باب الشروط في الرهن .
يصح شرط جعل الرهن في يد عدل فيقوم قبضه مقام قبض المرتهن لأنه قبض في عقد فجاز التوكيل فيه كقبض الموهوب وما دام العدل حاله فليس لأحدهما ولا للحاكم نقله عن يده لأنهما رضياه ابتداء وإن اتفقا على نقله جاز لأن الحق لهما لا يعدوهما وإن تغيرت حاله بفسق أو ضعف عن الحفظ أو عداوة لهما أو لأحدهما فمن طلب نقله منهما فله ذلك لأنه متهم في حقه ففي بقائه في يده ضرر ثم إن اتفقا على من يضعانه عنده جاز وإن اختلفا وضعه الحاكم في يد عدل وإن اختلفا في تغير حاله بعث الحاكم وعمل بما يظهر له وإن مات العدل لم يكن لوارثه إمساكه إلا بتراضيهما لأنهما ما ائتمناه وإن رده العدل عليهما لزمهما قبوله لأنه متطوع بحفظه فلم يلزمه المقام عليه فإن امتنعا أجبرهما الحاكم فإن تغيبا أو كانا غائبين نصب الحاكم أمينا يقبضه لهما لأن للحاكم ولاية على الغائب الممتنع من الحق وإن دفعه الحاكم إلى أمين من غير امتناعهما ولا غيبتهما ضمن الحاكم والأمين معا لأنه لا ولاية له على غير الممتنع والغائب فإن امتنعا أو غابا فلم يجد الحاكم ضمن لأنه يقوم مقامهما وكذلك لو أودعه من غير امتناعهما ولا غيبتهما ضمن هو والقابض معا وإن امتنع أحدهما ولم يجد حاكما لم يكن له دفعه إلى الآخر فإن فعل ضمن لأنه يمسكه لنفسه والعدل يمسكه لهما فإن رده إلى يده زال الضمان .
فصل .
وإن شرط جعله في يد اثنين صح الشرط ولم يكن لأحدهما الانفراد بحفظه لأن المتراهنين لم يرضيا إلا بحفظهما معا فلم يجز لأحدهما الانفراد به كالوصيين فإن سلمه أحدهما إلى صاحبه ضمن نصفه لأنه القدر الذي تعدى فيه فإن مات أحدهما أو تغير حاله أقيم مقامه عدل .
فصل .
وكل من جاز توكيله جاز جعل الرهن على يديه مسلما كان أو كافرا عدلا أو فاسقا ذكرا أو أنثى لأنه جاز توكيله في غير الرهن فجاز فيه كالعدل ولا يجوز أن يكون صبيا أو مجنونا لأنه غير جائز التصرف فإن فعلا كان قبضه له وعدمه واحدا وإن كان عبدا فله حفظه بإذن سيده ولا يجوز بغير إذنه لأن منافعه لسيده فلا يجوز تضييعها في الحفظ من غير إذنه وإن كان مكاتبا وكان بغير جعل لم يجز لأنه ليس له التبرع وإن كان بجعل جاز لأن له الكسب بغير إذن سيده فإن لم يشرط جعله في يد أحد فهو في يد المرتهن لأنه المستوجب للعقد فكان القبض له كالمتهب فإن قبضه ثم تغيرت حاله في الثقة أو الحفظ أو حدث بينهما عداوة فللراهن دفعه إلى الحاكم ليزيل يده ويجعل في يد عدل لأنه لم يرض بحفظه في هذه الحال وإن اختلفا في تغير حاله بحث الحاكم وعمل بما بان له وإن مات المرتهن نقل عن الوارث إلى عدل لأن الراهن لم يرض بحفظه .
فصل .
إذا شرط أن يبيعه المرتهن أو العدل عند حلول الحق صح شرطه لأن ما صح توكيل غيرهما فيه صح توكيلهما فيه كبيع عين أخرى فإن عزلهما الراهن صح عزله لأن الوكالة عقد جائز فلم يلزم المقام عليهما كما لو وكل غيرهما أو وكلهما في بيع غيره ولو مات المرتهن لم يكن لوارثه البيع لأنه لم يؤذن له ويتخرج أنه لا يملك عزلهما لأنه يفتح باب الحيلة فإن عزل المرتهن العدل عن البيع لم يملكه إلا في الحال الذي يملكه الراهن لأنه وكيله خاصة وإن أذنا له في بيع الرهن فتلف بجناية نمائه تبعا فبيع قيمته أولى والصحيح أنه لا يملك بيعها لأنه لم يؤذن له فيه ولا هي تبع لما أذن فيه بخلاف النماء .
فصل .
وإن أذنا له في البيع بنقد لم يكن له خلافهما لأنه وكيلهما وإن أطلقا أو اختلفا باع بنقد البلد لأن الحظ فيه لأن الغرض تحصيل الحظ فإن تساوت باع بجنس الدين لأنه يمكن القضاء منه فإن لم يكن فيها جنس الدين عين له الحاكم ما يبيع به وحكمه حكم الوكيل في جوب الاحتياط في الثمن على ما سنذكره فإذا باع وقبض الثمن فتلف في يده من غير تعد فلا ضمان عليه لأنه أمين وهو من ضمان الراهن لأنه ملكه فإن أنكر الراهن تلفه فالقول قول العدل مع يمينه لأنه أمين فهو كالمودع فإن قال : ما قبضته من المشتري فالقول قول العدل لذلك ويحتمل أن لا يقبل قوله لأن هذا إبراء للمشتري وإن خرج الرهن مستحقا فالعهدة على الراهن دون العدل لأنه وكيل وإن استحق بعد تلف الثمن في يد العدل رجع المشتري على الراهن دون العدل لأنه قبض منه على أنه أمين في قبضه وتسليمه إلى المرتهن وإن كان الثمن باقيا في يد العدل أو المرتهن رجع المشتري فيه لأنه عين ماله قبض بغير حق وإن وجد المشتري بالمبيع عيبا فرده بعد قبض المرتهن ثمنه لم يرجع عليه لأنه قبضه بحق ولا على العدل لأنه أمين ويرجع على الراهن إلا أن يكون العدل لم يعلم المشتري أنه وكيل فيكون رجوعه عليه ثم يرجع هو على الراهن فإن تلف المبيع في يد المشتري ثم بان مستحقا فلمالكه تضمين من شاء من الراهن والعدل والمرتهن لأن كل واحد منهم قبض ماله بغير حق ويستقر الضمان على المشتري لأن التلف حصل في يده ويرجع على الراهن بالثمن الذي أخذ منه وإذا باع العدل الرهن بيعا فاسدا وجب رده فإن تعذر رده فللمرتهن تضمين من شاء من العدل والمشتري أقل الأمرين من قيمة الرهن أو قدر الدين لأنه يقبض ذلك مستوفيا لحقه لا رهنا فلم يكن له أكثر من دينه وما بقي للراهن يرجع به على من شاء منهما وإن وفى الراهن المرتهن رجع بقيمته على من شاء منهما ويستقر الضمان على المشتري لحصول التلف في يده .
فصل .
وإذا ادعى العدل دفع الثمن إلى المرتهن فأنكره ففيه وجهان : .
أحدهما : القول قول العدل لأنه أمين فإذا حلف برئ ويرجع المرتهن على الراهن .
والثاني : القول قول المرتهن لأنه منكر والعدل إنما هو أمينه في الحفظ لا في دفع الثمن إليه فإذا حلف رجع على من شاء منهما فإذا رجع على العدل لم يرجع العدل على الراهن لأنه يقر ببراءة ذمته منه ويدعي أن المرتهن ظلمه وغصبه وإن رجع على الراهن رجع الراهن على العدل لتفريطه في القضاء بغير بينة إلا أن يكون قضاؤه بحضرة الراهن أو ببينة فماتت أو غابت فلا يرجع عليه لعدم تفريطه وعنه : لا يرجع عل العدل بحال لأنه أمين ولو غابت فلا يرجع عليه لعدم تفريطه وعنه : لا يرطع على العدل بحال لأنه أمين ولو غصب المرتهن الرهن من العدل ثم رده إليه زال الضمان لأنه رده إلى وكيل الراهن في إمساكه فأشبه ما لو أذن له في دفعه إليه ولو كان الرهن في يده فتعدى فيه ثم زال التعدي لم يزل الضمان لأن استئمانه زال بذلك فلم يعد بفعله .
فصل .
وإذا رهن أمة رجلا وشرط جعلها في يد امرأة أو ذي رحم لها أو ذي زوجة أو أمة جاز لأنه لا يفضي إلى الخلوة بها وإن لم يكن كذلك فسد الرهن لإفضائه إلى خلوة الأجنبي بها ولو اقترض ذمي من مسلم مالا ثم رهنه خمرا لم يصح لأنها ليست مالا وإن باعها الذمي أو وكيله وأتاه بثمنها فله أخذه فإن امتنع لزمه وقيل له : إما أن تقبض أو أن تبرئ لأن أهل الذمة إذا تقابضوا في العقود الفاسدة جرى مجرى الصحيح .
فصل .
فإن شرطما ينافي مقتضى الرهن نحو أن يشترط أن لا يسلمه أو لا يباع عند الحلول أو لا يستوفى الدين من ثمنه أو شرط أن يبيعه بما شاء أو لا يبيعه إلا بما يرضيه فسد الشرط لأن المقصود مع الوفاء به مفقود وإن شرط أنه متى حل الحق ولم توفني فالرهن لي بالدين أو بثمن سماه فسد لما روي عن النبي ( A ) أنه قال : [ لا يغلق الرهن ] رواه الأثرم ومعناه : استحقاق المرتهن له لعجز الراهن عن فكاكه ولأنه علق البيع على أن تزيدني في الأجل لم يصح لأن الدين الحال لا يتأجل وإذا لم يثبت الأجل فسد الرهن لأنه في مقابلته وإن شرط أن ينتفع المرتهن بالرهن في دين القرض لم يجز وإن كان بدين مستقر في مقابلة تأخيره عن أجله لم يجز لأنه بيع للأجل وإن كان في بيع فعن أحمد جوازه إذا جعل المنفعة معلومة كخدمة شهر ونحوه فيكون بيعا وإجارة وإن لم تكن معلومة بطل الشرط للجهالة وبطل البيع لجهالة ثمنه وما عدا هذا فهو إباحة لا يلزم الوفاء به وإن قال : رهنتك ثوبي هذا يوما ويوما لا أوقته فالرهن فاسد لأن ينافي مقتضاه وكل شرط يسقط به دين الرهن يفسده وما لا يؤثر في ضرر أحدهما كاشتراط جعل الأمة في يد أجنبي عزب لا يفسده وفي سائر الشروط الفاسدة وجهان : .
أحدهما : يفسد بها الرهن .
والآخر : لا يفسد بناء على الشروط الفاسدة في البيع ويحتمل أن ما ينقص المرتهن يبطله وجها واحدا وفي سائرها وجهان : .
أحدهما : يبطل الرهن لأنه شرط فاسد فأبطله كالأول .
والثاني : لا يبطله لأنه زائد فإذا بطل بقي العقد بأحكامه