باب الوليمة .
وهي : الإطعام في العرس وهي مستحبة لما روى أن النبي A قال لعبد الرحمن بن عوف حين تزوج : [ أولم ولو بشاة ] متفق عليه وليست واجبة لأنها طعام لسرور حادث فأشبه سائر الأطعمة ويستحب أن يولم بشاة للخبر وإن أولم بغيرها أصاب السنة لما روى أنس قال : ما أولم الرسول A على شيء من نسائه ما أولم على زينب أولم بشاة متفق عليه .
فصل : .
وإجابة الداعي إليها واجبة لما روى ابن عمر قال : قال رسول الله A : [ إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها ] وقال أبو هريرة : ( ومن لم يحب فقد عصا الله و رسوله ) رواهما البخاري وإن كان الداعي ذميا لم تجب إجابته لأن الإجابة للمسلم للإكرام والموالاة ولا يجب ذلك للذمي وتجوز إجابته لما روى أنس أن يهوديا دعا النبي A إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه رواه أحمد في ( الزهد ) وإنما تجب إجابة المسلم إذا نص عليه فإن دعا الجفلى كقوله : أيها الناس أجيبوا و هلم إلى الطعام لم تجب الإجابة لأن كل واحد غير منصوص عليه فلا ينكسر قلب الداعي بتخلفه وإن دعا ثلاثة أيام وجبت الإجابة في اليوم الأول واستحب في الثاني ولم تستحب في الثالث لما روي عن النبي A أنه قال : [ الوليمة أول يوم حق والثاني معروف الثالث رياء و سمعة ] رواه أبو داود فإن دعا اثنان ولم يمكنه الجمع بينهما أجاب أسبقهما لأن إجابته وجبت بدعوته فمنعت من وجوب إجابة الثاني : فإن استويا أجاب أقربهما بابا لما روي عن النبي A أنه قال : [ إذا اجتمع داعيان فأجب أقربهما بابا فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا فإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق ] رواه أبو داود فإن استويا أجاب أقربهما رحما فإن استويا أجاب أدينهما لأن هذا من أبوب البر فقدم بهذه المعاني فإن استويا أقرع بينهما .
فصل : .
وإذا دعي الصائم لم تسقط الإجابة فإذا حضر وكان الصوم واجبا لم يفطر وإن كان تطوعا استحب له الفطر ليسر أخاه ويجبر قلبه ولا يجب لما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله A : [ إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما فليدع وإن كان مفطرا فليطعم ] رواه مسلم و أبو داود ويستحب إعلامهم بصيامه لأنه يروى عن عثمان و ابن عمر Bهما ولأن التهمة تزول ويتمهد عذره وإن كان مفطرا فالأفضل الأكل للخبر ولأن فيه جبر قلب الداعي ولا يجب لما روى جابر قال : قال رسول الله A : [ إذا دعي أحدكم إلى الطعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك ] حديث صحيح .
فصل : .
والدعاء إلى الوليمة إذن في الأكل والدخول لما روى جابر قال : قال رسول الله A : [ إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول فذلك إذن له ] رواه أبو داود .
فصل : .
وإذا دعي إلى وليمة فيها منكر كالخمر والزمر فأمكنه الإنكار حضر وأنكر لأنه يجمع بين واجبين وإن لم يمكنه لم يحضر لأنه يرى المنكر ويسمعه اختيارا وإن حضر فرأى المنكر أو سمعه أزاله فإن لم تمكنه إزالته انصرف لما روى سفينة : أن رجلا أضافه على فصنع له طعاما فقالت فاطمة : لو دعونا رسول الله A فأكل معنا فدعوه فجاء فوضع يده على عضادتي الباب فرأى قراما من ناحية البيت فرجع فقالت فاطمة : الحقه فقل : ما رجعك يا رسول الله ؟ فقال : [ إنه ليس لي أن أدخل بيتا مزوقا ] حديث حسن ولأنه يشاهد المنكر ويسمعه من غير حاجة فمنع منه كالقادر على إزالته وإن علم المنكر ولم يره ولم يسمعه لم ينصرف لأنه لم يره ولم يسمعه ولا ينصرف لسماع الدف لأنه مشروع ولا لرؤية نقوش وصور غير الحيوان كالشجر والأبنية لأنه نقش مباح فهو كعلم الثوب وأما صور الحيوان فإن كانت توطأ أو يتوكأ عليها كالبسط والوسائد فلا بأس بها وإن كانت على حيطان أو ستور انصرف لما روت عائشة قالت : قدم رسول الله A من سفر وقد سترت لي سهوة بنمط فيه تصاوير فلما رآه قال : [ أتسترين الجدر بستر فيه تصاوير ] فهتكه قالت : فجعلت منه وسادتين وحشوتهما ليفا فلم يعب ذلك علي فإن قطع رأس الصورة أو ما لا بقي الحيوان بعده كصدر وظهر ذهبت الكراهة لأنه لا تبقى الحياة فيه فأشبه الشجر وإن أزيل منه ما تبقى الحياة بعده كيد أو رجل فالكراهة بحالها لأنها صورة حيوان وإن سترت الحيطان بستور غير مصورة لحاجة من حر أو برد جاز ولم يكره لأنه يستعمله لحاجة فأشبه لبس الثياب وإن كان لغيره حاجة ففيه وجهان : .
أحدهما : هو محرم لما روي عن علي بن الحسين قال نهى رسول الله A أن تستر الجدر رواه الخلال والنهي يقتضي التحريم ودعا ابن عمر أبا أيوب فجاء فرأى البيت مستورا بنجاد أخضر فقال : يا عبد الله ! أتسترون الجدر ؟ لا أطعم لكم طعاما ولا أدخل لكم بيتا ثم خرج .
والثاني : هو مكروه لأن ابن عمر أقر عليه ولم ينكر ولأن كراهته لما فيه من السرف فلا يبلغ به التحريم كالزيادة في الملبوس ويجوز الرجوع لذلك لفعل أبي أيوب .
فصل : .
فأما سائر الدعوات غير الوليمة كدعوة الختان وتسمى : الأعذار والعذيرة والخرس و الخرسة عند الولادة والوكيرة : دعوة البناء والنقيعة : لقدوم الغائب والحذاق : عند حذق الصبي والمأدبة : اسم لكل دعوة لسبب كان أو لغير سبب ففعلها مستحب لما فيه من إطعام الطعام وإظهار النعمة ولا تجب الإجابة إليها لما روي عن عثمان بن أبي العاص أنه دعي إلى ختان فأبى أن يجيب وقال : إنا كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله A ولا يدعى إليه رواه الإمام أحمد وتستحب الإجابة لقوله عليه السلام : [ إذا دعي أحدكم فليجب عرسا كان أو غير عرس ] رواه أبو داود ولأن فيه جبر قلب الداعي وتطييبه .
فصل : .
والنثار والتقاطه مباح ولأنه نوع إباحة فأشبه تسبيل الماء والثمرة وفي كراهته روايتان : .
إحداهما : يكره وهي التي ذكرها الخرقي لما روي عن النبي A أنه نهى عن النهبة وقال : [ لا تحل النهبى ] رواه أحمد في المسند ولأن في التقاطه دناءة وقتلا وقد يأخذ من غيره أحب إلى صاحب النثار منه .
والثانية : لا يكره اختارها أبو بكر لما روى عبد الله بن قرط قال : قرب إلى رسول الله A خمس بدنات أو ست بدنات فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ فنحرها رسول الله A وقال : [ من شاء اقتطع ] رواه أبو داود ولا بأس أن يخلط المسافرون أزوادهم ويأكلون جميعا لأن السلف كانوا يتناهدون في الغزو والحج وغيرهما ومن وقع في حجره شيء من النثار فهو مباح لأنه مباح حصل في حجره فملكه كما لو وثبت سمكة فسقطت في حجره