مسألة وفصول : سقوط الزكاة .
فصل : الثالث أن الزكاة لا تسقط بتلف المال فرط أو لم يفرط هذا المشهور عن أحمد وحكى عنه الميموني أنه ان تلف النصاب قبل التمكن من الاداء سقطت الزكاة عنه وإن تلف بعده لم تسقط وحكاه ابن المنذر مذهبا لأحمد وهو قول الشافعي و الحسن بن صالح و إسحق و أبي ثور و ابن المنذر وبه قال مالك إلا في الماشية فانه قال لا شيء فيها حتى يجيء المصدق فان هلكت قبل مجيئه فلا شيء عليه وقال أبو حنيفة : تسقط الزكاة بتلف النصاب على كل حال الا أن يكون الامام قد طالبه بها فمنعها لأنه تلف قبل محل الاستحقاق فسقطت الزكاة كما لو تلفت الثمرة قبل الجذاذ ولأنه حق يتعلق بالعين فسقط بتلفها كارش الجناية في العبد الجاني ومن اشترط التمكن قال هذه عبادة يتعلق وجوبها بالمال فيسقط فرضها بتلفه قبل إمكان أدائها كالحج ومن نصر الاول قال مال وجب في الذمة فلم يسقط بتلف النصاب كالدين أو لم يشترط في ضمانه امكان الاداء كثمن المبيع والثمرة لا تجب زكاتها في الذمة حتى تحرز لأنها في حكم غير المقبوض ولهذا لو تلفت بحائحة كانت في ضمان البائع على ما دل عليه الخبر وإذا قلنا بوجوب الزكاة في العين فليس هو بمعنى استحقاق جزء منه ولهذا لايمنع التصرف فيه والحج لا يجب حتى يتمكن من الأداء فاذا وجب لم يسقط بتلف المال بخلاف الزكاة فان التمكن ليس بشرط لوجوبها على ما قدمناه والصحيح ان شاء الله أن الزكاة تسقط بتلف المال اذا لم يفرط في الاداء لأنها تجب على سبيل المواساة فلا تجب على وجه يجب أداؤها مع عدم المال وفقر من تجب عليه ومعنى التفريط أن يتمكن من اخراجها فلا يخرجها وان لم يتمكن من اخراجها فليس بمفرط سواء كان ذلك لعدم المستحق أو لبعد المال عنه أو لكون الفرض لا يوجد في المال ويحتاج الى شرائه فلم يجد ما يشتريه أو كان في طلب الشراء أو نحو ذلك وان قلنا بوجوبها بعد تلف المال فأمكن المالك أداؤها أداها والا أنظر بها الى ميسرته وتكنه من أدائها من غير مضرة عليه لأنه اذا لزم انظاره بدين الآدمي المتعين فبالزكاة التي هي حق الله تعالى أولى .
فصل : ولا تسقط الزكاة بموت رب المال وتخرج من مالة وان لم يوص بها هذا قول عطاء و الحسن و الزهري و قتادة و مالك و الشافعي و إسحق و أبي ثور و ابن المنذر وقال الأوزاعي و الليث : تؤخذ من الثلث مقدمة على الوصايا ولا يجاوز الثلث وقال ابن سيرين و الشعبي و النخعي و حماد بن سليمان و داود بن أبي هند و حميد الطويل و المثنى و الثوري لا تخرج الا أن يكون أوصى بها وكذلك قال أصحاب الرأي وجعلوها اذا أوصى بها وصية تخرج من الثلث ويزاحم بها أصحاب الوصايا واذا لم يوص بها سقطت لأنها عبادة من شرطها النية فسقطت بموت من هي عليه كالصوم .
ولنا أنها حق واجب تصح الوصية به فلم تسقط بالموت كدين الآدمي ولأنها حق مالي واجب فلم يسقط بموت من هو عليه كالدين ويفارق الصوم والصلاة فهما عبادتان بدنيتان لا تصح الوصية بهما ولا النيابة فيهما ا ه .
فصل : وتجب الزكاة على الفور فلا يجوز تأخير اخراجها مع القدرة عليه و التمكن منه اذا لم يخش ضررا وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : له التأخير ما لم يطالب لأن الأمر بأدائها مطلق فلا يتعين الزمن الأول لأدائها دون غيره كما لا يتعين لذلك مكان دون مكان .
ولنا أن الأمر المطلق يقتضي الفور على ما يذكر في موضعه ولذلك يستحق المؤخر للامتثال العقاب ولذلك أخرج الله تعالى إبليس وسخط عليه ووبخه بامتناعه عن السجود ولو أن رجلا أمر عبده أن يسقيه فأخر ذلك استحق العقوبة ولأن جواز التأخير ينافي الوجوب لكون الواجب ما يعاقب على تركه ولو جاز التأخير لجاز الى غير غاية فتنبغي العقوبة بالترك ولو سلمنا أن مطلق الأمر لا يقتضي الفور لاقتضاه في مسألتنا اذ لو جاز التأخير هاهنا لأخره بمقتضى طبعه ثقة منه بأنه لا يأثم بالتأخير فيسقط عنه بالموت أو بتلف ماله أو بعجزه عن الاداء فتضرر الفقراء ولأن هاهنا قرينة تقتضي الفور وهو أن الزكاة وجبت لحاجة الفقراء وهي ناجزة فيجب أن يكون الوجوب ناجزا ولأنها عبادة تتكرر فلم يجز تأخيرها الى وقت وجوبها مثلها كالصلاة والصوم قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله سئل عن الرجل يحول الحول على ماله فيؤخر عن وقت الزكاة فقال : لا ولم يؤخر اخراجها ؟ وشدد في ذلك قيل فابتدأ في اخراجها فجعل يخرج أولا فأولا فقال لا بل يخرجها كلها اذا حال الحول فأما اذا كانت عليه مضرة في تعجيل الاخراج مثل من يحول حوله قبل مجيء الساعي ويخشى ان أخرجها بنفسه أخذها الساعي منه مرة أخرى فله تأخيرها نص عليه أحمد وكذلك إن خشي في إخراجها ضررا في نفسه أو مال له سواها فله تأخيرها لقول النبي A : [ لا ضرر ولا ضرار ] ولأنه اذا جاز تأخير دين الآدمي لذلك فتأخير الزكاة أولى .
فصل : فان أخرها ليدفعها الى من هو أحق بها من ذي قرابة أو ذي حاجة شديدة فان كان شيئا يسيرا فلا بأس وان كان كثيرا لم يجز قال أحمد : لا يجري على أقاربه من الزكاة في كل شهر يعني لا يؤخر اخراجها حتى يدفعها اليهم متفرقة في كل شهر شيئا فأما إن عجلها فدفعها اليهم أو الى غيرهم متفرقة أو مجموعة جاز لأنه لم يؤخرها عن وقتها وكذلك ان كان عنده مالان أو أموال زكاتها واحدة وتختلف أحوالها مثل أن يكون عنده نصاب وقد استفاد في أثناء الحول من جنسه دون النصاب لم يجز تأخير الزكاة ليجمعها كلها لأنه يمكنه جمعها بتعجيلها في أول واجب منها .
فصل : فان أخر الزكاة فلم يدفعها الى الفقير حتى ضاعت لم تسقط عنه كذلك قال الزهري و الحكم و حماد و الثوري و أبو عبيد وبه قال الشافعي إلا أنه قال إن لم يكن فرط في إخراج الزكاة وفي حفظ ذلك المخرج رجع الى ماله فان كان فيما بقي زكاة أخرجها وإلا فلا وقال أصحاب الرأي يزكي مابقي الا أن ينقص عن النصاب فتسقط الزكاة فرط أو لم يفرط وقال مالك : أراها تجزئه اذا أخرجها في محلها وان أخرجها بعد ذلك ضمنها وقال مالك يزكي ما بقي بقسطه وان بقي عشرة دراهم .
ولنا أنه حق متعين على رب المال تلف قبل وصوله الى مستحقه فلم يبرأ منه بذلك كدين الآدمي قال أحمد : ولو دفع الى أحد زكاته خمسة دراهم فقيل أن يقبضها منه قال اشتري لي بها ثوبا أو طعاما فذهبت الدراهم أو اشترى بها ما قال فضاع منه فعليه أن يعطي مكانها لأنه لم يقبضها منه ولو قبضها منه ثم ردها اليه وقال اشتر لي بها فضاعت أو ضاع ما اشترى بها فلا ضمان عليه اذا لم يكن فرط وانما قال ذلك لأن الزكاة لا يملكها الفقير الا بقبضها فاذا وكله في الشراء بها كان التوكيل فاسدا لأنه وكله في الشراء بما ليس له وبقيت على ملك رب المال فاذا تلفت كانت في ضمانه .
فصل : ولو عزل قدر الزكاة فنوى أنه زكاة فتلف فهو في ضمان رب المال ولا تسقط الزكاة عنه بذلك سواء قدر على أن يدفعها اليه أو لم يقدر والحكم فيه كالمسألة التي قبلها اه