مسألة وفصل : الزكاة تجب في العين والذمة وحلول الحول .
مسألة : قال : والزكاة تجب في الذمة بحلول الحول وان تلف المال فرط أو لم يفرط .
هذه المسألة تشتمل على أحكام ثلاثة .
أحدها : أن الزكاة تجب في الذمة وهو إحدى الروايتين عن أحمد وأحد قولي الشافعي لأن اخراجها من غير النصاب جائز فلم تكن واجبة فيه كزكاة الفطر ولأنها لو وجبت فيه لامتنع تصرف المالك فيه ولتمكن المستحقون من الزامه أداء الزكاة من عينه أو ظهر شيء من أحكام ثبوته فيها ولسقطت الزكاة بتلف النصاب من غير تفريط كسقوط ارش الجناية بتلف الجاني .
والثانية : أنها تجب في العين : وهذا القول الثاني للشافعي وهذه الرواية هي الظاهرة عند بعض أصحابنا لقول النبي A : [ في أربعين شاة شاة ] وقوله : [ فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بدالية أو نضج نصف العشر ] وغير ذلك من الألفاظ الواردة بحرف في وهي للظرفية وانما جاز الاخراج من غير النصاب رخصة وفائدة الخلاف أنها اذا كانت في الذمة فحال على ماله حولان لم يؤد زكاتهما وجب عليه اداؤها لما مضى ولا تنقص عنه الزكاة في الحول الثاني وكذلك إن كان أكثر من نصاب لم تنقص الزكاة وان مضى عليه أحوال فلو كان عنده أربعون شاة مضى عليها ثلاثة أحوال لم يؤد زكاتها وجب عليه ثلاث شياه وان كانت مائة دينار فعليه سبعة دنانير ونصف لأن الزكاة وجبت في ذمته فلم يؤثر في تنقيص النصاب لكن ان لم يكن له مال آخر يؤدي الزكاة منه احتمل أن تسقط الزكاة في قدرها لأن الدين يمنع وجوب الزكاة .
وقال ابن عقيل : لا تسقط الزكاة بهذا بحال لأن الشيء لا يسقط نفسه وقد يسقط غيره بدليل أن تغير الماء بالنجاسة في محلها لا يمنع صحة طهارتها وازالتها به ويمنع ازالة نجاسة غيرها والأول أولى لأن الزكاة الثانية غير الاولى وان قلنا الزكاة تتعلق بالعين وكان النصاب مما تجب الزكاة في عينه فحالت عليه أحوال لم تؤد زكاتها تعلقت الزكاة في الحول الاول من النصاب بقدرها فان كان نصابا لا زيادة عليه فلا زكاة فيه فيما بعد الحول الاول لأن النصاب نقص فيه وان كان أكثر من نصاب عزل قدر فرض الحول الأول وعليه زكاة ما بقي وهذا هو المنصوص عن أحمد في رواية جماعة وقال في رواية محمد بن الحكم اذا كانت الغنم أربعين فلم يأته المصدق عامين فاذا أخذ المصدق شاة فليس عليه شيء في الباقي وفيه خلاف وقال في رواية صالح : اذا كان عند الرجل مائتا درهم فلم يزكها حتى حال عليها حول آخر يزكيها للعام الأول لأن هذه تصير مائتين غير خمسة دراهم وقال في رجل له ألف درهم فلم يزكها سنين يزكي في أول سنة خمسة وعشرين ثم في كل سنة بحساب ما بقي وهذا قول مالك و الشافعي و أبي عبيد فان كان عنده أربعون من الغنم نتجت سخلة في كل حول وجب عليه في كل سنة شاة لأن النصاب كمل بالسخلة الحادثة فان كان نتاج السخلة بعد وجوب الزكاة عليه بمدة استؤنف الحول الثاني من حين نتجت لأنه حينئذ كمل .
فصل : فان ملك خمسا من الابل فلم يؤد زكاتها أحوالا فعليه في كل سنة شاة نص عليه في رواية الأثرم قال في رواية الأثرم : المال غير الابل اذا أدي من الابل لم ينقص والخمس بحالها وكذلك ما دون خمس وعشرين من الابل لا تنقص زكاتها فيما بعد الحول الأول لأن الفرض يجب من غيرها فلا يمكن تعلقه بالعين و للشافعي قولان أحدهما أن زكاتها تنقص كسائر الأموال فاذا كان عنده خمس من الإبل فمضى عليها أحوال لم تجب عليه فيها الا شاة واحدة لأنها نقصت بوجوب الزكاة فيها في الحول الأول عن خمس كاملة فلم يجب عليه فيها شيء كما لو ملك أربعا وجزءا من بعير .
ولنا أن الواجب من غير النصاب فلم ينقص به النصاب كما لو أداه وفارق سائر الأموال فان الزكاة يتعلق وجوبها بعينه فينقصه كما لو أداه من النصاب فعلى هذا لو ملك خمسا وعشرين فحالت عليه أحوال فعليه في الحول الأول بنت مخاض وعليه لكل حول بعده أربع شياه وان بلغت قيمة الشاة الواجبة أكثر من خمس من الابل فان قيل فاذا لم يكن في خمس وعشرين بنت مخاض فالواجب فيها من غير عينها فيجب أن لا تنقص زكاتها أيضا في الأحوال كلها قلنا إذا أدى عن خمس وعشرين أكبر من بنت مخاض جاز فقد أمكن تعلق الزكاة بعينها لإمكان الاداء منها بخلاف عشرين من الابل فانه لا يقبل منه واحدة منها فافترقا .
فصل : الحكم الثاني أن الزكاة تجب بحلول الحول سواء تمكن من الأداء أو لم يتمكن وبهذا قال أبو حنيفة : وهو أحد قولي الشافعي وقال في الآخر التمكن من الاداء شرط فيشترط للوجوب ثلاثة أشياء الحول والنصاب والتمكن من الاداء وهذا قول مالك حتى لو أتلف الماشية بعد الحول قبل إمكان الاداء لا زكاة عليه اذا لم يقصد الفرار من الزكاة لأنها عبادة فيشترط لوجوبها امكان أدائها كسائر العبادات .
ولنا قول النبي A : [ لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ] فمفهومه وجوبها عليه اذا حال الحول ولأنه لو لم يتمكن من الاداء حتى حال عليه حولان وجبت عليه زكاة الحولين ولا يجوز وجوب فرضين في نصاب واحد في حال واحد وقياسهم ينقلب عليهم فاننا نقول هذه عبادة فلا يشترط لوجوبها امكان أدائها كسائر العبادات فان الصوم يجب على الحائض والمريض العاجز عن أدائه والصلاة تجب على المغمى عليه والنائم ومن أدرك من أول الوقت جزءا ثم جن أو حاضت المرأة والحج يجب على من أيسر في وقت لا يتمكن من الحج فيه أو منعه من المضي مانع ثم الفرق بينهما أن تلك عبادات بدنية يكلف فعلها ببدنه فأسقطها تعذر فعلها وهذة عبادة مالية يمكن ثبوت الشركة للمساكين في ماله والوجوب في ذمته مع عجزه عن الاداء كثبوت الديون في ذمة المفلس وتعلقها بماله بجنايته