باب ما يملكه المكاتب وما لا يملكه .
يملك المكاتب اكتساب المال بالبيع والإيجار والأخذ بالشفعة وأخذ الصدقة والهبة وكسب المباحات والسفر لأنه من أسباب الكسب وهو مع المولى كالأجنبي في ضمان المال وبذلك المنافع وأرش الجنايات وجريان الربا بينهما لأنه صار بما بذله من العوض كالحر وقال ابن أبي موسى : لا ربا بينهما لأنه ملك لسيده قال أصحابنا : ولا بأس أن يعجل المكاتب لسيده ويضع عنه بعض كتابته لأن مال الكتابة ليس بمستقر ولذلك لا يصح ضمانه فليس بدين صحيح فكأن السيد أخذ بعضا وأسقط بعضا .
فصل : .
ويملك التصرف في المال بما يعود لمصلحته ومصلحة ماله فيجوز أن ينفق على نفسه لأن هذا من أهم مصالحه وعلى رقيقه وحيواناته وله أن يفدي نفسه ورقيقه في الجناية لأن فيه مصلحته وله أن يختن غلامه ويؤدبه لأنه صلاح للمال وله أن يقتص من الجناية عليه وعلى رقيقه و يأخذ الأرش لأن فيه مصلحته وذكره القاضي وقال أبو بكر و أبو الخطاب : لا قصاص له في جناية بعض رقيقه على بعض لأن فيه إتلاف المال على سيده .
فصل : .
وليس له إقامة الحد على رقيقه لأن طريقه الولاية والمكاتب ليس من أهل الولاية وليس له أن يتصدق ولا يتبرع ولا يعتق الرقيق ولا يحج بماله ولا يهب ولا يحابي ولا يبرئ من الدين ولا يكفر بالمال ولا ينفق على أقاربه ولا يقرض ولا يسرف في النفقة على نفسه لأن حق السيد متعلق بإكسابه فإنه ربما عجز فصار إلى سيده وإن كانت أمة مزوجة لم يملك بذل العوض في خلعها ولا تعجيل قضاء دين مؤجل لأنه تبرع يمنع التصرف في المال من غير حاجة إليه وإن كان مكاتبا بين نفسين لم يكن له تقديم حق أحدهما لأن ما يقدمه يتعلق به حق الآخر ولا يملك فداء جناية أو جناية رقيقه بأكثر من قيمته لأن الفداء كالابتياع ولا يملك التزويج ولا التسري لأنه تلزمه النفقة والمهر في التزويج ولا يأمن حبل الأمة فتتلف بالولادة وما فعل من هذا كله بإذن سيده جاز لأن المنع لأجله فجاز بإذنه كتصرف الراهن بإذن المرتهن وإن وهب المولى أو أقرضه أو حاباه أو فدى جنايته عليه بأكثر من أرشها جاز لاتفاقهما عليه .
فصل : .
وليس له التصرف إلا على وجه الحظ والاحتياط لأن حق المولى متعلق باكتسابه فلا يبيع نسأ وإن أخذ به رهنا أو ضمينا ويحتمل الجواز لما ذكرنا في المضارب وإن باع ما يساوي مائة بمائة نقدا وعشرين نسيئة جاز لأنه لا ضرر فيه وليس له أن يضارب بماله لأنه يخاطر به ولا يرهنه لأنه يخرج ماله بغير عوض وفيه وجه آخر : أنه يجوز له رهنه والمضاربة به لأنه قد يرى الحظ فيه بدليل أن لولي اليتيم فعله في مال اليتيم فجاز كإجارته .
فصل : .
وإذا استولدت أمته صارت أم ولد له لأنها علقت له في ملكه وليس له بيعها نص عليه وتكون هي وولدها منه موقوفين إن عتق بالكتابة عتق الولد وأمه أم ولد وإن رق رقا وذكر القاضي في موضع آخر : أن الأمة لا تصير أم الولد لأنها علقت بمملوك وله بيعها وليس له مكاتبة رقيقه لأنه إعتاق واختار القاضي : أنه له ذلك لأنه معاوضة فملكه كالبيع وقال أبو بكر : إعتاقه وكتابته موقوفان وإن أدى وهما في ملكه نفذا وإلا بطلا كالقول في ذوي أرحامه والول أصح لأن العتق تبرع فلم يصح كالهبة ومن لا يصح إعتاقه لا تصح كتابته كالمأذون وليس له تزويج الرقيق وحكي عن القاضي : أن له تزويج الأمة دون العبد لأنه معاوضة وقال أبو الخطاب : له تزويجهما إذا رأى المصلحة فيه لأنه تصرف في الرقيق بما فيه المصلحة فجاز كختان العبد والأول أصح لأن في التزويج ضررا في المال ونقصا في القيمة وليس هو من جهات المكاسب قال القاضي : وله أن يشتري ذوي رحمه لأنه لا ضرر على السيد فيهم فإنه إن عجز فهم عبيد وإن عتق لم يضر السيد عتقهم وقال أبو الخطاب : ليس له شراؤهم لأنه يبذل ماله فيما لا يجوز التصرف فيه ويلزمه نفقته لكن يصح أن يملكهم بالهبة والوصية أو بالشراء بإذن السيد وعلى كلا القولين إذا ملكهم لم يعتقوا بمجرد ملكه لهم لأنه لا يملك إعتاقه بالقول فلا يحصل العتق بالملك القائم مقامه ولا يملك بيعهم ولا إخراجهم عن ملكه لأن من يعتق عليه ينزل منزلة جزئه فلم يجز بيعه كبعضه فإن أدى عتق وكمل ملكه فيهم فعتقوا حينئذ وولاؤهم له دون سيده وإن رق رقوا ونفقتهم على المكاتب لأنهم عبيده وإن أعتقهم السيد لم يصح لأنهم ليسوا عبيدا له وإن اشترى المكاتب زوجته أو المكاتبة زوجها صح لأنه يملك التصرف فيه وإذا ملك أحدهما صاحبه انفسخ النكاح لأنه لا يجتمع ملك اليمين وملك النكاح ولو زوج ابنته من مكاتبه فمات السيد قبل عتقه انفسخ النكاح لأنها لما ملكته أو جزأ من أجزائه انفسخ النكاح كما لو اشترته .
فصل : .
وإن حبس المكاتب أجنبي عن التصرف فعليه أجرة مثله لأنه فوت منافعه فلزمه عوضها كالعبد وإن حبسه سيده ففيه ثلاثة أوجه : .
أحدها : تلزمه أجرة مثله لما ذكرنا .
والثاني : لا يحتسب عليه بمدة الحبس لأنه يلزمه تمكينه من التصرف مدة الكتابة فإذا منعه لم يحتسب بها عليه .
والثالث : يلزمه أرفق الأمرين به لأنه وجد سببهما فكان للمكاتب أنفعهما وإن قهره أهل الحرب فحبسوه لم يلزم السيد إنظاره لأن الحبس من غير جهته .
فصل : .
وليس للسيد وطء مكاتبته من غير شرط لأنه زال ملكه عن استخدامها وأرش الجناية عليها فلا يحل وطؤها كالمعتقة وإن شرطه في عقد الكتابة صح الشرط لأنه شرط منفعتها مع بقاء ملكه عليها فصح كما لو شرط خدمتها مدة فإن وطئها مع الشرط فلا مهر عليه لأنه يملكه فأشبه وطء أم ولده وإن وطئها من غير شرط أدب لأنه وطئ وطأ محرما ولا حد عليه لأنها مملوكته ولها عليه مهر مثلها سواء أكرهها أو طاوعته لأنه عوض منفعتها فوجب لها كما لو استخدمها وإن علقت منه فالولد حر لأنه ولده من أمته ولا يلزمه قيمته لذلك وتصير أم ولد له لأنه أحبلها بجزء من ملكه والكتابة بحالها فإن أدت عتقت وإن عجزت عتقت بموته لأنها من أمهات الأولاد وما في يدها لورثة سيدها وإن مات السيد قبل عجزها عتقت لأنه اجتمع بها سببان يقتضيان العتق فأيهما سبق عتقت به وما في يدها لها ذكره القاضي لأن العتق إذا وقع في الكتابة لا يبطل حكمها ولأن الملك كان ثابتا لها والعتق لا يقتضي زواله عنها فأشبه ما لو عتقت بالإبراء من مال الكتابة وقال الخرقي و أبو الخطاب : ما في يدها لورثة سيدها لأنها عتقت بحكم الاستيلاد فأشبه غير المكاتبة ولو أعتقها سيدها أو عتقت بالتدبير احتمل أن يكون كذلك واحتمل أن يكون ما في يدها لها بكل حال لأن إعتاقها برضى من المعتق رضى منه بإعطائها مالها بخلاف العتق بالاستيلاد .
فصل : .
وولد المكاتبة من غير سيدها بعد كتابتها بمنزلتها لأنها استحقت الحرية بسبب قوي فتبعها ولدها كأم الولد وسواء حملت به بعد الكتابة أو كانت حاملا به عند كتابتها ونفقته عليها لأنه تبعها في حكمها وكسبه لها لذلك وإن قتل فقيمته لها لأنه بمنزله جزئها وبذل جزئها لها فإن أعتقه السيد نفذ عتقه نص عليه لأنه عبد له فصح عتقه كأمه فإن كان ولدها جارية لم يملك السيد وطأها لأنه لا يملك وطء أمها وحكمها حكم أمها وإن وطئها فلا حد عليه للشبهة وعليه مهرها حكمه حكم كسبها وإن علقت منه صارت أم ولد له بشبهة الملك ولا يلزمه قيمتها لأن القيمة تجب لمن يملكها والأم لا تملك رقبتها إنما هي موقوفة عليها ويحتمل أن تلزمه قيمتها لأمها كما لو قتلها والحكم في وطء جارية المكاتبة كالحكم في وطء بنتها إلا أنه يلزمه قيمتها إذا أحبلها لمولاتها لأنها مملوكتها ووطء جارية المكاتب كوطء جارية المكاتبة سواء .
فصل : .
إذا كانت الأمة بين شريكين فكاتباها ثم وطئها أحدهما أدب ولا حد عليه لشبهة الملك وعليه المهر لها لما قدمناه فإن أولدها فولده حر وتصير أم ولد له وعليه نصف قيمتها لشريكه لأنه فوت رقها عليه فإن كان موسرا أداه وإن كان معسرا ففي ذمته هذا ظاهر كلام الخرقي لأن الإحبال أقوى من الإعتاق بدليل نفوذه من المجنون وتصير أم ولد للواطئ ومكاتبة له كما لو اشترى نصفها من شريكه وقال القاضي : إن كان الواطئ معسرا لم يسر إحباله إلى نصيب الشريك لأنه إعتاق فلم يسر مع الإعسار كالقول ويصير نصفها أم ولد فإن عجزت استقر الرق في نصفها وثبت حكم الاستيلاد لنصفها وإن كان الواطئ موسرا فنصفها أم ولد ونصفها موقوف إن أدت عتقت وإن عجزت فسخت الكتابة وقومت حينئذ على الواطئ وصار جميعها أم ولد له وأما الولد فهو حر ونسبه لاحق بالواطئ وهل تجب نصف قيمته ؟ فيه روايتان : .
إحداهما : تجب لأنه كان من سبيله أن يكون عبدا فقد أتلف رقه بفعله فكان عليه نصف قيمته .
والثانية : لا تجب قيمته لأنه انتقل نصيب شريكه إليه حين علقت به ولا قيمة له في تلك الحال فلم يضمنه وقال القاضي : والرواية الأولى أصح على المذهب ويكون الواجب لأمه إن كانت في الكتابة لأنه بدل ولدها وقال أبو بكر : إن وضعته بعد التقويم فلا شيء على الواطئ لأنها وضعته في ملكه وإن كان قبله غرم نصف قيمته .
فصل : .
فإن وطئها الثاني بعد وطء الأول وكانت باقية على الكتابة فعليه المهر لها وإن كانت قد عجزت وقومت على الأول فالمهر له وإن لم تقوم على الأول فمهرها بينهما فإن أولدها الثاني بعد الحكم بأنها أم ولد الأول لم تصر أو ولد للثاني وحكم ولدها حكمها كما لو ولدت من أجنبي وإن كان قبل الحكم بأنها أم ولد للأول صار نصفها أم ولد للثاني ونصفها أم ولد للأول .
فصل : .
ويجب على السيدة إيتاء المكاتب من المال قدر ربع الكتابة لقول الله تعالى : { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } وروى علي Bه أن النبي A قال في هذه الآية : [ يحط به الربع ] أخرجه أبو بكر وهذا نص وروي موقوفا على علي .
ويخير السيد بين وضعه عنه وبين دفعه إليه لأن الله تعالى نص على الدفع إليه فنبه به على الوضع لكونه أنفع من الدفع لتحقق النفع به في الكتابة فإن اختار الدفع جاز به العقد للآية ووقت الوجوب بعد العتق لقوله تعالى : { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } فإذا آتى ما عليه عتق وقال علي : الكتنابة على نجمين والإيتاء من الثاني ويجب الإيتاء من جنس مال الكتابة للآية فإن اتفقا على غير ذلك جاز لأن الحق لهما فجاز باتفاقهما وإن مات السيد بعد العتق وقبل الإيتاء فذلك دين في تركته يحاص به غرماؤه لأنه حق لآدمي فلم يسقط بالموت كسائر حقوقه