باب الأداء والعجز .
لا يعتق المكاتب حتى يبرأ من مال الكاتبة بالأداء أو الإبراء لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي A قال : [ المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم ] رواه أبو داود وقال أصحابنا : إذا أدى ثلاث أرباع كتابته وعجز عن الربع عتق لأنه حق له فلا تتوقف حريته على أدائه كأرش جناية سيده عليه وإن أبرأه سيده عتق لأنه لم يبق عليه شيء .
فصل : .
وإن عجلت الكاتبة قبل محلها وفي قبضها ضرر لم يلزمه قبضه قبل محله كالسلم وإن لم يكن في قبضه ضرر لزمه قبضه وعتق العبد لأن الأجل حق لمن عليه الدين فإذا رضي بإسقاط حقه يجب أن يسقط كسائر الحقوق .
وعنه : لا يلزمه قبضه لأن بقاء المكاتب في هذه المدة في ملكه حق له ولم يرض بزواله فلم يزل كما لو علق عتقه بمضي ذلك المدة .
وعنه : أنه يعتق إذا ملك ما يؤدي لما روت أم سلمة أن النبي A قال : [ إذا كان إحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه ] رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح فعلى هذا إن امتنع من الأداء أجبره الحاكم عليه .
فصل .
وإذا حل نجم فعجز عن أدائه فللسيد الفسخ لأنه تعذBه العوض في عقد معاوضة ووجد عين ماله فكان له الرجوع كما لو باع سلعة فأفلس المشتري قبل تقديمها .
وعنه : لا يعجز حتى يحل نجمان لأن ما بينهما محل الأداء الأول فلا يتحقق عجزه حتى يحل الثاني .
وعنه : لا يعجز حتى يقول : قد عجزت وللسيد الفسخ بغير حاكم لأنه مجمع عليه أشبه الرد بالعيب وإن امتنع العبد من الأداء مع إمكانه فظاهر كلام الخرقي : أن للسيد الفسخ وهو قول جماعة من أصحابنا لأن التعذر حاصل بالامتناع كحصوله بالعجز وقال أبو بكر : ليس له الفسخ لأنه أمكن الاستيفاء بإجباره على ذلك وتعذر البعض كتعذر الجميع .
فصل : .
وإن كان معه متاع يريد بيعه فاستنظره لبيعه لزمه إنظاره لأنه أمكن الاستيفاء من غير ضرر ولا يلزمه إنظاره أكثر من ثلاث لأنها قريبة وإن كان له مال غائب يرجو قدومه فيما دون مسافة القصر فكذلك وإن كان أبعد لم يلزمه إنظاره لأن فيه ضررا وإن كان له دين حال على مليء أو في يد مودع فهو كالغائب القريب وإن كان على معسر أو مؤجلا فهو كالبعيد وإن حل النجم والمكاتب غائب بغير إذن سيده فله الفسخ وإن كان بإذنه لم يفسخ ويرفع الأمر إلى الحاكم ليكتب كتابا إلى حاكم ذلك البلد ليأمر بالأداء أو يثبت عجزه عنده فيفسخ حينئذ وإن حل والمكاتب مجنون معه مال فسلمه إلى المولى عتق لأنه قبض ما يستحقه فبرئت به ذمة الغريم فإن لم يكن معه شيء فلسيده الفسخ وإن فسخ ثم ظهر له قال نقض الحكم بالفسخ لأننا حكمنا بالعجز في الظاهر وقد بان خلافه فنقض كما لو حكم الحاكم ثم وجد النص بخلافه وإن كان قد أنفق عليه بعد الفسخ رجع بما أنفق لأنه لم يتبرع به بل أنفق على أنه عبده وإن أفاق بعد الفسخ فأقام بينة أنه كان قد أدى نقض الحكم بالفسخ ولم يرجع السيد بالنفقة لأنه تبرع بإنفاقه عليه مع علمه بحريته .
فصل : .
وإن أحضر المكاتب المال فقال السيد : هذا حرام وأنكر المكاتب ولا بينة فالقول قول المكاتب مع يمينه لأنه في يده فالظاهر أنه له فإذا حلف خير المولى بين أخذه أو إبرائه من مال الكاتبة فإن لم يفعل قبضه الحاكم لأنه حق تدخله النيابة فإذا امتنع منه قام الحاكم مقامه وكذلك إن عجلت الكاتبة قبل محلها ـ وقلنا : يلزمه أخذه ـ فامتنع قام الحاكم مقامه وروي أن رجلا أتى عمر فقال : يا أمير المؤمينين إني كاتب على كذا و كذا وإني أيسرت بالمال فأتيته بالمال فزعم أنه لا يأخذه إلا نجوما فقال عمر : يا برفأ خذ هذا المال فاجعله في بيت المال وأد إليه نجوما في كل عام وقد عتق هذا رواه الأثرم .
فصل : .
فإذا أدى المكاتب ظاهرا فبان مستحقا تبينا أنه لم يعتق لأن العتق بالأداء وما أدى وإن علم بعد الموت فتركه لمولاه أو ورثته لأنه مات على الرق وإن ظهر به عيب فللسيد الرد والمطالبة بالأرش فإن رضي به معيبا استقر العتق وإن طلب الأرش فأدى إليه استقر العتق وإن لم يؤد إليه بطل العتق لأن ذمته لم تتم براءتها من المال وإن رد المعيب بطل العتق إلا أن يعطيه بدله وقال أبو الخطاب : لا يرتفع العتق وله قيمة المعيب أو أرشه إن أمسكه وإن كاتب على خدمة شهر فمرض فيه لم يقع العتق لعدم العوض .
فصل : .
وإن باع ما في ذمة المكاتب لم يصح لأنه بيع دين لا سيما وهو غير مستقر فإن قبضه المشتري لم يعتق المكاتب لأنه لم يقبضه السيد ولا وكيله وإنما قبضه المشتري لنفسه وهو لا يستحقه وفيه وجه آخر : أنه يعتق لأن السيد أذن للمشتري في قبضه فكان قبضه كقبض وكيله .
فصل : .
إذا جنى المكتاتب بدئ بجنايته قبل كتابته لأن جنايته تقدم على حق المالك إذا كان قنا فعلى حقه إذا كان مكاتبا أولى فإن أداهما عتق وإن عجز عن أدائهما فلكل واحد منهما تعجيزه فإن عجزه ولي الجناية بيع فيها إن استغرقته وإلا بيع منه بقدر جناية وباقيه على الكاتبة متى أدى كتابة باقية عتق وهل يسري عتقه ويقوم على سيده إن كان موسرا ؟ على وجهين وإن عجزه السيد عاد قنا وخير بين فدائه أو تسليمه كعبده القن فإن أعتقه السيد فعليه فداؤه أيضا لأنه أتلف محل الحق وإن كان عليه دين من معامله بدئ بقضائه مما في يده لأنه يتعلق بما في يده ويختص به والسيد والمجني عليه يرجعان إلى رقبته فإن فضل شيء قدم ولي الجناية وإن لم يكن له مال لم يملك الغريم تعجيزه لأن حقه في الذمة فلا فائدة في تعجيزه بل تركه على الكاتبة أنفع له لأنه ربما اكتسب بما يعطيه فكان أولى