فصل : كيفية الخرص فصلان : خرص الثمار وترك الريع أو الثلث لاصحابها بعد زكاة .
فصل : وصفة الخرص تختلف باختلاف الثمرة فان كان نوعا واحدا فانه يطيف بكل نخلة أو شجرة وينظر كم في الجميع رطبا أو عنبا ثم يقدر ما يجيء منها تمرا وان كان أنواعا خرص كل نوع على حدته لأن الأنواع تختلف فمنها ما يكثر رطبه ويقل ثمره ومنها ما يكون بالعكس وهكذا العنب ولأنه يحتاج الى معرفة قدر كل نوع حتى يخرج عشره فاذا خرص على المالك وعرفه قدر الزكاة خيره بين أن يضمن قدر الزكاة ويتصرف فيها بما شاء من أكل وغيره وبين حفظها الى وقت الجداد والجفاف فان اختار حفظها ثم أتلفها أو تلفت بتفريطه فعليه ضمان نصيب الفقراء بالخرص وان أتلفها أجنبي فعليه قيمة ما أتلف والفرق بينهما أن رب المال وجبت عليه تجفيف هذا الرطب بخلاف الأجنبي ولهذا قلنا فيمن أتلف أضحيته المتعينة عليه أضحية مكانها وان أتلفها أجنبي فعليه قيمتها وان تلفت بجائحة من السماء سقط عنهم الخرص نص عليه أحمد لأنها تلفت قبل استقرار زكاتها وان ادعى تلفها بغير تفريطه فالقول قوله بغير يمين كما تقدم وان حفظها الى وقت الاخراج فعليه زكاة الموجود لا غير سواء اختار الضمان أو حفظها على سبيل الأمانة وسواء كانت أكثر مما خرصه الخارص أو أقل وبهذا قال الشافعي وقال مالك يلزمه ما قال الخارص زاد أو نقص اذا كانت الزكاة متقاربة لأن الحكم انتقل الى ما قال الساعي بدليل وجوب ما قال عند تلف المال .
ولنا أن الزكاة أمانة فلا تصير مضمونة بالشرط كالوديعة ولا نسلم أن الحكم انتقل الى ما قاله الساعي وانما يعمل بقوله اذا تصرف في الثمرة ولم يعلم قدرها لأن الظاهر إصابته قال أحمد : اذا خرص على الرجل فاذا فيه فضل كثير مثل الضعف تصدق بالفضل لأنه يخرص بالسوية وهذه الرواية تدل على مثل قول مالك وقال : اذا تجافى السلطان عن شيء من العشر يخرجه فيؤديه وقال : اذا حط من الخرص عن الأرض يتصدق بقدر ما نقصوه من الخرص وان أخذ منهم أكثر من الواجب عليهم فقال أحمد : يحتسب لهم من الزكاة لسنة أخرى ونقل عنه أبو داود لا يحتسب بالزيادة لأن هذا غاصب وقال أبو بكر : وبهذا أقول ويحتمل أن يجمع بين الروايتين فيحتسب به اذا نوى صاحبه به التعجيل ولا يحتسب به اذا لم ينو ذلك .
فصل : وان ادعى رب المال غلط الخارص وكان ما ادعاه محتملا قبل قوله بغير قوله بغير يمين وإن لم يكن محتملا مثل أن يدعي غلط النصف ونحوه لم يقبل منه لأنه لا يحتمل فيعلم كذبه وان قال لم يحصل في يدي غير هذا قبل منه بغير يمين لأنه قد يتلف بعضها بآفة لا نعلمها .
فصل : وعلى الخارص أن يترك في الخرص الثلث أو الربع توسعة على أرباب الأموال لأنهم يحتاجون إلى الأكل هم وأضيافهم ويطعمون جيرانهم وأهلهم وأصدقاءهم وسؤالهم ويكون في الثمرة السقاطة وينتابها الطير وتأكل منه المارة فلو استوفى الكل منهم أضر بهم وبهذا قال اسحاق ونحوه قال الليث و أبو عبيد والمرجع في تقدير المتروك إلى الساعي باجتهاده فان رأى الآكلة كثيرا ترك الثلث وإن كانوا قليلا ترك الربع لما روى سهل بن أبي حثمة أن رسول الله A كان يقول : [ اذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فان لم تدعوا الثلث فدعوا الربع ] رواه أبو عبيد و أبو داود و النسائي و الترمذي وروى أبو عبيد باسناده عن مكحول قال : [ كان رسول الله A اذا بعث الخراص قال : خففوا على الناس فان في المال العرية والواطئة والآكلة ] قال أبو عبيد : الواطئة السابلة سموا بذلك لوطئهم بلاد الثمار مجتازين والآكلة أرباب الثمار وأهلوهم ومن لصق بهم ومنه حديث سهل في مال سعد بن أبي سعد حين قال : لولا أني وجدت فيه أربعين عريشا لخرصته تسعمائة وسق وكانت تلك العرش لهؤلاء الآكلة والعرية النخلة أوالنخلات يهب انسانا ثمرتها فجاء عن النبي A أنه قال : [ ليس في العرايا صدقة ] .
وروى ابن المنذر عن عمر Bه أنه قال لسهل بن حثمة : اذا أتيت على نخل قد حضرها قوم فدع لهم ما يأكلون والحكم في العنب كالحكم في النخيل سواء فان لم يترك لهم الخارص شيئا فلهم الأكل قدر ذلك ولا يحتسب عليهم به نص عليه لأنه حق لهم فان لم يخرج الامام خارصا فاحتاج رب المال إلى التصرف في الثمرة فأخرج خارصا جاز أن يأخذ بقدر ذلك ذكره القاضي : وان خرص هو وأخذ بقدر ذلك جاز ويحتاط في أن لا يأخذ أكثر مما له أخذه