فصول : شراء وبيع الأراضي الحراجية الموقوفة بالفتح .
فصل : ولا يجوز شراء شيء من الأرض الموقوفة ولا بيعه في قول أكثر أهل العلم منهم عمر وعلي و ابن عباس وعبد الله بن عمر Bهم وروي ذلك عن عبد الله بن مغفل وقبيصة بن ذؤيب و مسلم بن مسلم و ميمون بن مهران و الأوزاعي و مالك و أبي إسحق الفزاري وقال الأوزاعي لم يزل أئمة المسلمين ينهون عن شراء أرض الجزية ويكرهه علماؤهم وقال الأوزاعي أجمع رأي عمر وأصحاب النبي A لما ظهروا على الشام على اقرار أهل القرى في قراهم على ما كان بأيديهم من أرضهم يعمرونها ويؤدون خراجها الى المسلمين ويرون أنه لا يصلح لأحد من المسلمين شراء ما في أيديهم من الأرض طوعا ولا كرها وكرهوا ذلك مما كان من اتفاق عمر وأصحابه في الارضين المحبوسة على آخر هذه الأمة من المسلمين لا تباع ولا تورث قوة على جهاد من لم تظهر عليه بعد من المشركين وقال الثوري : اذا أقر الامام أهل العنوة في أرضهم توارثوها وتبايعوها وروي نحو هذا عن ابن سيرين و القرظي لما روى عبد الرحمن بن يزيد أن ابن مسعود اشترى من دهقان أرضا على أن يكفيها جزيتها وروي عنه أنه قال : نهى رسول الله A عن السفر في الأهل والمال ثم قال عبد الله وكيف بمال بزاذان وبكذا وبكذا وهذا يدل على أن له مالا بزاذان ولأنها أرض لهم فجاز بيعها وقد روي عن أحمد أنه قال ان كان الشراء أسهل يشتري الرجل ما يكفيه ويغنيه عن الناس هو رجل من المسلمين وكره البيع في أرض السواد وانما رخص في الشراء والله أعلم لأن بعض الصحابة اشترى ولم يسمع عنهم البيع ولأن الشراء استخلاص للأرض فيقوم فيها مقام من كانت في يده والبيع أخذ عوض عما لا يمكله ولا يستحقه فلا يجوز .
ولنا اجماع الصحابة Bهم فانه روي عن عمر Bه أنه قال : لا تشتروا رقيق أهل الذمة ولا أرضهم وقال الشعبي اشترى عتبة بن فرقد أرضا على شاطىء الفرات ليتخذ فيها قصبا فذكر ذلك لعمر فقال ممن اشتريتها قال : من أربابها فلما اجتمع المهاجرون والانصار قال : هؤلاء أربابها فهل اشتريت منهم شيئا قال : لا قال : فارددها على من اشتريتها منه وخذ مالك وهذا قول عمر في المهاجرين والأنصار بمحضر سادة الصحابة وأئمتهم فلم ينكر فكان إجماعا ولا سبيل الى وجود إجماع أقوى من هذا وشبهه اذ لا سبيل الى نقل قول جميع الصحابة في مسألة ولا الى نقل قول العشرة ولا يوجد الاجماع الا القول المنتشر فان قيل فقد خالفه ابن مسعود بما ذكرناه عنه قلنا لا نسلم المخالفة وقولهم اشترى قلنا المراد به اكترى كذلك قال أبو عبيد : والدليل عليه قوله على أن يكفيه جزيتها ولا يكون مشتريا لها وجزيتها على غيره وقد روى عنه القاسم أنه قال : من أقر بالطسق فقد أمر بالصغار والذل وهذا يدل على أن الشراء هاهنا الاكتراء وكذلك كل من رويت عنه الرخصة في الشراء فمحمول على ذلك وقوله فكيف بمال بزاذان فليس فيه ذكر الشراء ولأن المال أرض فيحتمل أنه أراد مالا من السائمة أو التجارة أو الزرع أو غيره ويحتمل أنه أرض أكتراها ويحتمل أنه أراد بذلك غيره وقد يعيب الانسان الفعل المعيب من غيره جواب ثان أنه يتناول الشراء وبقي قول عمر في النهي عن البيع غير معارض وأما المعنى فلأنها موقوفة فلم يجز بيعها كسائر الاحباس والوقوف والدليل على وقفها النقل والمعنى .
أما النقل فما نقل من الأخبار ان عمر لم يقسم الأرض التي افتتحها وتركها لتكون مادة لاجناد المسلمين الذين يقاتلون في سبيل الله الى يوم القيامة وقد نقلنا بعض ذلك وهو مشهور تغني شهرته عن نقله وأما المعنى فلأنها لو قسمت لكانت للذين افتتحوها ثم لورثتهم أو لمن انتقلت اليه عنهم ولم تكن مشتركة بين المسلمين ولأنها لو قسمت لم تخف بالكلية فان قيل فليس في هذا ما يلزم منه الوقف لأنه يحتمل أنه تركها للمسلمين عامة فيكون فيئا للمسلمين والامام نائبهم فيفعل ما يرى فيه المصلحة من بيع أو غيره ويحتمل أنه تركها لأربابها كفعل النبي A بمكة قلنا أما الأول فلا يصح أن عمر إنما ترك قسمتها لتكون مادة للمسلمين كلهم ينتفعون بها مع بقاء أصلها وهذا معنى الوقف ولو جاز تخصيص قوم بأصلها لكان لاذين افتتحوها أحق بها فلا يجوز أن يمنعها أهلها لمفسدة ثم يخص بها غيرهم مع وجود المفسدة المانعة والثاني أظهر فسادا من الأول فانه اذا منعها المسلمين المستحقين كيف يخص بها أهل الذمة المشركين الذين لا حق لهم ولا نصيب ؟ .
فصل : واذا قلنا بصحة الشراء فانها تكون في يد المشتري على ما كانت في يد البائع يؤدي خراجها ويكون معنى الشراء ههنا نقل اليد من البائع الى المشتري بعوض وان شرط الخراج على البائع كما فعل ابن مسعود فيكون اكتراء لا شراء وينبغي أن يشترط بيان مدته كسائر الاجارات .
فصل : واذا بيعت هذه الأرض فحكم بصحة البيع حاكم صح لأنه مختلف فيه فصح بحكم الحاكم كسائر المجتهدات وان باع الامام شيئا لمصلحة رآها مثل أن يكون في الأرض ما يحتاج الى عمارة لا يعمرها الا من يشتريها صح أيضا لأن فعل الامام كحكم الحاكم وقد ذكر بن عائد في كتاب فتوح الشام قال : قال غير واحد من مشيختنا إن الناس سألوا عبد الملك والوليد وسليمان ان يأذنوا لهم في شراء الأرض من أهل الذمة فأذنوا لهم على ادخال أثمانها في بيت المال فلما ولي عمر بن عبد العزيز أعرض عن تلك الاشرية لاختلاط الأمور فيها لما وقع فيها من المواريث ومهور النساء وقضاء الديون ولم يقدر على تخليصه ولا معرفة ذلك وكتب كتابا قرىء على الناس سنة المائة ( أن من اشترى شيئا بعد سنة مائة فان بيعه مردود وسمي سنة مائة مائة سنة المدة ) فتناهى الناس عن شرائها ثم اشتروا أشرية كثيرة كانت بأيدي أهلها تؤدي العشر ولا جزية عليها فلما أفضى الأمر إلى المنصور وقعت تلك الأشرية اليه وأن ذلك أضر بالخراج فأراد ردها ألى أهلها فقيل له قد وقعت في المواريث والمهور واختلط أمرها فبعث المعدلين منهم عبد الله بن يزيد الى حمص واسماعيل بن عياش إلى بعلبك وهضاب بن طوق ومحمد بن زريق إلى الغوطة وأمرهم أن لا يضعوا على القطائع والاشرية العظيمة القديمة خراجا ووضعوا الخراج على ما بقي بأيدي الانباط وعلى الاشرية المحدثة من بعد سنة مائة إلى السنة التي عدل فيها فينبغي أن يجري ما باعه امام أو بيع باذنه أو تعذر رد بيعه هذا المجرى في أن يضرب عليه خراج بقدر ما يحتمل ويترك في يد مشتريه أو من انتقل اليه إلا ما بيع قبل المائة السنة فانه لا خراج عليه كما نقل في هذا الخبر