فصلان : شراء المزكي زكاته ممن دفعها اليه .
فصل : وليس لمخرج الزكاة شراؤها ممن صارت اليه وروي ذلك عن الحسن وهو قول قتادة و مالك قال أصحاب مالك : فان اشتراها لم ينقض البيع وقال الشافعي وغيره : يجوز لقول النبي A : [ لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة رجل ابتاعها بماله ] وروى سعيد في سننه [ أن رجلا تصدق على أمه بصدقة ثم ماتت فسأل النبي A فقال : قد قبل الله صدقتك وردها اليك الميراث ] وهذا في معنى شرائها ولأن ما صح أن يملك أرثا صح أن يملك ابتياعا كسائر الأموال .
ولنا ما [ روى عمر أنه قال : حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده وظننت أنه بائعه برخص فأردت أن أشتريه فسألت رسول الله A فقال : لا تبتعه ولا تعد في صدقتك ولو أعطاكه بدرهم فان العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه ] متفق عليه فان قيل يحتمل أنها كانت حبسا في سبيل الله فمنعه لذلك قلنا لو كانت حبسا لما باعها للذي هي في يده ولا هم عمر بشرائها بل كان ينكر على البائع ويمنعه فانه لم يكن يقر على منكر فكيف يفعله ويعين عليه ولأن النبي A ما أنكر بيعها إنما أنكر على عمر الشراء معللا بكونه عائدا في الصدقة الثاني اننا نحتج بعموم اللفظ من غير نظر إلى خصوص السبب فان النبي صلى الله عليه قال : [ لا تعد في صدقتك ] أي بالشراء فان العائد في صدقته كالعائد في قيئه والأخذ بعموم اللفظ أولى من التمسك بخصوص السبب فان قيل فان اللفظ لا يتناول الشراء فان العود في الصدقة استرجاعها بغير عوض وفسخ للعقد كالعود في الهبة والدليل على هذا قول النبي A : [ العائد في هبته كالعائد في قيئه ] ولو وهب إنسانا شيئا ثم اشتراه منه جاز قلنا النبي A ذكر ذلك جوابا لعمر حين سأله عن شراء الفرس فلو لم يكن اللفظ متناولا للشراء المسئول عنه لم يكن مجيبا له ولا يجوز إخراج خصوص السبب من عموم اللفظ لئلا يخلو السؤال عن الجواب وقد روي عن جابر أنه قال اذا جاء المصدق فادفع اليه صدقتك ولا تشترها فانهم كانوا يقولون ابتعها فأقول إنما هي لله وعن ابن عمر أنه قال لا تشتر طهور مالك ولأن في شرائه لها وسيلة الى استرجاع شيء منها لأن الفقير يستحي منه فلا يماكسه في ثمنها وربما رخصها له طمعا في أن يدفع اليه صدقة أخرى وربما علم أنه ان لم يبعه إياها استرجعها منه أو توهم ذلك وما هذا سبيله ينبغي أن يجتنب كما لو شرط عليه أن يبيعه إياها وهو أيضا ذريعة الى اخراج القيمة وهو ممنوع من ذلك أما حديثهم فيقول به وانها ترجع اليه بالميراث وليس هذا محل النزاع قال ابن عبد البر كل العلماء يقولون اذا رجعت اليه بالميراث طابت له الا ابن عمر و الحسن بن حي وليس البيع في معنى الميراث لأن الملك ثبت بالميراث حكما بغير اختياره وليس بوسيلة الى شيء مما ذكرنا والحديث الآخر مرسل وهو عام وحديثنا خاص صحيح فالعمل به أولى من كل وجه .
فصل : فان دعت الحاجة الى شراء صدقته مثل أن يكون الفرض جزءا من حيوان لا يمكن الفقير الانتفاع بعينه ولا يجد من يشتريه سوى المالك لباقيه ولو اشتراه غيره لتضرر المالك بسوء المشاركة أو اذا كان الواجب في ثمرة النخل والكرم عنبا ورطبا فاحتاج الساعي الى بيعها قبل الجذاذ فقد ذكر القاضي أنه يجوز بيعها من رب المال في هذا الموضع وكذلك يجيء في الصورة الأولى وفي كل موضع دعت الحاجة الى شرائه لها لأن المنع من الشراء في محل الوفاق إنما كان لدفع الضرر عن الفقير والضرر عليه في منع البيع هاهنا أعظم فدفعه بجواز البيع أولى