فصول ومسألة : وجوب العشر ونصف العشر في النبات الذي يسقي بنصف مؤونة ومقدار الوسق والنصاب .
فصل : الحكم الثالث أن العشر يجب فيما سقي بغير مؤنة كالذي يشرب من السماء والأنهار وما يشرب بعروقه وهو الذي يغرس في أرض ماؤها قريب من وجهها تصل اليه عروق الشجر فيستغني عن سقي وكذلك ما كانت عروقه تصل الى نهر أو ساقية ونصف العشر فيما سقي بالمؤن كالدوالي النواضح لا نعلم في هذا خلافا وهو قول مالك و الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي وغيرهم والأصل فيه قول النبي A : [ فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وما سقي بالنضح نصف العشر ] رواه البخاري : قال أبو عبيد العثري ما تسقيه السماء وتسميه العامة العدي وقال القاضي : هو الماء المستنقع في بركة أو نحوها يصب اليه ماء المطر في سواقي تشق له فاذا اجتمع سقي منه واشتقاقه من العاثور وهي الساقية التي يجري فيها الماء لأنها يعثر بها من يمر بها وفي رواية مسلم : [ وفيما يسقى بالسانية نصف العشر ] والسواني هي النواضح وهي الابل يستقى بها لشرب الأرض [ وعن معاذ قال بعثني رسول الله A الى اليمن فأمرني أن آخذ مما سقت السماء أو سقي بعلا العشر وما سقي بدالية نصف العشر ] قال أبو عبيد : البعل ما شرب بعروقه من غير سقي وفي الجملة كل ما سقي بكلفة ومؤنة من دالية أو سانية أو دولاب أو ناعورا أو غير ذلك ففيه نصف العشر وما سقي بغير مؤنة ففيه العشر لما روينا من الخبر ولأن للكلفة تأثيرا في اسقاط الزكاة جملة بدليل العلوفة فبأن يؤثر في تخفيفها أولى ولأن الزكاة إنما تجب في المال النامي وللكلفة تأثير في تعليل النماء فأثرت في تقليل الواجب فيها ولا يؤثر حفر الأنهار والسواقي في نقصان الزكاة لأن المؤنة تقل لأنها تكون من جملة إحياء الأرض ولا تتكرر كل عام وكذلك لا يؤثر احتياجها الى ساق يسقيها ويحول الماء في نواحيها لأن ذلك لا بد منه في كل سقي يكلفه فهو زيادة على المؤنة في التنقيص يجري مجرى حرث الأرض وتحسينها وان كان الماء يجري من النهر في ساقية الى الأرض ويستقر في مكان قريب من وجهها بغرف أو دولاب فهو من الكلفة المسقطة لنصف الزكاة على ما مر لأن مقدار الكلفة وقرب الماء وبعده لا يعتبر والضابط لذلك هو أن يحتاج في ترقية الماء الى الأرض بآلة من غرف أو نضح أو دالية ونحو ذلك وقد وجد ا ه .
فصل : فان سقي نصف السنة بكلفة ونصفها بغير كلفة ففيه ثلاثة أرباع العشر وهذا قول مالك و الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا لأن كل واحد منهما لو وجد في جميع السنة لأوجب مقتضاه وسقط حكم الآخر نص عليه وهو قول عطاء و الثوري و أبي حنيفة واحد قولي الشافعي وقال ابن حامد : يؤحذ بالقسط وهو القول الثاني للشافعي لأنهما لو كانا نصفين أخذ بالحصة فكذلك اذا كان أحدهما أكثر كما لو كانت الثمرة نوعين ووجه الأول أن اعتبار مقدار السقي وعدد مراته وقدر ما يشرب في كل سقية يشق ويتعذر فكان الحكم للأغلب منهما كالسوم في الماشية وان جهل المقدار غلبنا إيجاب العشر احتياطا نص عليه أحمد في رواية عبد الله لأن الأصل وجوب العشر وإنما يسقط بوجود الكلفة فما لم يتحقق المسقط يبقى على الأصل ولأن الأصل عدم الكلفة في الأكثر فلا يثبت وجودها مع الشك فيه وإن اختلف الساعي ورب المال في أيهما سقى به أكثر فالقول قول رب المال بغير يمين فان الناس لا يستحلفون على صدقاتهم ا ه .
فصل : واذا كان لرجل حائطان سقى أحدهما بمؤنة الآخر بغير مؤنة ضم غلة أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب أو أخرج من الذي سقي بغير مؤنة عشره ومن الآخر نصف عشره كما يضم أحد النوعين الى الآخر ويخرج من كل واحد منهما ما وجب فيه .
مسألة : قال : والوسق ستون صاعا والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي .
أما كون الوسق ستين صاعا فلا خلاف فيه قال ابن المنذر : هو قول كل من يحفظ عنه من أهل العلم وقد روى الأثرم عن سلمة بن صخر عن النبي A قال : [ الوسق ستون صاعا ] وروى أبو سعيد و جابر عن النبي A مثل ذلك رواه ابن ماجة .
وأما كون الصاع خمسة أرطال وثلثا ففيه اختلاف ذكرناه في باب الطهارة وبينا أنه خمسة أرطال وثلث بالعراقي فيكون مبلغ الخمسة الأوسق ثلاثمائة صاع وهو ألف وستمائة رطل بالعراقي والرطل العراقي مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ووزنه بالمثاقيل سبعون مثقالا ثم زيد في الرطل مثقال آخر وهو درهم وثلاثة أسباع فصار إحدى وتسعين مثقالا وكملت زنته بالدراهم مائة وثلاثين درهما والاعتبار بالأول قبل الزيادة فيكون الصاع بالرطل الدمشقي الذي هوستمائة درهم رطلا وسبعا وذلك أوقية وخمسة أسباع أوقية ومبلغ الخمسة الأوسق بالرطل الدمشقي ثلاثمائة رطل واثنان وأربعون رطلا وعشر أواقي وسبع أوقية وذلك ستة أسباع رطل .
فصل : والنصاب معتبر بالكيل فان الأوساق مكيلة وانما نقلت الى الوزن لتضبط وتحفظ وتنقل ولذلك تعلق وجوب الزكاة بالمكيلات دون الموزونات والمكيلات تختلف في الوزن فمنها الثقيل كالحنطة والعدس ومنها الخفيف كالشعير والذرة ومنها المتوسط وقد نص أحمد على أن الصاع خمسة أرطال وثلث من الحنطة وروى جماعة عنه أنه قال الصاع وزنته فوجدته خمسة أرطال وثلثي رطل حنطة وقال حنبل قال أحمد : أخذت الصاع من أبي النضر وقال ابو النضر : أخذته من ابن أبي ذئب وقال هذا صاع النبي A الذي يعرف بالمدينة قال ابو عبد الله فأخذنا العدس فعيرنا به وهو أصلح ما يكال به لأنه لا يتجافى عن مواضعه فكلنا به ووزناه فاذا هو خمسة أرطال وثلث هذا أصح ما وفقا عليه وما بين لنا من صاع النبي A وقال بعض أهل العلم أجمع على أن مد النبي A رطل وثلث قمحا من أوسط القمح فمتى بلغ القمح ألفا وستمائة رطل ففيه الزكاة وهذا يدل على أنهم قدروا الصاع بالثقيل فأما الخفيف فتجب الزكاة فيه اذا قارب هذا وان لم يبلغه ومتى شك في وجوب الزكاة فيه ولم يوجد مكيال يقدر به فالاحتياط الاخراج وان لم يخرج فلا حرج لأن الأصل عدم وجوب الزكاة فلا تجب بالشك .
فصل : قال القاضي : وهذا النصاب معتبر تحديدا فمتى نقص شيئا لم تجب الزكاة لقول رسول الله A : [ ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ] والناقص عنها لم يبلغها الا أن يكون نقصا يسيرا يدخل في المكاييل كالأوقية ونحوها فلا عبرة به لأن مثل ذلك يجوز أن يدخل في المكاييل فلا ينضبط فهو كنقص الحول ساعة أو ساعتين