فصلان : حكم ما فتح عنوة وحكم الأرض التي صولح عليها .
فصل : وما استأنف المسلمون فتحه فان فتح عنوة ففيه ثلاث روايات إحداهن أن الامام مخير بين قسمتها على الغانمين وبين وقفيتها على جميع المسلمين لأن كلا الأمرين قد ثبت فيه حجة عن النبي A فان النبي A قسم نصف خيبر ووقف نصفها لنوائبه ووقف عمر الشام والعراق ومصر وسائر ما فتحه وأقره على ذلك علماء الصحابة وأشاروا عليه به وكذلك فعل من بعده من الخلفاء ولم يعلم أحد منهم قسم شيئا من الأرض التي افتتحوها .
والثانية : أنها تصير وقفا بنفس الاستيلاء عليها لاتفاق الصحابة عليه وقسمة النبي A خيبر كان في بدء الاسلام وشدة الحاجة فكانت المصلحة فيه وقد تعينت المصلحة فيما بعد ذلك في وقف الأرض فكان ذلك هو الواجب .
والثالثة : أن الواجب قسمتها وهو قول مالك و أبي ثور لأن النبي A فعل ذلك وفعله أولى من فعل غيره مع عموم قوله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } الآية يفهم منها أن أربعة أخماسها للغانمين والرواية الاولى أولى لأن النبي A فعل الأمرين جميعا في خيبر ولأن عمر قال : لولا آخر الناس لقسمت الأرض كما قسم النبي A خيبر فقد وقف الأرض مع علمه بفعل النبي A فدل على أن فعله ذلك لم يكن متعينا كيف والنبي A قد وقف نصف خيبر ولو كانت للغانمين لم يكن له وقفها قال أبو عبيد : تواترت الآثار في افتتاح الأرضين عنوة بهذين الحكمين حكم رسول الله A في خيبر حين قسمها وبه أشار بلال وأصحابه على عمر في أرض الشام ؟ وأشار به الزبير في أرض مصر وحكم عمر في أرض السواد وغيره حين وقفه وبه أشار علي ومعاذ على عمر في أرض الشام وليس فعل النبي A رادا لفعل عمر لأن كل واحد منهما أتبع آية محكمة قال الله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } وقال : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } الآية وكان كل واحد من الأمرين جائزا والنظر في ذلك إلى الامام فما رأى من ذلك فعله وهذا قول الثوري و أبي عبيد : اذا ثبت هذا فان الاختيار المفوض إلى الامام اختيار مصلحة لا اختيار تشه فيلزمه فعل ما يرى المصلحة فيه ولا يجوز له العدول عنه كالخيرة بين القتل والاسترقاق والفداء والمن في الأسرى ولا يحتاج إلى النطق بالوقف بل تركه له من غير قسمة هو وقفه لها كما أن قسمها بين الغانمين لا يحتاج معه إلى لفظ وإن عمر وغيره لم ينقل عنهم في وقف الأرض لفظ الوقف ولأن معنى وقفها ههنا أنها باقية لجميع المسلمين يؤخذ خراجها ويصرف في مصالحهم ولا يخص أحد بملك شيء منها وهذا حاصل بتركها .
فصل : فأما ما جلى عنها أهلها خوفا من المسلمين فهذه تصير وقفا بنفس الظهور عليها لأن ذلك متعين فيها إذ لم يكن لها غانم فكان حكمها حكم الفيء يكون للمسلمين كلهم وقد روي أنها لا تصير وقفا حتى يقفها الامام وحكمها حكم العنوة اذا العنوة اذا وقفت وما صالح عليه الكفار من أرضهم على أن الأرض لنا ونقرهم فيها بخراج معلوم فهو وقف أيضا حكمه حكم ما ذكرناه لأن النبي A فتح خيبر وصالح أهلها على أن يعمروا أرضها ولهم نصف ثمرتها فكانت للمسلمين منهم وصالح بني النضير على أن يجليهم من المدينة ولهم ما أقلت الابل من الامتعة والأموال إلا الحلقة يعني السلاح فكانت مما أفاء الله على رسوله فأما ما صولحوا عليه على أن الأرض لهم ونقرهم فيها بخراج معلوم فهذا الخراج في حكم الجزية تسقط باسلامهم والأرض لهم لا خراج عليها لأن الخراج الذي ضرب عليهم إنما كان من أجل كفرهم بمنزلة الجزية المضروبة على رؤوسهم فاذا أسلموا سقط كما تسقط الجزية وتبقى الأرض ملكا لهم لا خراج عليها ولو انتقلت الأرض الى مسلم لم يجب عليها خراج لذلك