مسألة وفصول : ما تجب الزكاة فيه من الزروع والثمار .
مسألة : قال أبو القاسم : وكل ما أخرج الله D من الأرض مما ييبس ويبقى مما يكال ويبلغ خمسة أوسق فصاعدا ففيه العشر إن كان سقيه من السماء والسوح وإن كان يسقى بالدوالي والنواضح وما فيه الكلف فنصف العشر .
هذه المسألة تشتمل على أحكام : منها أن الزكاة تجب فيما جمع هذه الأوصاف الكيل والبقاء واليبس من الحبوب والثمار مما ينبته الآدميون اذا نبت في أرضه سواء كان قوتا كالحنطة والشعير والسلت والأرز والذرة والدخن أو من القطنيات كالباقلى والعدس والماش والحمص أو من الأبازير كالكسفرة والكمون و الكراويا أو البزور كبزر الكتان والقثاء والخيار أو حب البقول كالرشاد وحب الفجل والقرطم والترمس والسمسم وسائر الحبوب وتجب أيضا فيما جمع هذه الأوصاف من الثمار كالتمر والزبيب والمشمش واللوز والفستق والبندق ولا زكاة في سائر الفواكه كالخوخ والإجاص والكمثري والتفاح والمشمش والتين والجوز ولا في الخضر كالقثاء والخيار والباذنجان واللفت والجزر وبهذا قال عطاء في الحبوب كلها ونحوه قول أبي يوسف و محمد فانهما قالا : لا شيء فيما تخرجه الأرض إلا ما كانت له ثمرة باقية يبلغ مكيلها خمسة أوسق .
وقال أبو عبد الله بن حامد : لا شيء في الابازير ولا البزور ولا حب البقول ولعله لا يوجب الزكاة الا فيما كان قوتا أو أدما لأن ما عداه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص عليه فيبقى على النفي الأصلي وقال مالك و الشافعي : لا زكاة في ثمر إلا التمر والزبيب ولا في حب إلا ما كان قوتا في حالة الاختيار لذلك إلا في الزيتون على اختلاف وحكي عن أحمد إلا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب وهذا قول ابن عمر وموسى بن طلحة و الحسن و ابن سيرين و الشعبي و الحسن بن صالح و ابن أبي ليلى و ابن المبارك و أبي عبيد والسلت نوع من الشعير ووافقهم ابراهيم وزاد الذرة ووافقهم ابن عباس وزاد الزيتون لأن ما عدا هذا لا نص فيه ولا إجماع ولا هو في معنى المنصوص عليه ولا المجمع عليه فيبقى على الأصل .
وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو أنه قال : إنما سن رسول الله ثلى الله عليه وسلم الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب وفي رواية عن أبيه عن جده عن النبي A أنه قال : [ والعشر في التمر والزبيب والحنطة والشعير ] وعن موسى بن طلحة عن عمر أنه قال : إنما سن رسول الله عليه وسلم الزكاة في هذه الأربعة : الحنطة والشعير والتمر والزبيب و [ عن أبي بردة عن أبي موسى ومعاذ أن رسول الله A بعثهما إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم فأمرهم أن لا يأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة : الحنطة والشعير والتمر والزبيب ] رواهن كلهن الدارقطني ولأن غير هذه الأربعة لا نص فيها ولا إجماع ولا هو في معناها في غلبة الاقتيات بها وكثرة نفعها ووجودها فلم يصح قياسه عليها ولا إلحاقه بها فيبقى على الأصل وقال أبو حنيفة : تجب الزكاة في كل ما يقصد بزراعته نماء الأرض الا الحطب والقصب والحشيش لقوله عليه السلام : [ فيما سقت السماء العشر ] وهذا عام ولأن هذا يقصد بزراعته نماء الأرض فأشبه الحب .
ووجه قول الخرقي أن عموم قوله عليه السلام : [ فيما سقت السماء العشر ] وقوله عليه السلام لمعاذ : [ خذ الحب من الحب ] يقتضي وجوب الزكاة في جميع ما تناوله خرج منه ما لا يكال وما ليس بحب بمفهوم قوله عليه السلام : [ ليس في حب ولا ثمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق ] رواه مسلم و النسائي فدل هذا الحديث على انتفاء الزكاة مما لا توسيق فيه وهو مكيال ففيما هو مكيل يبقى على العموم والدليل على انتفاء الزكاة مما سوى ذلك ما ذكرنا من اعتبار التوسيق .
وروي [ عن علي أن رسول الله A قال : ليس في الخضراوات صدقة ] و [ عن عائشة أن رسول الله A قال : ليس فيما أنبتت الأرض من الخضر صدقة ] وعن موسى بن طلحة عن أبيه وعن أنس عن رسول الله A مثله رواهن الدارقطني وروى الترمذي باسناده [ عن معاذ أنه كتب إلى النبي A يسأله عن الخضراوات وهي البقول فقال : ليس فيها شيء ] وقال يرويه الحسن بن عمارة وهو ضعيف والصحيح أنه عن موسى بن طلحة عن النبي A مرسل وقال موسى بن طلحة : جاء الأثر عن رسول الله A في خمسة أشياء : الشعير والحنطة والسلت والزبيب والتمر وما سوى ذلك مما أخرجت الأرض فلا عشر فيه وقال : ان معاذا لم يأخذ من الخضر صدقة .
وروى الأثرم باسناده أن عامل عمر كتب اليه في كروم فيها من - الفرسك والرمان ما هو أكثر غلة من الكروم أضعافا فكتب عمر إنه ليس عليها عشر هي من العضاة .
فصل : ولا شيء فيما ينبت من المباح الذي لا يملك الا بأخذه كالبطم والعفص والزعبل وهو شعير الجبل وبزر قطونا وبزر البقلة وحب الثمام والقت وهو بزر الاشنان اذا ادرك وتناهى نضحه حصلت فيه مرورة وملوحة وأشباه هذا ذكره ابن حامد لأنه إنما يملك بحيازته وأخذ الزكاة إنما تجب فيه اذا بدا صلاحه وفي تلك الحال لم يكن مملوكا له فلا يتعلق به الوجوب كالذي يلتقطه اللقاط من السنبل فانه لا زكاة فيه نص عليه أحمد وذكر القاضي في المباح أن فيه الزكاة اذا نبت في أرضه ولعله بنى هذا على أن ما نبت في أرضه من الكلأ يكون ملكا له والصحيح خلافه فأما إن نبت في أرضه ما يزرعه الآدميون مثل أن سقط في أرض انسان حب من الحنطة أو الشعير فنبت ففيه الزكاة لأنه يملكه ولو اشترى زرعا بعد بدو الصلاح فيه أو ثمرة قد بدا صلاحها أو ملكها بجهة من جهات الملك لم تجب فيه الزكاة لما ذكرنا .
فصل : ولا تجب فيما ليس بحب ولا ثمر سواء وجد فيه الكيل والأدخار أو لم يوجد فلا تجب في ورق مثل ورق السدر والخطمي والأشنان و الصعتر والآس ونحوه لأنه ليس بمنصوص عليه ولا في معنى المنصوص ومفهوم قوله عليه السلام : [ لا زكاة في حب ولا ثمر حتى يبلغ خمسة أوسق ] ان الزكاة لا تجب في غيرهما قال ابن عقيل في ثمر السدر : فورقه أولى ولأن الزكاة لا تجب في الحب المباح ففي الورق أولى ولا زكاة في الازهار كالزعفران والعصفر والقطن لأنه ليس بحب ولا ثمر ولا هو بمكيل فلم تجب فيه زكاة كالخضراوات قال أحمد : ليس في القطن شيء وقال ليس في الزعفران زكاة وهذا ظاهر كلام الخرقي واختيار أبي بكر .
وروي عن علي في الفاكهة والبقل والتوابل والزعفران زكاة وعن عمر أنه قال : انما سن رسول الله A الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب وكذلك عبد الله بن عمر وحكي عن أحمد أن في القطن والزعفران زكاة وخرج أبو الخطاب في العصفر والورس وجها قياسا على الزعفران والأولى ما ذكرناه وهذا مخالف لأصول أحمد قال : المروي عنه روايتان إحداهما أنه لا زكاة الا في الأربعة والثانية انها انما تجب في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذرة والسلت والأرز والعدس وكل شيء يقوم مقام هذه حتى يدخر ويجري فيه القفيز مثل اللوبيا والحمص والسماسم والقطنيات ففيه الزكاة وهذا لا يجري فيه القفيز ولا هو في معنى ما سماه