فصل : يستحب للإنسان أن يلي تفرقة الزكاة بنفسه .
فصل : يستحب للإنسان أن يلي تفرقة الزكاة بنفسه ليكون على يقين من وصولها الى مستحقها سواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة قال الامام أحمد : أعجب الي أن يخرجها وان دفعها الى السلطان فهو جائز وقال الحسن و مكحول و سعيد بن جبير و ميمون بن مهران يضعها رب المال في موضعها وقال الثوري احلف لهم واكذبهم ولا تعطهم شيئا اذا لم يضعوها مواضعها وقال : لا تعطهم وقال عطاء : أعطهم اذا وضعوها مواضعها فمفهومه أنه لا يعطيهم اذا لم يكونوا كذلك وقال الشعبي و أبو جعفر اذا رأيت الولاة لا يعدلون فضعها في أهل الحاجة من أهلها وقال ابراهيم ضعوها في مواضعها فان أخذها السلطان أجزاك وقال سعيد أنبأنا أبو عوانة عن مهاجر أبي الحسن قال : أتيت أبا وائل وأبا بردة بالزكاة وهما على بيت المال فأخذاها ثم جئت مرة أخرى فرأيت أبا وائل وحده فقال لي ردها فضعها مواضعها وقد روي عن أحمد أنه قال : أما صدقة الأرض فيعجبني دفعها الى السلطان وأما زكاة الأموال كالمواشي فلا بأس أن يضعها في الفقراء والمساكين فظاهر هذا أنه استحب دفع العشر خاصة الى الأئمة وذلك لأن العشر قد ذهب قوم إلى أنه مؤونة الأرض فهو كالخراج يتولاه الأئمة بخلاف سائر الزكاة والذي رأيت في الجامع قال : أما صدقة الفطر فيعجبني دفعها الى السلطان ثم قال أبو عبد الله قيل لابن عمر إنهم يقلدون بها الكلاب ويشربون بها الخمور قال : ادفعها اليهم وقال ابن أبي موسى و أبو الخطاب دفع الزكاة الى الامام العادل أفضل وهو قول أصحاب الشافعي وممن قال يدفعها الى الامام الشعبي و محمد بن علي و أبو رزين و الأوزاعي لان الامام أعلم بمصارفها ودفعها اليه يبرئه ظاهرا وباطنا ودفعها الى الفقير لا يبرئه باطنا لاحتمال أن يكون غير مستحق لها ولأنه يخرج من الخلاف وتزول عنه التهمة وكان ابن عمر يدفع زكاته الى من جاءه من سعاه ابن الزبير أو نجدة الحروري وقد روي عن سهيل ابن أبي صالح قال : أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت عندي مال وأريد أن أخرج زكاته وهؤلاء القوم على ما نرى فما تأمرني ؟ قال : ادفعها اليهم فأتيت ابن عمر فقال مثل ذلك فأتيت أبا هريرة فقال : مثل ذلك وأتيت أبا سعيد فقال : مثل ذلك ويروى نحوه عن عائشة Bها وقال مالك و أبو حينفة و أبو عبيد : لا يفرق الأموال الظاهرة إلا الامام لقول الله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } ولأن أبا بكر طالبهم بالزكاة وقاتلهم عليها وقال لو منعوني عنافا كانوا يؤدونها الى رسول الله A لقاتلتهم عليها ووافقه الصحابة على هذا ولأن ما للامام قبضه بحكم الولاية لا يجوز دفعه الى المولى عليه كولي اليتيم و للشافعي قولان كالمذهبين .
ولنا على جواز دفعها بنفسه أنه دفع الحق الى مستحقه الجائز تصرفه فأجزأه كما لو دفع الدين الى غريمه وكزكاة الأموال الباطنة ولأنه أحد نوعي الزكاة فأشبه النوع الآخر والآية تدل على أن للامام أخذها ولا خلاف فيه ومطالبة أبي بكر لهم بها لكونهم لم يؤدوها الى أهلها ولو أدوها الى أهلها لم يقاتلهم عليها لأن ذلك مختلف في إجزائه فلا تجوز المقاتلة من أجله وانما يطالب الامام بحكم الولاية والنيابة عن مستحقيها فاذا دفعها اليهم جاز لأنهم أهل رشد فجاز الدفع اليهم بخلاف اليتيم .
وأما وجه فضيلة دفعها بنفسه فلأنه ايصال الحق الى مستحقه مع توفير أجر العمالة وصيانة حقهم عن خطر الخيانة ومباشرة تفريج كربة مستحقها وإغنائه بها مع اعطائها للأولى بها من محاويج أقاربه وذوي رحمه وصلة رحمه بها فكان أفضل كما لو لم يكن آخذها من أهل العدل فان قيل فالكلام في الامام العادل اذ الخيانة مأمونة في حقه قلنا الامام لا يتولى ذلك بنفسه وإنما يفوضه الى سعاته ولا تؤمن منهم الخيانة ثم ربما لا يصل الى المستحق الذي قد علمه المالك من أهله وجيرانه شيء منها وهم أحق الناس بصلته وصدقته ومواساته وقولهم ان أخذ الامام يبرئه ظاهرا وباطنا قلنا يبطل هذا بدفعها الى غير العادل فانه يبرئه أيضا وقد سلموا أنه ليس بأفضل ثم إن البراءة الظاهرة تكفي وقولهم أنه تزول به التهمة قلنا متى أظهرها زالت التهمة سواء أخرجها بنفسه ولا يختلف المذهب إن دفعها الى الامام سواء كان عادلا أو غير عادل وسواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة ويبرأ بدفعها سواء تلفت في يد الامام أو لم تتلف أو صرفها في مصارفها أو لم يصرفها لما ذكرنا عن الصحابة ولأن الامام نائب عنهم شرعا فبرئ بدفعها اليه كولي اليتيم اذا قبضها له ولا يختلف المذهب أيضا في أن صاحب المال يجوز أن يفرقها بنفسه