء وعنه : يصح الخلع بغير عوض اختاره الخرقي فإذا سألته خلعها فقال : خلعتك انفسخ النكاح ولا شيء له لأنه فرقة فجازت بغير عوض كالطلاق فإن قال : خلعتك من غير سؤال الزوجة لم يكن خلعا وكان كناية في الطلاق لا غير قال أبو بكر : لا خلاف عن أبي عبد الله أن الخلع ما كان من قبل النساء فإذا كان من قبل الرجال فلا نزاع في أنه طلاق يملك به الرجعة ووجه الرواية الأولى أنه فسخ للنكاح بغير عوض ولا عيب فلم يملكه الزوج كما لو تسأله المرأة .
فصل : .
والخلع على ثلاثة أضرب : مباح : وهو أن تكره المرأة زوجها لبعضها إياه وتخاف ألا تؤدي حقه ولا تقيم حدود الله في طاعته فلها أن تفتدي نفسها منه لقوله تعالى : { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } وروى البخاري بإسناده قال : جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي A فقالت : يا رسول الله ما أنقم على ثابت من دين ولا خلق إلا أني أخاف الكفر في الإسلام فقال رسول الله ( ص ) [ أتردين عليه حديقته ] ؟ فالت : نعم فردت عليه وأمره ففارقها ولأن حاجتها داعية إلى فرقته ولا تصل إلى ببذل العوض فأبيح لها ذلك كشراء المتاع .
الثاني : المخالعة لغير سبب مع استقامة الحال فذهب أصحابنا إلى أنه صحيح مع الكراهة لقوله تعالى : { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } ويحتمل كلام أحمد تحريمه وبطلانه لأنه قال : الخلع مثل حديث سهلة تكره الرجل فتعطيه المهر فهذا الخلع ووجه ذلك قوله تعالى : { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله } وروى ثوبان قال : رسول الله A [ أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة ] رواه أبو داود ولا يلزم من الجواز في غير عقد الجواز في عقد بدليل عقود الربا .
الثالث : أن يعضل الرجل زوجته بأذاه لها ومنعها حقها ظلما لتفتدي نفسها منه فهذا محرم لقوله تعالى : { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } فإن طلقها في هذه الحال بعوض لم يستحقه لأنه عوض أكرهت على بذله بغير حق فلم يستحقه كالثمن في البيع ويقع الطلاق رجعيا وإن خالعها بغير لفظ الطلاق وقلنا : هو طلاق فحكمه ما ذكرنا وإلا فالزوجة بحالها فإن أدبها لتركها فرضا أو نشوزها فخالعته لذلك لم يحرم لأنه ضربها بحق وإن زنت فعضلها لتفتدي نفسها منه جاز وصح الخلع لقول الله تعالى : { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } والاستثناء من النفي إثبات وإن ضربها ظلما لغير قصد أخذ شيء منها فخالعته لذلك صح الخلع لأنه لم يعضلها ليأخذ مما آتاها شيئا .
فصل : .
ويصح الخلع من العبد والسفيه والمفلس وكل زوج يصح طلاقه لأنه إذا ملك الطلاق بغير عوض فبعوض أولى والعوض في خلع العبد لسيده لأنه من كسبه لا يجوز تسليمه إلى غيره إلا بإذنه ولا يجوز تسليم العوض في خلع السفيه إلا إلى وليه كسائر حقوقه وقال القاضي : يصح قبضهما لأنه صح خلعهما فصح قبضهما كالمفلس ولا يصح من غير زوج لأنه لا يملك الطلاق إلا أب الصغير فإنه فيه روايتين : .
إحداهما : لا يملك طلاق زوجته ولا خلعها لقول النبي A : [ الطلاق لمن أخذ بالساق ] رواه ابن ماجه ولأنه إسقاط لحقه فلم يملكه كإسقاط قصاصه .
والثانية : يملكه لأنه يملك تزويجه فملك الطلاق والخلع كالزوج وكذلك القول في زوجة عبده الصغير .
فصل : .
ويصح الخلع من كل زوجة رشيدة لأن استدانتها صحيحة فإن كانت أمة فحكم خلعها حكم استدانتها بإذن سيدها وبغير إذنه ويرجع على المكاتبة بالعوض إذا عتقت وعلى المفلسة إذا أيسرت كاستدانتها فأما السفيهة والصغيرة والمجنونة فلا يصح بذل العوض منهن لأنه تصرف في المال وليس من أهله ويصح بذل العوض في الخلع من الأجنبي فإذا قال : طلق زوجتك بألف علي ففعل لزمته ألف لأنه إسقاط حق لا يفتقر إلى رضى المسقط عنه فصح بالمالك والأجنبي كالعتق بمال فإن قال : طلق زوجتك بمهرها وأنا ضامن ففعل بانت وعليه مهرها ولا يرجع به على أحد وليس لغير الزوجة خلعها بشيء من مالها ولو كان أبا الصغيرة لأنه يسقط به حقها من العوض والنفقة والاستمتاع فإن فعل وكان طلاقا كان رجعيا وإلا لم يقع به شيء كالخلع مع العضل .
فصل : .
ويجوز الخلع من غير حاكم لأنه قطع عقد بالتراضي فلم يحتج إلى حاكم كالإقالة ويجوز في الحيض لأن تحريم الطلاق فيه يثبت دفعا لضرر تطويل العدة والخلع يدفع به ضرر سوء العشرة وهو أعظم وأدوم فكان دفعه أولى .
فصل : .
وألفاظ الخلع تنقسم إلى صريح وكناية لأنه أحد نوعي الفرقة فكان له صريح وكناية كالطلاق فالصريح ثلاثة ألفاظ خالعتك لأنه يثبت له عرف الاستعمال وفاديتك لورود القرآن به وفسخت نكاحك لأنه حقيقة فيه وما عدا هذا مثل بارأتك وأبرأتك وأبنتك فكناية فمتى أتى بالصريح وقع وإن لم ينو ولا يقع بالكناية إلا بنية أو دلالة حال بأن تطلب الخلع وتبذل العوض فيجيبها بذلك لأن دلالة الحال تغني عن النية ومتى وقع الخلع بلفظ الطلاق أو نوى به الطلاق فهو طلاق بائن لأنه لا يحتمل غير الطلاق وإن خالعها بغير لفظ لطلاق غير ناو به الطلاق ففيه روايتان : .
إحداهما : هو طلاق أيضا لأنه كناية في الطلاق نوى به فرقتها فكان طلاقا كما لو نوى به الطلاق .
والثانية : هو فسخ لقول الله تعالى : { الطلاق مرتان } ثم ذكر الخلع ثم قال : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } فلو كان طلاقا كانت أربعا ولا خلاف في تحريمها بثلاث ولأنه ليس بصريح في الطلاق ولا نوى به الطلاق فلم يكن طلاقا كغيره من الكنايات فإذا قلنا : هو طلاق نقص به عدد طلاقها ومتى خالعها ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره وإن قلنا : هو فسخ لم ينقص به عدد طلاقها وحلت له من غير نكاح زوج ثان ولو خالعها مرارا .
فصل : .
وتبين بالخلع على كلتا الروايتين فلا يملك رجعتها لأنه عقد معاوضة فلم يملك الرجوع فيما اعتاض عنه كالبيع ولا يلحقها طلاقه ولو واجهها به لأنها بائن فلم يلحقها طلاقه كبعد العدة فإن طلقها بعوض وشرطه الرجعة فقال ابن حامد : يصح الخلع ويسقط الشرط لأن الخلع لا يفسد بالعوض الفاسد فلم يفسد بالشرط الفاسد كالنكاح قال القاضي : ويسقط المسمى وله صداقها لأنه إنما رضي به مع الشرط فإذا فسد الشرط وجب أن يرجع بما نقص لأجله فيصير مجهولا فيفسد ويجب الصداق ويحتمل أن يجب المسمى لأنه مسمى صحيح في عقد صحيح فوجب قياسا على الصداق في النكاح وفيه وجه آخر : أنه يسقط العوض وتثبت الرجعة لأن شرط العوض والرجعة يتنافيان فيسقطان ويبقى مجرد الطلاق وإن شرط الخيار في الخلع بطل الشرط وصح الخلع لأن الخيار في البيع لا يمنع نقل الملك ففي الخلع لا يمنع وقوعه ومتى وقع فلا سبيل إلى رفعه .
فصل : .
ويصح الخلع منجزا بلفظ المعاوضة لما فيه من المعاوضة ومعلقا على شرط لما فيه من الطلاق فأما المنجز بلفظ المعاوضة فهو أن يوقع الفرقة بعوض فيقول : خلعتك بألف أو طلقتك بألف أو أنت طالق بألف فتقول : قبلت كما يقول : بعتك هذا الثوب بألف فتقول : قبلت هذا قول القاضي وقياس قول أحمد : أنه يقع الطلاق رجعيا ولاشيء له لأنه أوقع الطلاق الذي يملكه ولم يعلقه بشرط وجعل عليها عوضا لم تبذله ولم ترض به فلم يلزمها فأما المعاوضة الصحيحة فمثل أن تقول المرأة : اخلعني بألف أو على ألف أو وعلي ألف فيقول : طلقتك كما تقول : بعني هذا الثوب بألف فيقول : بعتك ولا يحتاج إلى ذكر أو إعادة الألف في الجواب لأن الإطلاق يرجع إليه كما يرجع في البيع ولا يصح الجواب في هذا إلا على الفور ويجوز للرجل الرجوع في الإيجاب قبل القبول وللمرأة الرجوع في السؤال قبل الجواب كما يجوز في البيع وأما المعلق فيجوز أن يعلق الطلاق على دفع مال أو ضمانه فيقول : إن أعطيتني ألفا أو إذا أعطيتني ألفا أو متى أعطيتني ألفا أو متى ضمنت لي ألفا فأنت طالق فمتى ضمنتها له أو أعطته ألفا طلقت سواء كان على الفور أو التراخي لأنه تعليق للطلاق على شرط فوقع بوجود الشرط كما لو عري عن ذكر العوض ويكفي في العطية أن يحضر المال ويأذن في قبضه أخذ أو لم يأخذ لأن اسم العطية يقع عليه يقال : أعطيته فلم يأخذ فإن أعطته بعض الألف لم تطلق لأنه لم يوجد الشرط وإن قالت : طلقني بألف فقال : أنت طالق بألف إن شئت لم تطلق حتى تشاء لأنه علق على المشيئة فلم يقع إلا بها وسواء شاءت على الفور أو التراخي نص عليه لأنه جعل المشيئة شرطا فأشبه تعليقه على دخول الدار .
فصل : .
فإذا قال : أنت طالق وعليك ألف طلقت رجعية ولا شيء له لأنه لم يجعل الألف عوضا للطلقة ولا شرطا فيها إنما عطفه على الطلاق الذي يملك إيقاعه فوقع ما يملكه دون ما يملكه وإن قال : أنت طالق على ألف أو على أن عليك ألفا فعن أحمد : فيها مثل ذلك لأن ( على ) ليست حرف شرط ولا مقابله لهذا لا يصح أن تقول : بعتك ثوبي على ألف وقال القاضي : لا يقع الطلاق بها حتى تقبل ذلك لأنها أجريت مجرى الشرط والجزاء بدليل قوله تعالى في قصة شعيب : { إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج } وقوله تعالى : { فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا } فعلى هذا إذا قال أنت طالق على ألف أو بألف فقالت : قبلت واحدة بثلث الألف لم يقع لأنها لم تقبل ما بذله فأشبه ما لو قال : بعتك عبيدي الثلاثة ألف فقال : قبلت واحدا بثلث الألف وإن قالت : قبلت واحدة بألف وقع الثلاث واستحق الألف لأنه علق الثلاث على بذلها للألف وقد وجد فإن قال : أنت طالق ثلاثا واحدة منها بألف طلقت اثنين ووقعت الثالثة على قبولها ولو لم يبق من طلاقها إلا طلقة فقال : أنت طالق اثنتين الأولى بغير شيء والثانية بألف بانت الثالثة ولم يستحق شيئا وإن قال : الأولى بألف استحق الألف إذا قبلت .
فصل : .
وإذا قالت : طلقني بألف فقال : خلعتك ينوي به الطلاق أو قلنا : الخلع طلاق استحق الألف لأنه طلقها وإن لم ينو الطلاق وقلنا : ليس بطلاق لم يستحق العوض لأنها استدعت فرقة تنقص عدد طلاقه فلم يجبها إليه ويكون كالخلع بغير عوض ويحتمل أن لا يقع بها شيء لأنه إنما بذل خلعها بعوض فلم يحصل فلم يقع وإن قالت : اخلعني بألف فقال : طلقتك بألف وقلنا : الخلع فسخ ففيه وجهان : .
أحدهما : له الألف لأن الطلاق بعوض نوع من الخلع ولأنها استدعت فرقة لا ينقص عدد طلاقها فأتى بفرقة تنقص عدد طلاقها وهذا زيادة .
والثاني : لا يستحق شيئا لأنه لم يجبها إلى ما سألت وإن قالت : طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة وقعت رجعية ولا شيء له لأنه لم يجبها إلى ما سألت فإنها استدعت فرقة تحرم بها قبل زوج آخر فلم يجبها إليه وإن لم يكن بقي من عدد طلاقها إلا واحدة استحق الألف علمت أو لم تعلم لأن القصد تحريمها قبل زوج آخر وقد حصل ذلك وإن قالت : طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا طلقت ثلاثا وله الألف لأنه حصل ما طلبته وزيادة وإن قالت : طلقني عشرا بألف فطلقها ثلاثا استحق الألف في قياس المسألة التي قبلها لأنه حصل المقصود وإن طلقها أقل من ذلك لم يستحق شيئا لأنه لم يجب سؤالها .
فصل : .
فإن قالت : طلقني بألف إلى شهر فقال : إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق استحق الألف ووقع الطلاق عند رأس الشهر بائنا لأنه بعوض وإن طلقها قبل رأس الشهر طلقت ولا شيء له نص عليه لأنه إخبار بإيقاع الطلاق بغير عوض وإن قالت : لك علي ألف على أن تطلقني متى شئت من الآن إلى شهر فطلقها قبل رأس الشهر وقع الطلاق واستحق الألف لأنه أجابها إلى ما سألت وقال القاضي : تبطل التسمية وله صداقها لأن زمن الطلاق مجهول .
فصل : .
وإن قالت إحدى زوجتيه : طلقني وضرتي بألف ففعل صح الخلع فيهما لأن الخلع مع الأجنبي صحيح وإن طلق إحداهما لم يستحق شيئا لأنه لم يجبها إلى ما سألت فلم يستحق ما بذلت كما لو قال في المناضلة : من سبق بسهمين فله ألف فسبق أحدهما وقال القاضي : تبين المطلقة على الباذلة حصتها من الألف كما لو قال : من رد عبدي فله ألف فرد أحدهما وإن قالت : طلقني بألف على أن تطلق ضرتي بألف فكذلك سواء وقال القاضي : إذا لم يف بشرطها فله الأقل من المسمى في صداقها أو الألف .
فصل : .
وإن قال لزوجتيه : أنتما طالقتان بألف فقبلتا طلقتا وتقسطت الألف بينهما على قدر صداقهما وعلى قول أبي بكر يكون بينهما نصفين كقوله فيما إذا تزوجهما بألف وإن قبلت إحداهما بانت ولزمتها حصتها من الألف وإن كانت إحداهما غير رشيدة فقبلتا بانت الرشيدة بحصتها ولم تطلق الأخرى لأنها بذلت للعوض غير صحيح وإن قال : أنتما طالقتان بألف إن شئتما فقالتا : قد شئنا فهي كالتي قبلها إلا أن إحداهما إذا شاءت وحدها لم تطلق واحدة منهما لأن مشيئتهما معا شرط لطلاقهما فلا يوجد بدون شرطه فإن قالتا : قد شئنا وإحداهما صغيرة أو مجنونة فكذلك لأن مشيئتها غير صحيحة وإن كانت سفيهة طلقتا لأن مشيئتهما صحيحة وعلى الرشيدة حصتها من العوض ويقع طلاق السفيهة رجعيا ولا عوض عليها لأن بذلها غير صحيح .
فصل : .
وكل ما جاز صداقا جاز جعله عوضا في الخلع قليلا كان أو كثيرا وقال أبو بكر : لا يأخذ أكثر مما أعطاها فإن فعل رد الزيادة والأول المذهب لقول الله تعالى : { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } .
وروت الربيع بنت معوذ قالت : اختلعت من زوجي فيما دون عقاص رأسي وأجازه عثمان ولأنه عوض عن ملك منافع البضع أشبه الصداق ولا يستحب أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها لأنه يروى عن النبي A أنه أمر ثابت بن قيس أن يأخذ من زوجته حديقته ولا يزداد رواه ابن ماجه وحكمه حكم الصداق في أنه إذا وجد عيبا خير بين قيمته وأخذ أرشه وفي أنه خالعها على عبد فبان حرا أو خلا فبان خمرا فله قيمة العبد ومثل الخل وإن خالعها بحر أو خمر يعلمانه وهما مسلمان فهو كالخلع بغير عوض لأنه رضي منها بما ليس بمال بخلاف ما إذا لم يعلم فأنه لم يرض بغير مال فرجع بحكم الغرور فإن كانا كافرين فأسلما أو تحاكما إلينا بعد قبضه فلا شيء له لأن حكمه مضى قبل الإسلام فإن أسلما قبله فظاهر كلام الخرقي أنه يجب له عوض لأنه لم يرض بغير عوض فأشبه المسلم إذا اعتقده عبدا أو خلا وقال القاضي في الجامع : لا شيء له : لأنه رضي بما ليس بمال فأشبه المسلم وقال في المجرد : لها مهر المثل لأن العوض فاسد يرجع إلى قيمة المتلف وهو مهر المثل ويحتمل أن يجب لها قيمة الحر لو كان عبدا وقيمة الخمر عند الكفار لأنه رضي بمالية ذلك فأشبه المسلم إذا اعتقده عبدا أو خلا .
فصل : .
ويصح الخلع على عوض مجهول في ظاهر المذهب وقال أبو بكر : لا يصح لأنه عقد معاوضة فلا يصح بالمجهول كالبيع ولنا أن الطلاق معنى يصح تعليقه بالشرط فجاز أن يستحق به المجهول كالوصية وفيه مسائل خمس : .
أحدها : أن تخالعنه على ما في يدها من الدراهم فإن كان في يدها دراهم فهي له وإن لم يكن فيها دراهم فله ثلاثة نص عليه أحمد لأنه أقل ما يقع عليه اسم الدراهم حقيقة ولفظها دل على ذلك فاستحقه كما لو وصى له بدراهم .
الثانية : تخالعه على ما في بيتها من المتاع فإن كان فيه متاع فهو له قليلا كان أو كثيرا لأن الخلع على المجهول جائز فهو كالوصية به وإن لم يكن فيه متاع فله أقل ما يقع عليه اسم المتاع كالمسألة قبلها وكالوصية وقال القاضي وأصحابه : له المسمى في صداقها لأنها فوتت عليه البضع بعوض مجهول فيجب قيمة ما فوتت عليه وهو صداقها وهو تعليل يبطل المسألة التي قبلها .
الثالثة : خالعها على دابة أو حيوان أو بعير أو ثوب ونحو ذلك أو قال : إن أعطيتني دابة أو بعيرا أو بقرة فإن تطلق ويملك ما أعطيته من ذلك فإن اختلفتا فيما يجب له فالواجب أقل ما يقع عليه الاسم في قياس قول أحمد وفي قول القاضي وأصحابه : يجب له صداقها ووجه القولين ما تقدم .
الرابعة : خالعتها على عبد مطلق أو قال : إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فالحكم فيها كالتي قبلها قال أبو الخطاب : نص أحمد على أنه يملك العبد الذي أعطته وقال القاضي : له عبد وسط بناء على قوله في الصداق وقال أبو الخطاب : يجب له صداقها ووجههما ما تقدم .
الخامسة : خالعها على ما يثمر نخلها أو على ما تحمل أمتها أو على ما في بطن الأمة من الحمل أو ما في ضرع الشاة من اللبن أو على ما في النخلة من التمر فله ما سمي له إن وجد منه شيء وإن لم يوجد منه شيء فقال القاضي في الجامع : لا شيء له لأنهما دخلا في العقد مع تساويهما بالعلم بالحال ورضاه بما فيه من الاحتمال فلم يكن له شيء كما لو خالعها على ما ليس بمال فإذا لم يستحق شيئا كان الخلع بغير عوض وقد قال أحمد : إذا خلع امرأته على ثمر نخلها سنين فجائز ترضيه بشيء قبل حمل نخلها قيل له : فإن حمل نخلها ؟ قال : هذا أجود من ذاك قيل له : يستقيم هذا ؟ قال : نعم جائز قال القاضي : قوله : ترضيه بشيء على طريق الاستحباب لأنه لو كان واجبا لتقدير بتقدير يرجع إليه وقال : وفي معنى هذا إذا خالعها على حكم أحدهما أو حكم أجنبي أو على ما في يدها أو بيتها أو بمثل ما خالع به فلان زوجته ونحو ذلك وقال أبو الخطاب : يرجع عليها بصداقها وقال ابن عقيل : إن خالعها على حمل أمتها فلم يخرج الولد سليما فله مهر المثل في هذه المواضع كلها لما تقدم .
فصل : .
إذا قال : إذا أعطيتني عبدا فأنت طالق فأعطته عبدا لها ملكه وطلقت سليما كان أو معيبا قنا أو مدبرا لأن اسم العبد يقع عليه فقد وجد شرط الطلاق وإن دفعت إليه حرا لم تطلق لأنها لم تعطه عبدا ولم تملكه شيئا وإن دفعت إليه عبدا مغصوبا لم تطلق لأن معنى العطية هاهنا التمليك ولم تملكه شيئا وإن قال : إن أعطيتني هذا العبد فأنت طالق فدفعته إليه فإذا هو حر أو مغصوب لم تطلق كذلك وعنه : تطلق وله قيمته وإن خرج معيبا لم يرجع عليه بشيء ذكره أبو الخطاب لأنه شرط لوقوع الطلاق فأشبه ما لو قال : إن ملكته فأنت طالق ثم ملكه وقال القاضي : له رده والرجوع بقيمته أو أخذ أرشه لأنها خالعته عليه أشبه ما لو قالت : اخلعني على هذا العبد فخلعها وقال - فيما إذا قال : إن أعطيتني عبدا فأنت طالق - : يلزمها عبد وسط كذلك وإن قال : إن أعطيتني ألف درهم فأنت طالق ونويا صنفا من الدراهم حمل العقد عليها وإن أطلقا حمل على نقد البلد كالبيع وإن لم يكن للبلد نقد غالب حمل على ما يقع عليه الاسم ولا يقع الطلاق بدفع ألف عددا ناقصة الوزن ولا تدفع نقرة زنتها ألف لأن الدراهم في عرف الشرع المضروبة الوازنة وإن دفعت إليه مغشوشة تبلغ فضتها ألفا طلقت بوجود الفضة وإن نقصت عنها لم تطلق لأن الدراهم اسم للفضة .
فصل : .
فإذا خالعها على رضاع ولده مدة معلومة صح وإن أطلق صح أيضا وينصرف إلى ما بقي من الحولين لأن الله تعالى قيده بحولين فينصرف الإطلاق إليه فإن ماتت المرضعة أو الصبي أو جف لبنها قبل ذلك فعليها أجرة المثل لما بقي من المدة لأنه عوض معين تلف قبل قبضه فوجبت قيمته أو مثله كما لو خالعها على قفيز فهلك قبل قبضه وإن خالعها على كفالة ولده عشر سنين صح ويرجع عند الإطلاق إلى نفقة مثله كما ذكرنا في الإجارة فإن مات في أثناء المدة فله بدل ما يثبت في ذمتها .
فصل : .
ويجوز التوكيل في الخلع من الزوجين ومن كل واحد منهما مع تقدير العوض وإطلاقه لأنه عقد معاوضة فجاز ذلك فيه كالبيع فإن وكل الزوج فخالع وكيله بما قدر له أو بزيادة عليه أو بصداقها عند الإطلاق أو زيادة عليه صح ولزم المسمى لأنه امتثل أمره أو زاد خيرا وإن خالع بدونه ففيه وجهان : .
أحدهما : لا يصح اختاره ابن حامد لأنه خالف موكله فلم يصح تصرفه كما لو وكله في خلع امرأة فخالع أخرى .
والثاني : يصح ويرجع على الوكيل بالنقص اختاره أبو بكر لأنه أمكن الجمع بين تصحيح التصرف ودفع الضرر فوجب كما لو لم يخالف وذكر القاضي وجهين آخرين : .
أحدهما : يتخير الزوج بين قبول العوض ناقصا وبين رده وله الرجعة .
والثاني : يسقط المسمى ويجب مهر المثل وإن عين له جنس العوض فخالع بغيره أو خالع عند الإطلاق بغير نقد البلد أو بمحرم لم يصح لأنه خالف موكله في الجنس أشبه ما لو وكله في بيع شيء فباع غيره فأما وكيل الزوجة فمتى خالع بالمقدر أو دونه أو بصداقها عند الإطلاق أو دونه : صح لأنه امتثل أو زاد خيرا وإن خالع بزيادة لم تلزمها لأنها لم تأذن فيها وتلزم الوكيل لأنه التزمها للزوج وقال القاضي : يلزمها مهر المثل .
فصل : .
إذا ادعى الزوج خلعها فأنكرته أو قالت : إنما خالعك غيري بعوض في ذمته بانت بإقراره والقول قولها في نفي العوض مع يمينها لأنها منكرة وإن ادعته المرأة فأنكرها فالقول قوله ولا شيء عليه لأنه لا يدعيه وإن اتفقا على الخلع واختلفا في قدر العوض أو جنسه أو صفته أو حلوله فالقول قول المرأة نص عليه لأن القول قولها في أصله فالقول قولها في صفته ولأنها منكرة للزيادة المختلف فيها والقول قول المنكر وإن أقرت وقالت : إنها في ضمان زيد لزمتها الألف ولم يلزم زيدا شيء إلا أن يقر به