باب أحكام النجاسات .
بول الآدمي نجس لأن النبي A قال في الذي يعذب في قبره : [ إنه كان لا يستتر من بوله ] متفق عليه والغائط مثله .
والودي : ماء أبيض يخرج عقيب البول حكمه حكم البول لأنه في معناه .
و المذي نجس لقول النبي A لعلي Bه في المذي : [ اغسل ذكرك ] ولأنه خارج من الذكر لا يخلق منه الولد أشبه البول .
وعنه : أنه كالمني : لأنه خارج بسبب الشهوة أشبه المني .
وبول ما يؤكل لحمه و رجيعه نجس لأنه بول حيوان غير مأكول أشبه بول الآدمي إلا بول ما لا نفس له سائلة فإن ميتته طاهرة فأشبه الجراد .
وبول ما يؤكل لحمه و رجيعه طاهر .
وعنه أنه كالدم لأنه رجيع والمذهب الأول لأن النبي A قال : [ صلوا في مرابض الغنم ] حديث صحيح وكان يصلي فيها قبل بناء مسجده وقال للعرنيين : [ انطلقوا إلى إبل الصدقة فاشربوا من ألبانها وأبوالها ] متفق عليه .
ومني الآدمي طاهر لأن عائشة قالت : كنت أفرك المني من ثوب رسول الله A فيصلي فيه متفق عليه ولأنه بدء خلق آدمي فكان طاهرا كالطين .
وعنه : أنه نجس يجزىء فرك يابسه ويعفى عن يسيره لما روي عن عائشة Bها أنها كانت تغسل المني عن ثوب رسول الله A هذا حديث صحيح لأنه خارج من مخرج البول أشبه المذي .
وفي رطوبة فرج المرأة روايتان : .
إحداهما : أنها نجس لأنها بلل من الفرج لا يخلق منه الولد أشبه المذي .
والثانية : أنها طاهرة لأن عائشة كانت تفرك المني من ثوب رسول الله A وهو من جماع لأن الأنبياء لا يحتلمون وهو يصيب رطوبة الفرج .
و القيء نجس لأنه طعام استحال في الجوف إلى الفساد أشبه الغائط .
وفي كل حيوان غير الآدمي ومنيه في حكم بول في الطهارة و النجاسة لأنه في معناه .
و النخامة طاهر سواء خرجت من رأس أو صدر لأن النبي A قال : [ إذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه فإن لم يجد فليقل هكذا ووصف القاسم وتفل في ثوبه ومسح بعضه على بعض ] رواه مسلم .
وذكر أبو الخطاب أن البلغم نجس قياسا على القيء والأول أصح والبصاق والمخاط والعرق وسائر رطوبات الآدمي طاهرة لأنه من جسم طاهر وكذلك هذه الفضلات من كل حيوان طاهر .
فصل : .
والدم نجس لقول النبي A لأسماء في الدم : [ اغسليه بالماء ] متفق عليه ولأنه نجس لعينه بنص القرآن أشبه الميتة إلا دم السمك فإنه طاهر لأن ميتته طاهرة مباحة .
وفي دم ما لا نفس له سائلة كالذباب والبق والبراغيث والقمل روايتان : .
إحداهما : نجاسته لأنه دم أشبه المسفوح .
والثانية : طهارته لأنه دم حيوان لا ينجس بالموت أشبه دم السمك وإنما حرم الدم المسفوح .
و العلقة نجسة لأنها دم خارج من الفرج أشبه الحيض .
وعنه : إنها طاهرة لأنها لأنها بدء خلق آدمي أشبهت المني .
و القيح نجس لأنه دم استحال إلى نتن وفساد والصيد مثله إلا أن أحمد قال : هما أخف حكما من الدم لوقوع الخلاف بين نجاستهما وعدم النص فيهما .
وما بقي من الدم في اللحم معفو عنه .
ولو علت حمرة الدم في القدر لم يكن نجسا لأنه لا يمكن التحرز منه .
فصل : .
والخمر نجس لقول الله تعالى : { إنما الخمر والميسر والأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } ولأنه يحرم تناوله من غير ضرر فكان نجسا كالدم والنبيذ مثله لأن النبي A قال : [ كل مسكر خمر وكل خمر حرام ] رواه مسلم ولأنه شراب فيه شدة مطربة أشبه الخمر .
فإن انقلبت الخمرة خلا بنفسها طهرت لأن نجاستها لشدتها المسكرة وقد زال ذلك من غير نجاسة خلفتها فوجب أن تطهر كالماء الذي تنجس بالتغير [ إذا زال تغيره ] .
وإن خللت لم تطهر لما روي : أن أبا طلحة سأل رسول الله A : عن أيتام ورثوا خمرا فقال : [ أهرقها قال : أفلا أخللها ؟ قال : لا ] رواه أحمد في مسنده و .
الترمذي ولو جاز التخليل لم ينه عنه .
ويتخرج أن تطهر لزوال علة التحريم كما لو تخللت ولا يطهر غيرها من النجاسات بالاستحالة .
فلو أحرقت فصارت رمادا أو تركت في ملاحة فصارت ملحا لم تطهر لأن نجاستها لعينها بخلاف الخمر فإن نجاستها لمعنى زال بالانقلاب .
ودخان النجاسة وبخارها نجس فإن اجتمعت منه شيء أو لاقى جسما صقيلا فصار ماء فهو نجس .
وما أصاب الإنسان من دخان النجاسة وغبارها فلم يجتمع منه شيء ولا ظهرت صفته فهو معفو عنه لعدم إمكان التحرز منه .
فصل : .
ولا يختلف المذهب في نجاسة الكلب والخنزير وما تولد منهما إذا أصابت غير الأرض أنه يجب غسلها سبعا إحداهن بالتراب سواء كان من ولوغه أو غيره لما روي عن النبي A أنه قال : [ إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداهن التراب ] متفق عليه ولمسلم : أولاهن التراب .
وعنه : يغسله سبعا وواحدة التراب لما روي عن النبي A : [ إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبعا وعفروه الثامنة بالتراب ] رواه مسلم والأولى أصح لأنه يحتمل أنه على عد التراب ثامنة لكونه من الماء من غير جنسه والأولى جعل التراب من الأولى للخبر وليكون الماء بعده فينظفه وحيث جعله جاز لقوله في اللفظ الآخر : وعفروه الثامنة بالتراب فيدل على أن عين الغسلة غير مرادة .
وإن جعل مكان التراب جامدا آخر كالأشنان ففيه ثلاثة أوجه : .
أحدها : يجزئه لأن نصه على التراب تبينه على ما هو أبلغ منه في التنظيف .
والثاني : لا يجزئه لأنه تطهير ورد الشرع فيه بالتراب فلم يقم غيره مقامه كالتيمم .
والثالث : يجزئه إن عدم التراب أو كان مفسدا للمغسول للحاجة وإلا فلا .
وإن جعل مكانه غسلة ثامنة لم يجزه لأنه أمر بالتراب معونة للماء في قلع النجاسة أو للتعبد ولا يحصل بالماء وحده وقد ذكر فيه الأوجه الثلاثة وإن ولغ في الإناء كلب أو وقعت فيه نجاسة أخرى لم تغير حكمه لأن الغسل لا يزداد بتكرار النجاسة كما لو ولغ فيه الكلب مرات .
وإن أصاب الثوب منم ماء الغسلات ففيه وجهان : .
أحدهما : يغسل سبعا إحداهن بالتراب لأنها نجاسة كلب .
والثاني : حكمه حكم المحل الذي انفصل عنه في الغسل في التراب وفي عدد الغسلات لأن المنفصل كالبلل الباقي وهو يطهر بباقي العدد كذلك هذا .
فصل : .
والنجاسات كلها على الأرض يطهرها أن يغمرها الماء فيذهب عينها ولونها لقول النبي A : [ صبوا على بول الأعرابي ذنوبا من ماء ] متفق عليه .
ولو كانت أرض البئر نجسة فنبع عليها الماء طهرها .
ولا تطهر الأرض النجسة بشمس ولا ريح لأن النبي A أمر بغسل بول الأعرابي ولأنه محل نجس أشبه الثوب .
وإن طبخ اللبن المخلوط بالزبل النجس لم يطهر لكن ما يظهر منه يحترق فيذهب عينه ويبقى أثره فإذا غسل طهر ظاهره وبقي باطنه نجسا لو حمله مصل لم تصح صلاته وإن ظهر من باطنه شيء فهو نجس .
فصل : .
إذا أصاب أسفل الخف أو الحذاء نجاسة ففيه ثلاث روايات : .
إحداهن : يجزئ دلكه بالأرض لما روى أبو هريرة عن النبي A أنه قال : [ إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب ] وفي لفظ : إذا وطئ بنعله رواه أبو داود لأنه محل تتكرر فيه النجاسة فأجزأ فيه المسح كمحل الاستنجاء .
والثانية : يجب غسله لأنه ملبوس فلم يجز فيه المسح كظاهره .
والثالثة : يجب غسله من البول و العذرة لفحشهما ويجزئ دلكه من غيرهما .
فإن قلنا : يجزئ المسح ففيه وجهان : .
أحدهما : يطهر اختاره ابن حامد للخبر .
والثاني : لا يطهر لأنه محل نجس فلم يطهره المسح كغيره .
وفي محل الاستنجاء بعد الاستجمار وجهان أيضا : .
أحدهما : يطهر قال أحمد Bه في المستجمر يعرق في سراويله : لا بأس به وقول النبي A في الروث والرمة : [ لا يطهرن ] دليل على أن غيرهما يطهر .
والثاني : لا يطهر لما ذكرنا في القياس .
فصل : .
ويجزئ في بول الغلام الذي لم يطعم الطعام النضج وهو أن يغمره بالماء وإن لم يزل عنه لما روت أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله ( ص ) فأجلسه في حجره فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله متفق عليه .
ولا يجزئ في بول الجارية إلا الغسل لما روى علي Bه قال : قال رسول الله ( ص ) [ بول الغلام ينضح وبول الجارية يغسل ] رواه أحمد في المسند فإن أكلا الطعام وتغذيا به غسل بولهما لأن الرخصة وردت فيمن لم يطعم فبقي من عداه على الأصل .
وفي المذي روايتان : .
إحداهما : يجزئ نضحه لما روى سهل بن حنيف قال كنت ألقى من المذي شدة وعناء فقلت : يا رسول الله فكيف بما أصاب ثوبي منه ؟ قال : [ يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصاب منه ] وقال الترمذي : هذا حديث صحيح .
والثانية : يجب غسله لأن النبي ( ص ) أمر بغسل الذكر منه ولأنه نجاسة من كبير أشبه البول .
فصل : .
وما عدا المذكور من النجاسات في سائر المحال فيه روايتان : .
إحداهما : يجزئ مكاثرتها بالماء حتى تذهب عين النجاسة ولونها من غير عدد قياسا على نجاسة الأرض ولأن النبي ( ص ) قال لأسماء في الدم : [ اغسليه بالماء ] ولم يذكر عددا وروى ابن عمر Bهما قال : كان غسل الثوب من النجاسة سبع مرات فلم يزل النبي ( ص ) يسأل حتى جعل الغسل من البول مرة رواه أبو داود .
والثانية : يجب فيها العدد وفي قدره روايتان : .
إحداهما : سبع لأنها نجاسة من غير الأرض فأشبهت نجاسة الكلب .
وفي اشتراط التراب وجهان .
والثانية : ثلاث لقول النبي ( ص ) : [ إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يديه في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده ] أمر بالثلاث وعلل بوهم النجاسة ولا يرفع وهمها إلا ما يرفع حقيقتها .
فإن قلنا بالعدد لم يحتبس برفع الثوب من الماء غسلة حتى يعصره وعصر كل شيء يحبسه فإن كان بساطا ثقيلا أو زليا فعصره بتقليبه ودقه حتى يذهب أكثر ما فيه من الماء .
فصل : .
وإذا غسل النجاسة فلم يذهب لونها أو ريحها لمشقة إزالته عفي عنه لما روي أن .
خولة بنت يسار قالت : يا رسول الله أرأيت لو بقي أثره تعني : الدم فقال رسول اله ( ص ) : [ الماء يكفيك ولا يضرك أثره ] رواه أبو داود بمعناه .
فصل : .
ويعفى عن يسير الدم في غير المائعات لأنه لا يمكن التحرز منه فإن الغالب أن الإنسان لا يخلو من حبة وبثرة فألحق نادره بغالبه وقد روي عن جماعة من الصحابة الصلاة من الدم ولم يعرف لهم مخالف .
وحد اليسير ما لا ينقض مثله الوضوء وقد ذكر في موضوعه .
و القيح والصديد كالدم لأنه مستحيل منه .
وفي المني إذا حكمنا بنجاسته روايتان : .
إحداهما : أنه كالدم لأنه مستحيل منه .
والثانية : لا يعفى عنه لأنه يمكن التحرز منه .
وفي المذي وريق البغل والحمار وعرقهما وسباع البهائم وجوارح الطيور وبول الخفاش روايتان : .
إحداهما : يعفى عن يسيره لمشقة التحرز منه فإن المذي يكثر من الشباب ولا يكاد يسلم مقتني هذه الحيوانات من بللها فعفي عن يسيرها كالدم .
والثانية : لا يعفى عنهما لعدم ورود الشرع فيها .
وفي النبيذ روايتان : .
إحداهما : يعفى عن يسيره لوقوع الخلاف فيه .
والثانية : لا يعفى عنه لأن التحرز عنه ممكن .
وما عدا هذا من النجاسة لا يعفى عن شيء منه ما أدركه الطرف منها وما لم يدركه لأنها نجاسة لا يشق التحرز منها فلم يعف عنها كالكثير