فصول : صرف الزكاة في جهة واحدة من الأصناف الثمانية ما تندفع به حاجته .
مسألة : قال : إلا أن يتولى الرجل اخراجها بنفسه فيسقط العامل .
وجملته أن الرجل إذا تولى اخراج زكاته بنفسه سقط حق العامل منها لأنه انما يأخذ أجرا لعمله فاذا لم يعمل فيها شيئا فلا حق له فيسقط وتبقى سبعة أصناف إن وجد جميعهم أعطاهم وإن وجد بعضهم اكتفى بعطيته وإن أعطى البعض مع إمكان عطية الجميع جاز أيضا .
مسألة : قال : وإن أعطاها كلها في صنف واحد أجزأه لم يخرجه إلى الغني .
وجملته أنه يجوز أن يقتصر على صنف واحد من الأصناف الثمانية ويجوز أن يعطيها شخصا واحدا وهو قول عمر وحذيفة و ابن عباس وبه قال سعيد بن جبير و الحسن و النخعي و عطاء واليه ذهب الثوري و أبو عبيد وأصحاب الرأي .
وروي عن النخعي أنه قال : إن كان المال كثيرا يحتمل الاصناف قسمه عليهم وإن كان قليلا جاز وضعه في صنف واحد وقال مالك يتحرى موضع الحاجة منهم ويقدم الاولى فالاولى وقال عكرمة و الشافعي يجب أن يقسم زكاة كل صنف من ماله على الموجود من الأصناف الستة الذين سهمانهم ثابتة قسمة على السواء ثم حصة كل صنف منهم لا تصرف الى أقل من ثلاثة منهم وأن وجد منهم ثلاثة أو أكثر فان لم يجد الا واحدا صرف حصة ذلك الصنف اليه .
وروى الأثرم عن أحمد كذلك وهو اختيار أبي بكر لأن الله تعالى جعل الصدقة لجميعهم وشرك بينهم فيها فلا يجوز الاقتصار على بعضهم كأهل الخمس .
ولنا [ قول النبي A لمعاذ : أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم فأخبر أنه مأمور برد جملتها في الفقراء وهم صنف واحد ولم يذكر سواهم ثم أتاه بعد ذلك مال فجعله في صنف ثان سوى الفقراء وهم المؤلفة الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن وعلقمة بن علاثة وزيد الخيل قسم فيهم الذهبية التي بعث بها اليه علي من اليمن وانما يؤخذ من أهل اليمن الصدقة ثم أتاه مال آخر فجعله في صنف آخر لقوله لقبيصة بن المخارق حين تحمل حمالة فأتى النبي A يسأله فقال : أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ] وفي حديث سلمة بن صخر البياضي أنه أمر له بصدقة قومه ولو وجب صرفها إلى جميع الأصناف لم يجز دفعها إلى واحد ولأنها لا يجب صرفها إلى جميع الأصناف اذا أخذها الساعي فلم يجب دفعها اليهم اذا فرقها المالك كما لو لم يجد إلا صنفا واحدا ولأنه لا يجب عليه تعميم أهل كل صنف بها فجاز الاقتصار على واحد كما لو وصى لجماعة لا يمكن حصرهم ويخرج على هذين المعنيين الخمس فانه يجب على الامام تفريقه على جميع مستحقيه واستيعاب جميعهم به بخلاف الزكاة والآية أريد بها بيان الاصناف الذين يجوز الدفع اليهم دون غيرهم اذا ثبت هذا فان المستحب صرفها إلى جميع الاصناف أو الى من أمكن منهم لأنه يخرج بذلك عن الخلاف ويحصل الاجزاء يقينا فكان أولى .
فصل : قول الخرقي اذا لم يخرجه الى الغني يعني به الغني المانع من أخذ الزكاة وقد ذكرناه وظاهر قول الخرقي أنه لا يدفع اليه ما يحصل به الغني والمذهب أنه يجوز أن يدفع اليه ما يغنيه من غير زيادة نص عليه أحمد في مواضع وذكره أصحابه فتعين حمل كلام الخرقي على أنه لا يدفع اليه زيادة على ما يحصل به الغني وهذا قول الثوري و مالك و الشافعي و أبي ثور وقال أصحاب الرأي : يعطى ألفا وأكثر اذا كان محتاجا اليها ويكره أن يزاد على المئتين .
ولنا أن الغنى لو كان سابقا منع فيمنع اذا قارن كالجمع بين الاختين في النكاح .
فصل : وكل صنف من الاصناف يدفع اليه ما تندفع به حاجته من غير زيادة فالغارم والمكاتب يعطى كل واحد منهما ما يقضي به دينه وان كثر وابن السبيل يعطى ما يبلغه إلى بلده والغازي يعطى ما يكفيه لغزوه والعامل يعطى بقدر أجره قال أبو داود سمعت أحمد قيل له يحمل في السبيل بألف من الزكاة ؟ قال ما أعطي فهو جائز ولا يعطى أحد من هؤلاء زيادة عل ما تندفع به الحاجة لأن الدفع لها فلا يزاد على ما تقتضيه .
فصل : وأربعة أصناف يأخذون أخذا مستقرا ولا يراعى حالهم بعد الدفع وهم الفقراء والمساكين والعاملون والمؤلفة فمتى أخذوها ملكوها ملكا دائما مستقرا لا يجب عليهم ردها بحال وأربعة منهم وهم الغارمون وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل فانهم يأخذون أخذا مراعى فان صرفوه في الجهة التي استحقوا الأخذ لأجلها وإلا استرجع منهم والفرق بين هذه الاصناف والتي قبلها أن هؤلاء أخذوا لمنعى لم يحصل بأخذهم للزكاة والاولون حصل المقصود بأخذهم وهو غنى الفقراء والمساكين وتأليف المؤلفين وأداء أجر العاملين وان قضى هؤلاء حاجتهم بها وفضل معهم فضل ردوا الفضل إلا الغازي فان ما فضل له بعد غزوه فهو له ذكره الخرقي في غير هذا الموضع وظاهر قوله في المكاتب أنه لا يرد ما فضل في يده لأنه قال : واذا عجز المكاتب ورد في الرق وكان قد تصدق عليه بشيء فهو لسيده ونص عليه أحمد أيضا في رواية المروذي والكوسج ونقل عنه حنبل اذا عجز يرد ما في يديه في المكاتبين وقا أبو بكر عبد العزير : ان كان باقيا بعينه استرجع منه لأنه إنما دفع اليه ليعتق به ولم يقع وقال القاضي : كلام الخرقي محمول على أن الذي بقي في يده لم يكن عين الزكاة وانما تصرف فيها وحصل عوضها وفائدتها ولو تلف المال الذي في يد هؤلاء بغير تفريط لم يرجع عليهم بشيء