مسألة وفصل : الغني تعريفه وامتناع الزكاة عليه وعلى زوجته .
مسألة : قال : ولا لغني وهو الذي يملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب .
يعني لا يعطي من سهم الفقراء والمساكين غني ولا خلاف في هذا بين أهل العلم وذلك لأن الله تعالى جعلها للفقراء والمساكين والغني غير داخل فيهم وقد قال النبي A لمعاذ : [ أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ] وقال : [ لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب ] وقال : [ لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي ] أخرجه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن ولأن أخذ الغني منها يمنع وصولها الى أهلها ويخل بحكمة وجوبها وهو اغناء الفقراء بها واختلف العلماء في الغنى المانع من أخذها ونقل عن أحمد فيه روايتان : أظهرهما أنه ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب أو وجود ما تحصل به الكفاية على الدوام من كسب أو تجارة أو عقار أو نحو ذلك ولو ملك من العروض أو الحبوب أو السائمة أو العقار ما لا تحصل به الكفاية لم يكن غنيا وان ملك نصابا هذا الظاهر من مذهبه وهو قول الثوري و النخعي و ابن مبارك و اسحق .
وروي عن علي وعبد الله أنهما قالا : لا تحل الصدقة لمن له خمسون درهما أو عدلها أو قيمتها من الذهب وذلك لما روى عبد الله بن مسعود قال : [ قال رسول الله A : من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خموشا أو خدوشا أو كدوحا في وجهه فقيل يا رسول الله ما الغني ؟ قال : خمسون درهما أو قيمتها من الذهب ] رواه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن فان قيل هذا يرويه حكيم بن جبير وكان شعبة لا يروي عنه وليس بقوي في الحديث قلنا قد قال عبد الله بن عثمان لسفيان : حفظي أن شعبة لا يروي عن عن حكيم بن جبير فقال سفيان : وحدثناه زبيد عن محمد بن عبد الرحمن وقد قال علي وعبد الله مثل ذلك : والرواية الثانية أن الغنى ما تحصل به الكفاية فاذا لم يكن محتاجا حرمت عليه الصدقة وإن لم يملك شيئا وإن كان محتاجا حلت له الصدقة وإن ملك نصابا والأثمان وغيرها في هذا سواء وهذا اختيار أبي الخطاب وابن شهاب العكبري وقول مالك و الشافعي [ لأن النبي A قال لقبيصة بن المخارق : لا تحل المسألة الا لأحد ثلاثة رجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه قد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ] رواه مسلم فمد إباحة المسألة الى وجود اصابة القوام أو السداد ولأن الحاجة هي الفقر والغنى ضدها فمن كان محتاجا فهو فقير يدخل في عموم النص ومن استغنى دخل في عموم النصوص المحرمة والحديث الأول فيه ضعف ثم يجوز أن تحرم المسألة ولا يحرم أخذ الصدقة اذا جاءته من غير مسألة فا المذكور فيه تحريم المسألة فنقتصر عليه وقال الحسن و أبو عبيد : الغنى ملك أوقية وهي أربعون درهما لما روى أبو سعيد الخدري قال : قال رسول الله A : [ من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف ] وكانت الأوقية على عهد رسول الله A أربعين درهما رواه أبو داود وقال أصحاب الرأي : الغنى الموجب للزكاة هو المانع من أخذها وهو ملك نصاب تجب فيه الزكاة من الأثمان والعروض المعدة للتجارة أو السائمة أو غيرها لقول النبي A لمعاذ : [ أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ] فجعل الاغنياء من تجب عليهم الزكاة فيدل ذلك على أن من تجب عليه غني ومن لا تجب عليه ليس بغني فيكون فقيرا فتدفع الزكاة اليه لقوله : [ فترد في فقرائهم ] ولأن الموجب للزكاة غنى والأصل عدم الاشتراك لأن من لا نصاب له لا تجب عليه الزكاة ولا يمنع منها كمن يملك دون الخمسين ولا له ما يكفيه فيحصل الخلاف بيننا وبينهم في أمور ثلاثة أحدها أن الغنى المانع من الزكاة غير الموجب لها عندنا ودليل ذلك حديث ابن مسعود وهو أخص من حديثهم فيجب تقديمه ولأن حديثهم دل على الغنى الموجب وحديثنا دل على الغنى المانع ولا تعارض بينهما فيجب الجمع بينهما وقولهم الأصل عدم الاشتراك قلنا قد قام دليله بما ذكرناه فيجب الأخذ به الثاني أن من له ما يكفيه من مال غير زكائي أو من مكسبه أو أجرة عقارات أو غيره ليس له الأخذ من الزكاة وبهذا قال الشافعي و اسحق و أبو عبيدة و ابن المنذر وقال أبو يوسف : ان دفع الزكاة اليه فهو قبيح وأرجو أن يجزئه وقال أبو حنيفة وسائر أصحابه : يجوز دفع الزكاة اليه لأنه ليس بغني لما ذكروه في حجتهم .
ولنا ما روى الامام أحمد حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبيد الله بن عدي بن الخيار [ عن رجلين من أصحاب النبي A أنهما أتيا رسول الله A فسألاه الصدقة فصعد فيهما البصر فرآهما جلدين فقال : إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب ] قال أحمد : ما أجوده من حديث وقال هو أحسنها اسنادا وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي A قال : [ لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي ] رواه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن صحيح إلا ابن أحمد قال : لا أعلم فيه شيئا يصح قيل فحديث سالم بن أبي الجعد عن أبي هريرة قال : سالم لم يسمع من أبي هريرة ولأن له ما يغنيه عن الزكاة فلم يجز الدفع اليه كمالك النصاب .
الثالث : إن من ملك نصابا زكائيا لا تتم به الكفاية من غير الأثمان فله الأخذ من الزكاة قال الميموني : ذاكرت أبا عبد الله فقلت : قد تكون للرجل الإبل والغنم تجب فيها الزكاة وهو فقير ويكون له أربعون شاة وتكون لهم الضعيفة ولا تكفيه فيعطى من الصدقة ؟ قال : نعم وذكر قول عمر : أعطوهم وإن راحت عليهم من الإبل كذا وكذا قلت فهذا قدر من العدد أو الوقت قال لم أسمعه وقال في رواية محمد بن الحكم : اذا كان له عقار يشغله أو ضيقة تساوي عشرة آلاف أو أقل أو أكثر لا تقيمه يأخذ من الزكاة وهذا قول الشافعي وقال أصحاب الرأي : ليس له أن يأخذ منها اذا ملك نصابا زكاتيا لأنه تجب عليه الزكاة فلم تجب له للخبر .
ولنا أنه لا يملك ما يغنيه ولا يقدر على كسب ما يكفيه فجاز له الأخذ من الزكاة كما لو كان ما يملك لا تجب فيه الزكاة ولأن الفقر عبارة عن الحاجة قال الله تعالى : { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله } أي المحتاجون اليه وقال الشاعر : .
( فيا رب اني مؤمن بك عابد ... مقر بزلاتي اليك فقير ) .
وقال آخر : .
( واني إلى معروفها لفقير ) .
وهذا محتاج فيكون فقيرا غير غني ولأنه لو كان ما يملكه لا زكاة فيه لكان فقيرا ولا فرق في دفع الحاجة بين المالين وقد سمى الله تعالى الذين لهم سفينة في البحر مساكين فقال تعالى : { أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } وقد بينا بما ذكرناه من قبل أن الغنى يختلف مسماه فيقع على ما يوجب الزكاة وعلى ما يمنع منها فلا يلزم من وجود أحدهما وجود الآخر ولا من عدمه عدمه فمن قال ان الغنى هو الكفاية سوى بين الاثمان وغيرها وجوز الأخذ لكل من لا كفاية له وإن ملك نصبا من جميع الأموال ومن قال بالرواية الأخرى فرق بين الأثمان وغيرها لخبر ابن مسعود ولأن الأثمان آلة الانفاق المعدة له دون غيرها فجوز الأخذ لمن لا يملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب ولا ما تحصل به الكفاية من مكسب أو أجرة أو عقار أو غيره أو نماء سائمة أو غيرها وإن كان له مال معد للأنفاق من غير الأثمان فينبغي أن تعتبر الكفاية به في حول كامل لأن الحول يتكرر وجوب الزكاة بتكرره فيأخذ منها كل حول ما يكفيه الى مثله ويعتبر وجود الكفاية له ولعائلته ومن يمونه لأن كل واحد منهم مقصود دفع حاجته فيعتبر له ما يعتبر للمنفرد وإن كان له خمسون درهما جاز أن يأخذ لعائلته حتى يصير لكل واحد منهم خمسون قال أحمد في رواية أبي داود فيمن يعطي الزكاة وله عيال يعطي كل واحد من عياله خمسين خمسين وهذا لأن الدفع إنما هو إلى العيال وهذا نائب عنهم في الأخذ .
فصل : وإن كان للمرأة الفقيرة زوج موسر يتفق عليها لم يجز دفع الزكاة اليها لأن الكفاية حاصلة لها بما يصلها من نفقتها الواجبة فأشبهت من له عقار يستغني بأجرته وإن لم ينفق عليها وتعذر ذلك جاز الدفع اليها كما لو تعطلت منفعة العقار وقد نص أحمد على هذا