باب الأوصياء .
لا تصح الوصي إلا إلى عاقل فأما المجنون والطفل فلا تصح الوصية إليهما لأنهما ليسا من أهل التصرف في مالهما فلا يجوز توليتهما على غيرهما ولا تصح الوصية إلى فاسق لأنه غير مأمون .
وعنه : تصح ويضم إليه أمين ينحفظ به المال قال القاضي : هذه الرواية محمولة على من طرأ فسقه بعد الوصية لأنه يثبت في الاستدامة ما لا يثبت في الابتداء واختار القاضي : أنه إذا طرأ الفسق أظال الولاية لأن هذه أمانة والفاسق ليس من أهلها وقال الخرقي : إذا كان خائنا ضم إليه أمين لأنه أمكن الجمع بين حفظ المال بالأمين وتحصيل نظر الوصي بإبقائه في الوصية ولا تصح وصية مسلم إلى كافر لأنه ليس من أهل الولاية على مسلم وفي وصية الكافر إلى الكافر وجهان : .
أحدهما : يجوز لأنه يجوز أن يكون وليا له فجاز أن يكون وصيا له كالمسلم .
والثاني : لا يجوز لأنه أسوأ حالا من الفاسق وتصح وصيته إلى المسلم لأن المسلم مقبول الشهادة عليه وعلى غيره .
فصل : .
وتصح وصية الرجل إلى المرأة لأن عمر أوصى إلى حفصة ولأنها من أهل الشهادة فأشبهت الرجل وإلى الأعمى لأنه من أهل الشهادة والتصرفات فأشبه البصير وإلى الضعيف لذلك إلا أنه يضم إليه أمين يعينه وتصح وصية الرجل إلى أم ولده نص عليه لأنها حرة عند نفوذ الوصية وقال ابن حامد تصح الوصية إلى العبد سواء كان له أو لغيره لأنه يصح توكيله فأشبه الحر والمكاتب والمدبر والمعلق عتقه بصفة كالقن لأنهم عبيد وفي الوصية إلى الصبي العاقل وجهان : .
أحدهما : تصح لأنه يصح توكيله فأشبه الرجل .
والثاني : لا يصح لأنه ليس من أهل الشهادة فلا يكون وليا كالفاسق .
فصل : .
وتعتبر هذه الشروط حال العقد في أحد الوجهين لأنها شروط لعقد فاعتبرت حال وجوده كسائر العقود .
والثاني : تعتبر حال الموت لأنه حال ثبوت الوصية ولزومها فاعتبرت الشروط فيها كالوصية له ولأن شروط الشهادة تعتبر عند أدائها لا عند تحملها فكذلك ها هنا ولو كانت الشروط موجودة عند الوصية ثم عدمت عند الموت بطلت الوصية إليه لأنه يخرج بذلك كونه من أهل الولاية .
فصل : .
ويجوز أن يوصي إلى نفسين لما روي أن ابن مسعود كتب في وصيته : إن مرجع وصيتي إلى الله ثم إلى الزبير وابنه عبد الله ولأنها استنابة في التصرف فجازت إلى اثنين كالوكالة ويجوز أن يجعل التصرف إليهما جميعا وإلى كل واحد منهما منفردا لأنه تصرف مستفاد بالإذن فجاز ذلك فيه كالتوكيل فإن جعل إلى كل واحد منهما فلكل واحد أن ينفرد بالتصرف والحفظ فإن ضعف أو فسق أو مات فالآخر على تصرفه ولا يقام غير الميت مقامه لأن الموصي رضي بنظر هذا الباقي وإن جعل التصرف إليهما جميعا أو أطلق الوصية إليهما لم يجز لأحدهما الانفراد بالتصرف لأنه لم يرض بنظره وحده وإن فسق أحدهما أو جن أو مات أقام الحاكم مكانه أمينا لأن الموصي له لم يرض بنظر أحدهما وحده وليس للحاكم أن يفوض الجميع إلى الباقي لذلك وإن ماتا معا فهل للحاكم تفويض ذلك إلى واحد ؟ فيها وجهان : .
أحدهما : يجوز لأن حكم وصيتهما سقط بموتهما فكان الأمر إلى الحاكم كمن لم يكن له وصي .
والثاني : لا يجوز لأن الموصي لم يرض بنظر واحد وإن اختلف الوصيان في حفظ المال جعل في مكان واحد تحت نظريهما لأن الموصي لم يرض بأحدهما فلم يجز له الانفراد به كالتصرف و إن أوصى إلى رجل وبعده إلى آخر فهما وصيان إلا أن يقول : قد خرجت الأول أو ما يدل على ذلك لما ذكرنا في الوصية له .
فصل : .
ويجوز أن يوصي إلى رجل فإن مات إلى آخر لأن النبي A قال في حبيش مؤتة : [ أميركم زيد فإن قتل فأميركم جعفر فإن قتل فأميركم عبد الله بن رواحة ] رواه أحمد و النسائي .
والوصية في معنى التأمير ولو قال : أنت وصيي فإذا كبر ابني فهو وصيي صح لأنه إذن في التصرف فجاز مؤقتا كالتوكيل ومن أوصي إليه في مدة لم يكن وصيا في غيرها لذلك فإذا أوصى إلى رجل وجعل له أن يوصي إلى من شاء جاز وله أن يوصي إلى من شاء من أهل الوصية لأنه رضي باجتهاده وولاية من ولاه وإن نهاه عن الإيصاء لم يكمن له أن يوصي كما لو نهى الوكيل عن التوكيل وإن أطلق ففيه روايتان : .
إحداهما : له أن يوصي لأنه قائم مقام الأب فملك ذلك كالأب .
والثانية : ليس له ذلك أختاره أبو بكر وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه يتصرف بالتولية فلم يكن له التفويض من غير إذن فيه كالتوكيل .
فصل : .
وللوصي التوكيل فيما لم تجر العادة أن يتولاه بنفسه وهل له التوكيل فيما يتولاه بنفسه ؟ على روايتين .
فصل : .
ولا يتم إلا بالقبول لأنه وصية فلا يتم إلا بالقبول كالوصية له ويجوز قبولها وردها في حياة الموصي لأنه إذن في التصرف فجاز قبوله عقيب الإذن كالوكالة ويجوز تأخير قبولها إلى ما بعد الموت لأنه نوع وصية فصح قبولها بعد الموت كالوصية له .
فصل : .
وللموصي عزل الوصي متى شاء وللوصي عزل نفسه متى شاء في حياة الموصي وبعد موته لأنه إذن في التصرف فملك كل واحد منهما فسخه كالوكالة وذكر ابن أبي موسى رواية أخرى : ليس للوصي عزل نفسه بعد موت الموصي لأنه غره بقبول وصيته فعزل نفسه إضرار به والضرر مدفوع شرعا .
فصل : .
وإذا بلغ الصبي واختلف هو والوصي في النفقة فالقول قول الوصي لأنه أمين ويتعذر عليه إقامة البينة عليها فإذا قال : أنفقت عليك كل سنة مائة فقال الصبي : بل خمسين فالقول قول المنفق إذا كان ما ادعاه قدر النفقة بالمعروف وإن كان أكثر ضمن الزيادة لتفريطه بها وإن قال : أنفقت عليك منذ سنتين فقال الصبي : ما مات أبي إلا من سنة فالقول قول الصبي لأنه لم يثبت كون الوصي أمينا في السنة المختلف فيها والأصل عدم ذلك وإن اختلفا في دفع المال إليه بعد بلوغه فالقول قول الوصي لأنه أمين في ذلك فقبل قوله فيه كالنفقة وكالمودع .
فصل : .
إذا ملك المريض من يعتق عليه فحكى الحبرمي عن أحمد أنه يعتق ويرث لأنه إن ملكهم بغير عوض فلم يضع في عتقهم شيء من ماله فلم يحتسب وصية لهم كما لو ورثهم وإن ملكهم بعوض فلم يصل إليهم وإنما أتلفه المريض على ورثته فهو كما لو بنى به مسجدا وقال القاضي فيما ملكه بعوض : إن خرج من الثثلث عتق وورث وإلا عتق منه بقدر الثلث وما ملكه بغير عوض عتق بكل حال