مسألة وفصول : من لا يجوز دفع الزكاة إليهم ومن لا يجوز .
مسألة : قال : ولا يعطي من الصدقة المفروضة للوالدين وإن علوا ولا للولد وان سفل .
قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها الى الوالدين في الحال التي يجبر الدافع اليهم على النفقة عليهم ولأن دفع زكاته اليهم تغنيهم عن نفقته وتسقطها عنه ويعود نفعها اليه فكأنه دفعها الى نفسه فلم تجز كما لو قضى بها دينه وقول الخرقي الوالدين يعني الأب والأم وقوله وان علوا يعني آباءهما وأمهاتهما وان ارتفعت درجتهم من الدافع كأبوي الأب وأبوي الأم وأبوي كل واحد منهم وان علت درجتهم من يرث منهم ومن لا يرث وقوله والولد وان سفل يعني وان نزلت درجته من أولاده البنين والبنات الوارث وغير الوارث نص عليه أحمد فقال : لا يعطى الوالدين من الزكاة ولا الولد ولا ولد الولد ولا الجد ولا الجدة ولا ولد البنت قال النبي A : [ ان ابني هذا سيد ] يعني الحسن فجعله ابنه ولأنه من عمودي نسبه فأشبه الوارث ولأن بينهما قرابة جزئية وبعضية بخلاف غيرها .
فصل : فأما سائر الاقارب فمن لا يورث منهم يجوز دفع الزكاة اليه سواء كان انتفاء الأرث لانتفاء سببه لكونه بعيد القرابة ممن لم يسم الله تعالى ولا رسوله A له ميراثا أو كان لمانع مثل أن يكون محجوبا عن الميراث كالأخ المحجوب بالابن أو الأب والعم المحجوب بالأخ وابنه وإن نزل فيجوز دفع الزكاة اليه لأنه قرابة جزئية بينهما ولا ميراث فأشبها الاجانب وإن كان بينهما ميراث كالأخوين اللذين يرث كل واحد منهما الآخر ففيه روايتان إحداهما يجوز لكل واحد منهما دفع زكاته إلى الآخر وهي الظاهرة عنه رواها عنه الجماعة قال في رواية اسحق بن ابراهيم و اسحق بن منصور وقد سأله يعطي الأخ والأخت والخالة من الزكاة ؟ قال : يعطي كل القرابة إلا الابوين والولد وهذا قول أكثر أهل العلم قال أبو عبيد : هو القول عندي لقول النبي A : [ الصدقة على المسكين صدقة وهي لذي الرحم اثنتان صدقة وصلة ] فلم يشترط نافلة ولا فريضة ولم يفرق بين الوارث وغيره ولأنه ليس من عمودي نسبه فأشبه الأجنبي والرواية الثانية لا يجوز دفعها إلى الموروث وهو ظاهر قول الخرقي لقوله ولا لمن تلزمه مؤنته وعلى الوارث مؤنة الموروث لأنه يلزمه مؤنته فيغنيه بزكاته عن مؤنته ويعود نفع زكاته اليه فلم يجز كدفعها الى والده أو قضاء دينه بها والحديث يحتمل صدقة التطوع فيحمل عليها فعلى هذا أن كان أحدهما يرث الآخر ولا يرثه الآخر كالعمة مع ابن أخيها والعتيق مع معتقه فعلى الوارث منهما نفقة مورثه وليس له دفع زكاته اليه وليس على الموروث منها نفقة وارثه ولا يمنع من دفع زكاته اليه لانتفاء المقتضي للمنع ولو كان الاخوان لأحدهما ابن والآخر لا ولد له فعلى أبي الابن نفقة أخيه وليس له دفع زكاته اليه والذي لا ولد له له دفع زكاته إلى أخيه ولا يلزمه نفقته لأنه محجوب عن ميراثه ونحو هذا قول الثوري : فأما ذوو الأرحام في الحال الذي يرثون فيها فيجوز دفعها اليهم في ظاهر المذهب لأن قرابتهم ضعيفة لا يرث بها مع عصبة ولا ذي فرض غير أحد الزوجين فلم تمنع دفع الزكاة كقرابة سائر المسلمين فان ماله يصير اليهم اذا لم يكن له وارث .
مسألة : قال : ولا للزوج ولا للزوجة .
أما الزوجة فلا يجوز دفع الزكاة اليها إجماعا قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة وذلك لأن نفقتها واجبة عليه فتستغني بها عن أخذ الزكاة فلم يجز دفعها اليها كما لو دفعها اليها على سبيل الانفاق عليها وأما الزوج ففيه روايتان إحداهما لا يجوز دفعها اليه وهو اختيار أبي بكر ومذهب أبي حنيفة لأنه أحد الزوجين فلم يجز للآخر دفع زكاته اليه كالآخر ولأنها تنتفع بدفعها اليه لأنه إن كان عاجزا عن الانفاق عليها تمكن بأخذ الزكاة من الانفاق فيلزمه وإن لم يكن عاجزا ولكنه أيسر بها لزمته نفقة الموسرين فتنتفع بها في الحالين فلم يجز لها ذلك كما لو دفعتها في أجرة دار أو نفقة رقيقها أو بهائمها فان قيل فيلزم على هذا الغريم فانه يجوز له دفع زكاته إلى غريمه ويلزم الآخذ بذلك وفاء دينه فينتفع الدافع بدفعها اليه قلنا الفرق بينهما من وجهين أحدهما أن حق الزوجة في النفقة آكد من حق الغريم بدليل أن نفقة المرأة مقدمة في مال المفلس على أداء دينه وأنها تملك أخذها من ماله بغير علمه اذا امتنع من ادائها والثاني أن المرأة تنبسط في مال زوجها بحكم العادة ويعد مال كل واحد منهما مالا للآخر ولهذا قال ابن مسعود في عبد سرق مرآة امرأة سيده : عبدكم سرق مالكم ولم يقطعه وروي ذلك عن عمر وكذلك لا تقبل شهادة كل واحد منهما لصاحبه بخلاف الغريم مع غريمه والرواية الثانية يجوز لها دفع زكاتها إلى زوجها وهو مذهب الشافعي و ابن المنذر وطائفة من أهل العلم [ لأن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت : يا نبي الله انك أمرت اليوم بالصدقة وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق به فزعم ابن مسعود أنه هو وولده أحق من تصدقت عليهم فقال النبي A : صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم ] رواه البخاري وروي [ أن امرأة عبد الله سألت النبي A عن بني أخ لها أيتام في حجرها أفتعطيهم زكاتها ؟ قال : نعم ] .
وروى الجوزجاني باسناده عن عطاء قال : [ أتت النبي A امرأة فقالت يا رسول الله : إن علي نذرا أن أتصدق بعشرين درهما وان لي زوجا فقيرا أفيجزيء عني أن أعطيه ؟ قال : نعم لك كفلان من الأجر ] ولأنه لا تجب نفقته فلا يمنع دفع الزكاة اليه كالأجنبي ويفارق الزوجة فان نفقتها واجبة عليه ولأن الأصل جواز الدفع لدخول الزوج في عموم الأصناف المسلمين في الزكاة وليس في المنع نص ولا إجماع وقياسه على من ثبت المنع في حقه غير صحيح لوضوح الفرق بينهما فيبقى جواز الدفع ثابتا والاستدلال بهذا أقوى من الاستدلال بالنصوص لضعف دلالتها .
فان الحديث الأول في صدقة التطوع لقولها : أردت أن أتصدق بحلي لي ولا تجب الصدقة بالحلي وقول النبي A : [ زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم ] والولد لا تدفع اليه الزكاة .
والحديث الثاني ليس فيه ذكر الزوج وذكر الزكاة فيه غير محفوظ قال أحمد : من ذكر الزكاة فهو عندي غير محفوظ انما ذاك صدقو من غير الزكاة كذا قال الأعمش : فأما الحديث الآخر فهو مرسل وهو في النذر .
فصل : فان كان في عائلته من لا يجب عليه الانفاق عليه كيتيم أجنبي فظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز له دفع زكاته اليه لأنه ينتفع بدفعها اليه لاغنائه بها عن مؤنته والصحيح إن شاء الله جواز دفعها اليه لأنه داخل في أصناف المستحقين للزكاة ولم يرد في منعه نص ولا إجماع ولا قياس صحيح فلا يجوز اخراجه من عموم النص بغير دليل وإن توهم أنه ينتفع بدفعها اليه قلنا قد لا ينتفع به فانه يصرفها في مصالحه التي لا يقوم بها الدافع وإن قدر الانتفاع فانه نفع لا يسقط به واجب عليه ولا يجتلب به مال اليه فلم يمنع ذلك الدفع كما لو كان يصله تبرعا من غير أن يكون من عائلته