فصلان : حكم من عجل الزكاة ثم مات قبل الحول وحالات استرداد الزكاة .
فصل : وإن عجل زكاة ماله ثم مات فأراد الوارث الاحتساب بها عن زكاة حوله لم يجز وذكر القاضي وجها في جوازه بناء على ما لو عجل زكاة عامين ولا يصح لأنه تعجيل للزكاة قبل وجود سببها أشبه ما لو عجل زكاة نصاب لغيره ثم اشتراه وذلك لأن سبب الزكاة ملك النصاب وملك الوارث حادث ولا يبني الوارث على حول الموروث ولأنه لم يخرج الزكاة وإنما أخرجها غيره عن نفسه واخراج الغير عنه من غير ولاية ولا نيابة لا يجزىء ولو نوى فكيف اذا لم ينو وقد قال أصحابنا : لو أخرج زكاته وقال : إن كان مورثي قد مات فهذه زكاة ماله فبان أنه قد مات لم يقع الموقع وهذا أبلغ ولا يشبه هذا تعجيل زكاة العامين لأنه عجل بعد وجود السبب وأخرجها بنفسه بخلاف هذا فان قيل فانه لما مات المورث قبل الحول كان للوارث ارتجاعها فاذا لم يرتجعها احتسب بها كالدين قلنا فلو أراد أن يحسب الدين عن زكاته لم يصح ولو كان له عند رجل شاة من غصب أو قرض فأراد أن يحسبها عن زكاته لم تجزه .
مسألة : : قال : ومن قدم زكاة ماله فأعطاها لمستحقها فمات المعطي قبل الحول أو بلغ الحول وهو غني منها أو من غيرها اجزأت عنه .
وجملة ذلك أنه اذا دفع الزكاة المعجلة إلى مستحقها لم يخل من أربعة أقسام أحدها أن لا يتغير الحال فان المدفوع يقع موقعه ويجزىء عن المزكي ولا يلزمه بدله ولا له استرجاعه كما لو دفعها بعد وجوبها .
الثاني : أن يتغير حال الآخذ لها بأن يموت قبل الحول أو يستغني أو يرتد قبل الحول فهذا في حكم القسم الذي قبله وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي : لا يجزيء لأن ما كان شرطا للزكاة اذا عدم قبل الحول لم يجز كما لو تلف المال أو مات ربه .
ولنا أنه اذا أدى الزكاة إلى مستحقها فلم يمنع الاجزاء تغير حاله كما لو استغنى بها ولأنه حق أداه إلى مستحقه فبرىء منه كالدين يتعجله قبل أجله وما ذكروه منتقض بما اذا استغنى بها والحكم في الأصل ممنوع ثم الفرق بينهما ظاهر فان المال اذا تلف تبين عدم الوجوب فأشبه ما لو أدى إلى غريمه دراهم يظنها عليه فتبين أنها ليست عليه وكما لو أدى الضامن الدين فبان أن المضمون عنه قد قضاه وفي مسألتنا الحق واجب وقد أخذه مستحقه القسم الثالث أن يتغير حال رب المال قبل الحول بموته أو ردته أو تلف النصاب أو نقصه أو بيعه فقال أبو بكر : لا يرجع بها على الفقير سواء أعلمه أنها زكاة معجلة أو لم يعلمه وقا ل القاضي : وهو المذهب عندي لأنها وصلت الى الفقير فلم يكن له ارتجاعها كما لو لم يعلمه ولأنها زكاة دفعت إلى مستحقها فلم يجز استرجاعها كما لو تغير حال الفقير وحده قال أبو عبد الله بن حامد : إن كان الدافع لها الساعي استرجعها بكل حال وان كان الدافع رب المال وأعلمه أنها زكاة معجلة رجع بها وإن أطلق لم يرجع بها وهذا مذهب الشافعي لأنه مال دفعه عما يستحقه القابض في الثاني فاذا طرأ ما يمنع الاستحقاق وجب رده كالاجرة اذا انهدمت الدار قبل السكنى أما اذا لم يعلمه فيحتمل أن يكون تطوعا ويحتمل أن يكون هبة فلم يقبل قوله في الرجوع فعلى قول ابن حامد ان كانت العين باقية لم تتغير أخذها وإن زادت زيادة متصلة أخذها بزيادتها لأنها تمنع في الفسوخ وإن كانت منفصلة أخذها دون زيادتها لأنها حدثت في ملك الفقير وإن كانت ناقصة رجع على الفقير بالنقص لأن الفقير قد ملكها بالنقص فكان نقصها عليه كالمبيع اذا نقص في يد المشتري ثم علم عيبه وإن كانت تالفة أخذ قيمتها يوم القبض لأن ما زاد بعد ذلك أو نقص فانما هو في ملك الفقير فلم يضمنه كالصداق يتلف في يد المرأة القسم الرابع أن يتغير حالهما جميعا فحكمه حكم القسم الذي قبله سواء .
فصل : اذا قال رب المال : قد أعلمته أنها زكاة معجلة فلي الرجوع فأنكر الأخذ فالقول قول الآخذ لأنه منكر والأصل عدم الإعلام وعليه اليمين وإن مات الآخذ واختلف المخرج ووارث الآخذ فالقول قول الوارث ويحلف أنه لا يعلم أن مورثه أعلم بذلك فأما من قال بعدم الاسترجاع فلا يمين ولا غيرها .
فصل : اذا تسلف الامام الزكاة فهلكت في يده فلا ضمان عليه وكانت من ضمان الفقراء ولا فرق بين إن يسأله ذلك رب المال أو الفقراء أو لم يسأله أحد لأن يده كيد الفقراء : وقال الشافعي أن تسلفها من غير سؤال ضمنها لأن الفقراء رشد لا يولى عليهم فاذا قبض بغير اذنهم ضمن كالأب اذا قبض لابنه الكبير وان كان بسؤالهم كان من ضمانهم لأنه وكيلهم فاذا كان بسؤال أرباب الأموال لم يجزئهم الدفع وكان من ضمانهم لأنه وكيلهم وإن كان بسؤالهم ففيه وجهان أصحهما أنه من ضمان الفقراء .
ولنا أن للامام ولاية على الفقراء بدليل جواز قبض الصدقة لهم بغير اذنهم سلفا وغيره فاذا تلفت في يده من غير تفريط لم يضمن كولي اليتيم اذا قبض له وما ذكروه يبطل بما اذا قبض الصدقة بعد وجوبها وفارق الأب في حق ولده الكبير فانه لا يجوز له القبض له لعدم ولايته عليه ولهذا يضمن ما قبضه له من الحق بعد وجوبه