فصل : أقسام الأرض : أرض صلح وأرض العنوة .
مسألة : قال : والأرض أرضان أرض صلح وعنوة .
وجملته أن الأرض قسمان : صلح وعنوة فأما الصلح فهو كل أرض صالح أهلها عليها لتكون لهم ويؤدون خراجا معلوما فهذه الأرض ملك لأربابها وهذا الخراج في حكم الجزية متى أسلموا سقط عنهم ولهم بيعها وهبتها ورهنها لأنها ملك لهم وكذلك إن صالحوا على أداء شيء غير موظف على الأرض وكذلك كل أرض أسلم عليها أهلها كأرض المدينة وشبهها فهذه ملك لأربابها لاخراج عليها ولهم التصرف فيها كيف شاءوا وأما الثاني وهو ما فتح عنوة فهي ما أجلي عنها بالسيف ولم تقسم بين الغانمين فهذه تصير وقفا للمسلمين يضرب عليها خراج معلوم يؤخذ منها في كل عام يكون أجرة لها وتقر في أيدي أربابها ما داموا يؤدون خراجها وسواء كانوا مسلمين أو من أهل الذمة ولا يسقط خراجها باسلام أربابها ولا بانتقالها الى مسلم لأنه بمنزلة أجرتها ولم نعلم أن شيئا مما فتح عنوة قسم بين المسلمين إلا خيبر فان رسول الله A قسم نصفها فصار ذلك لأهله لا خراج عليه وسائر ما فتح عنوة مما فتحه عمر بن الخطاب Bه ومن بعده كأرض الشام والعراق ومصر وغيرها لم يقسم منه شيء فروى أبو عبيد في الأموال أن عمر Bه قدم الجابية فأراد قسمة الأرض بين المسلمين فقال له معاذ : والله إذا ليكونن ما تكره انك إن قسمتها اليوم صار الريع العظيم في أيدي القوم ثم يبيدون فيصير ذلك الى الرجل الواحد والمرأة ثم يأتي بعدهم قوم آخر يسدون من الاسلام مسدا وهم لا يجدون شيئا فانظر أمرا يسع أولهم وآخرهم فصار عمر الى قول معاذ وروى أيضا قال : قال الماجشون : قال بلال لعمر بن الخطاب Bه في القرى التي افتتحوها عنوة : اقسمها بيننا وخذ خمسها فقال عمر لا هذا عين المال ولكني أحبسه فيئا يجري عليهم وعلى المسلمين فقال بلال وأصحابه لعمر أقسمها بيننا فقال عمر اللهم اكفني بلالا وذويه قال فما حال الحول ومنهم عين تطرف .
وروى باسناده عن سفيان بن وهب الخولاني قال : لما افتتح عمرو بن العاص مصر قام ابن الزبير فقال : يا عمرو بن العاص أقسمها فقال عمرو : لا أقسمها فقال ابن الزبير : لتقسمنها كما قسم رسول الله A خيبر فقال عمرو : لا أقسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين فكتب إلى عمر فكتب اليه عمر أن دعها حتى يعرو منها حبل الحبلة قال القاضي : ولم ينقل عن النبي A ولا عن أحد من الصحابة أنه قسم أرضا عنوة إلا خيبر