فصلان : وذوي القربى فيمنعون وفي جوازها قولان - ويجوز دفع صدقة التطوع لمن حرم صدقة الفرض .
فصل : وظاهر قول الخرقي ههنا أن ذوي القربى يمنعون الصدقة وإن كانوا عاملين وذكر في باب قسم الفيء والصدقة ما يدل على إباحة الأخذ لهم عمالة وهو قول أكثر أصحابنا لأن ما يأخذونه أجر فجاز لهم أخذه كالحمال وصاحب المخزن اذا أجرهم مخزنه .
ولنا حديث أبي رافع وقد ذكرناه وما روى مسلم باسناده [ أنه اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا والله لو بعثنا هذين الغلامين إلى رسول الله A فكلماه فأمرهما على هذه الصدقات فأديا ما يؤدي الناس وأصابا ما يصيب الناس فبينما هما في ذلك إذ جاء علي بن أبي طالب فوقف عليهما فذكرا له ذلك قال علي : لا تفعلا فوالله ما هو بفاعل فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال : والله ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا قال فألقى علي رداءه ثم اضطجع ثم قال : أنا أبو الحسن والله لا أريم مكاني حتى يرجع اليكما ابناكما بخبر ما بعثتما به إلى رسول الله A فذكر الحديث - إلى أن قال - فأتيا رسول الله A فقالا يا رسول الله : أنت أبر الناس وأوصل الناس وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات فنؤدي اليك كما يؤدي الناس ونصيب كما يصيبون فسكت طويلا ثم قال : إن هذه الصدقة لا تنبغي لآل محمد انما هي أوساخ الناس ] وفي لفط أنه قال : [ ان الصدقة إنما هي أوساخ الناس وانها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد ] .
فصل : ويجوز لذوي القربى الأخذ من صدقة التطوع قال أحمد في رواية ابن القاسم : إنما لا يعطون من الصدقة المفروضة فأما التطوع فلا وعن أحمد رواية أخرى أنهم يمنعون صدقة التطوع أيضا لعموم قوله عليه السلام : [ انها لا تحل لنا الصدقة ] والأول أظهر فان النبي A قال : [ المعروف كله صدقة ] متفق عليه وقال الله تعالى : { فمن تصدق به فهو كفارة له } وقال تعالى : { فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون } ولا خلاف في إباحة المعروف إلى الهاشمي والعفو عنه وإنظاره وقال اخوة يوسف : { وتصدق علينا } والخبر أريد به صدقة الفرض لأن الطلب كان لها والألف واللام تعود إلى المعهود .
وروى جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقلت له أتشرب من الصدقة فقال : انما حرمت علينا الصدقة المفروضة ويجوز أن يأخذوا من الوصايا للفقراء ومن النذور لأنهما تطوع فأشبه ما لو وصى لهم وفي الكفارة وجهان أحدهما يجوز لأنها ليست بزكاة ولا هي أوساخ الناس فأشبهت صدقة التطوع والثاني لا يجوز لأنها واجبة أشبهت الزكاة .
فصل : وكل من حرم صدقة الفرض من الاغنياء وقرابة المتصدق والكافر وغيرهم يجوز دفع صدقة التطوع اليهم ولهم أخذها قال الله تعالى : { ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا } ولم يكن الأسير يومئذ الا كافرا .
[ وعن أسماء بنت أبي بكر Bهما قالت قدمت علي أمي وهي مشركة فقلت يا رسول الله : ان أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها قال : نعم صلي أمك ] وكسا عمر خاله حلة كان النبي A أعطاه اياها وعن أبي مسعود عن رسول الله صلى عليه وسلم قال : [ اذا أنفق على أهله وهو يحتسبها فهي له صدقة ] متفق عليه [ وقال النبي A لسعد : إن نفقتك على أهلك صدقة وإن ما تأكل امرأتك صدقة ] متفق عليه .
فصل : فأما النبي A فالظاهر أن الصدقة جميعها كانت محرمة عليه فرضها ونفلها لأن اجتنابها كان من دلائل نبوته وعلاماتها فلم يكن ليخل بذلك وفي حديث اسلام سلمان الفارسي أن الذي أخبره عن النبي A ووصفه قال : انه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة .
وقال أبو هريرة : كان النبي A اذا أتي بطعام سأل عنه فان قيل صدقة قال لأصحابه كلوا ولم يأكل وان قيل له هدية ضرب بيده فأكل معهم أخرجه البخاري [ وقال النبي A في لحم تصدق به على بريرة : وهو عليها صدقة وهو لنا هدية ] وقال عليه السلام : [ اني لأنقلب الى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي في بيتي فأرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها ] رواه مسلم وقال : [ إنا لا تحل لنا الصدقة ] ولأن النبي A كان أشرف الخلق وكان له من المغانم خمس الخمس والصفي فحرم نوعي الصدقة فرضها ونفلها وآله دونه في الشرف ولهم خمس الخمس وحده فحرموا أحد نوعيها وهو الفرض وقد روي عن أحمد أن صدقة التطوع لم تكن محرمة عليه قال الميموني : سمعت أحمد يقول : الصدقة لا تحل للنبي A وأهل بيته صدقة الفطر وزكاة الأموال والصدقة يصرفها الرجل على محتاج يريد بها وجه الله تعالى فأما غير ذلك فلا أليس يقال كل معروف صدقة وقد كان يهدى للنبي A ويستقرض فليس ذلك من جنس الصدقة على وجه الحاجة والصحيح أن هذا لا يدل على إباحة الصدقة له إنما أراد أن ما ليس من صدقة الأموال على الحقيقة كالقرض والهدية وفعل المعروف غير محرم عليه لكن فيه دلالة على التسوية بينه وبين آله في تحريم صدقة التطوع عليهم لقوله بأن الصدقة على المحتاج يريد بها وجه الله محرمة عليهما وهذا هو صدقة التطوع فصارت الروايتان في تحريم صدقة التطوع على آله والله أعلم