مسألة وفصول : اخراج الزكاة في بلد آخر .
مسألة : قال : ولا يجوز نقل الصدقة من بلدها الى بلد تقصر في مثله الصلاة .
المذهب على أنه لا يجوز نقل الصدقة من بلدها إلى مسافة القصر قال أبو داود : سمعت أحمد سئل عن الزكاة يبعث بها من بلد إلى بلد ؟ قال لا قيل وان كان قرابته بها ؟ قال لا واستحب أكثر أهل العلم أن لا تنقل من بلدها وقال سعيد : حدثنا سفيان عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال في كتاب معاذ بن جبل : من أخرج من مخلاف الى مخلاف فان صدقته وعشره ترد إلى مخلافه وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه رد زكاة أتي بها من خراسان إلى الشام الى خراسان وروي عن الحسن و النخعي أنهما كرها نقل الزكاة من بلد إلى بلد إلا لذي قرابة وكان أبو العالية يبعث بزكاته إلى المدينة .
ولنا قول النبي A لمعاذ : [ أخبرهم ان عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ] وهذا يختص بفقراء بلدهم ولما بعث معاذ الصدقة من اليمن الى عمر أنكر عليه ذلك عمر وقال لم أبعثك جابيا ولا آخذ جزية ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد في فقرائهم فقال معاذ : أنا ما بعثت اليك بشيء وأنا أجد أحدا يأخذه مني رواه أبو عبيد في الأموال وروي أيضا عن ابراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصين ان زيادا أو بعض الامراء بعث عمران على الصدقة فلما رجع قال : أين المال ؟ قال : أللمال بعثتني ؟ أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله A ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله A ولأن المقصود اغناء الفقراء بها فاذا أبحنا نقلها أفضى الى بقاء فقراء ذلك البلد محتاجين .
فصل : فان خالف ونقلها أجزأته في قول أكثر أهل العلم قال القاضي : وظاهر كلام أحمد يقتضي ذلك ولم أجد عنه نصا في هذه المسألة وذكر أبو الخطاب فيها روايتين إحداهما يجزيه واختارها لأنه دفع الزكاة إلى غير من أمر بدفعها اليه أشبه ما لو دفعها الى غير الأصناف .
فصل : فان استغنى عنها فقراء أهل بلدها جاز نقلها نص عليه أحمد فقال : قد تحمل الصدقة إلى الامام إذا لم يكن فقراء أو كان فيها فضل عن حاجتهم وقال أيضا : لا تخرج صدقة قوم عنهم من بلد الى بلد الا أن يكون فيها فضل عنهم لأن الذي كان يجيء الى النبي A وأبي بكر وعمر من الصدقة انما كان عن فضل عنهم يعطون ما يكفيهم ويخرج الفضل عنهم وروى أبو عبيد في كتاب الأموال باسناده عن عمرو بن شعيب ان معاذ بن جبل لم يزل بالجند اذ بعثه رسول الله A حتى مات النبي A ثم قدم على عمر فرده على ما كان عليه فبعث اليه معاذ بثلث صدقة الناس فأنكر ذلك عمر وقال : لم أبعثك جابيا ولا آخذ جزية لكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد على فقرائهم فقال معاذ : ما بعثت اليك بشيء وأنا أجد أحدا يأخذه مني فلما كان العام الثاني بعث اليه بشطر الصدقة فتراجعا بمثل ذلك فلما كان العام الثالث بعث اليه بها كلها فراجعه عمر بمثل ما راجعه فقال معاذ : ما وجدت أحدا يأخذ مني شيئا وكذلك اذا كان ببادية ولم يجد من يدفعها اليه فرقها على فقراء أقرب البلاد اليه .
فصل : قال أحمد في رواية محمد بن الحكم : اذا كان الرجل في بلد وماله في بلد فأحب الي أن تؤدى حيث كان المال فان كان بعضه حيث هو وبعضه في مصر يؤدي زكاة كل مال حيث هو فان كان غائبا عن مصره وأهله والمال معه فأسهل أن يعطي بعضه في هذا البلد وبعضه في البلد الآخر فأما إذا كان المال في البلد الذي هو فيه حتى يمكث فيه حولا تاما فلا يبعث بزكاته الى بلد آخر فان كان المال تجارة يسافر به فقال القاضي يفرق زكاته حيث حال حوله في أي موضع كان ومفهوم كلام أحمد في اعتباره الحول التام أنه يسهل في أن يفرقها في ذلك البلد وغيره من البلدان التي أقام بها في ذلك الحول وقال في الرجل يغيب عن أهله فتجب عليه الزكاة يزكيه في الموضع الذي كثر مقامه فيه فأما زكاة الفطر فانه يفرقها في البلد الذي وجبت عليه فيه سواء كان ماله فيه أو لم يكن لأنه سبب وجوب الزكاة ففرقت في البلد الذي سببها فيه .
فصل : والمستحب تفرقة الصدقة في بلدها ثم الأقرب فالأقرب من القرى والبلدان قال أحمد في رواية صالح : لا بأس أن يعطي زكاته في القرى التي حوله ما لم نقصر الصلاة في أثنائها ويبدأ بالأقرب فالأقرب وإن نقلها إلى البعيد لتحري قرابة أو من كان أشد حاجة فلا بأس ما لم يجاوز مسافة القصر