باب الجعالة .
وهي أن يجعل جعلا لمن يعمل له عملا من رد آبق أو ضالة أو بناء أو خياطة وسائر ما يستأجر عليه من الأعمال فيجوز ذلك لقول الله تعلى : { ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم } ولما روى أبو سعيد أن ناسا من أصحاب رسول الله A أتوا حيا من أحياء العرب فلم يقروهم فبينا هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك فقالوا : هل فيكم من راق ؟ فقالوا : لم تقرونا فلا نفعل أو تجعلوا لنا جعلا فجعلوا لهم قطيع شياه فجعل رجل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقة ويتفل فبرئ الرجل فأتوه بالشياه فقالوا : لا نأخذها حتى نسأل عنها رسول الله A فقال : [ وما أدراك أنها رقية خذوها واضربوا لي منها بسهم ] متفق عليه ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك في رد الضالة ونحوها فجاز كالإجارة ويجوز عقد الجعالة لعامل غير معين وعمل مجهول فيقول : من رد ضالتي فله كذا للآية ولأن الحاجة داعية إليه مع الجهل فجاز كالمضاربة ولا يجوز إلا بعوض معلوم لأنه عقد معاوضة فاشترط العلم بعوضه كالإجارة فإن شرط مجهولا فسد وله أجرة المثل لأنه عقد يجب المسمى في صحيحه فوجبت أجرة المثل في فاسده كالإجارة .
فصل : .
وهي عقد جائز لأنها تنعقد على مجهول فكانت جائزة كالمضاربة وأيهما فسخ قبل الشروع في العمل فلا شيء للعامل وإن فسخه العامل قبل تمام العمل فلا شيء له إنما يستحق بعد الفراغ من عمله وقد تركه وإن فسخ الجاعل بعد التلبس به فعليه أجرة ما عمل العامل لأنه إنما عمل بعوض لم يسلم له وإن تم العمل لزم العقد ووجب الجعل لأنه استقر بتمام العمل فأشبه الربح في المضاربة وإن زاد في الجعل أو النقص منه قبل الشروع في العمل جاز لأنه عقد جائز فجازت الزيادة فيه والنقصان قبل العمل كالمضاربة .
فصل : .
ولا يستحق الجعل إلا بعد فراغه من العمل لأنه كذا شرط وإن جعل له جعلا على رد آبق فرده إلى باب الدار فهرب أو مات قبل تسليمه لم يستحق شيئا لأنه لم يأت بما جعل الجعل فيه وإن قال : من رده من مصر فله دينار فرد من نصف طريقها أو قال : من رد عبدي فله دينار فرد أحدهما فله نصف الدينار لأنه عمل نصف العمل وإن رده من أبعد من مصر لم يستحق إلا الدينار لأنه لم يضمن لما زاد شيئا وإن رده جماعة اشتركوا في الدينار لأنهم اشتركوا في العمل فإن جعل لواحد في رده دينارا ولآخر اثنين ولآخر ثلاثة فلكل واحد منهم ثلث جعله وإن جعل لواحد منهم ثوبا فله ثلث أجرة المثل لأنه عوض مجهول فاستحق ثلث أجرة المثل وإن جعل لواحد جعلا فأعانه آخر فالجعل كله للمجعول له لأن العمل كله له فإن قال الآخر : شاركته لأشاركه في الجعل فللعامل نصف الجعل لأنه عمل نصف العمل ولا شيء للآخر لأنه لم يشرط له شيء .
فصل : .
ومن عمل لغيره عملا بغير جعل فلا شيء له لأنه بذل منفعته بغير عوض فلم يستحقه وإن التقط لقطة قبل الجعل ثم بلغه الجعل لم يستحقه لأنه وجب عليه ردها بالتقاطها فلم يجز له أخذ العوض عن الواجب وإن التقطها بعد الجعل ولم يعلم بذلك لم يستحقه لأنه تطوع بالالتقاط وإن نادى غير صاحب الضالة : من ردها فله دينار فردها رجل فالدينار على المنادي لأنه ضمن العوض وإن قال في النداء : فال فلان : من رد ضالتي فاله دينار فردها رجل لم يضمن المنادي لأنه لم يضمن إنما حكى قول غيره .
فصل .
وإن اختلفا في الجعل أو في قدره أو في المجعول فيه الجعل فالقول قول المالك لأنه منكر ما يدعى عليه والأصل عدمه .
فصل : .
وإن رد آبقا من غير شرط ففيه روايتان : .
إحداهما : لا جعل له فيما ذكرنا .
والثانية : له الجعل لأن ذلك يروى عن عمر وعلي وابن مسعود Bهم ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة ويروى عن النبي A : أنه جعل في الآبق إذا جاء به خارجا من الحرم دينارا ولأن في ذلك حثا على رد الإباق وصيانة عن الرجوع إلى دار الحرب وردتهم عن دينهم فينبغي أن يكون مشروعا وقدر الجعل دينارا أو اثني عشر درهما لما روينا ولأن ذلك يروى عن عمر وعلي Bهما وعن أحمد Bه : أنه إن رده من خارج المصر فله أربعون درهما وإن رده من المصر فله دينار لأنه يروى عن ابن مسعود Bه وسواء كان ذلك كقيمة العبد أو أقل أو أكثر فإن مات السيد استحق الجعل في تركته وما أنفقه على الآبق في قوته رجع به على سيده سواء رده أو هرب منه في بعض الطريق