مسائل وفصول : تعجيل الزكاة .
مسألة : قال : ويجوز تقدمة الزكاة .
وجملته أنه متى وجد سبب وجوب الزكاة وهو النصاب الكامل جاز تقديم الزكاة وبهذا قال الحسن و سعيد بن جبير و الزهري و الأوزاعي و أبو حنيفة و الشافعي و إسحق و أبو عبيد وحكي عن الحسن أنه لا يجوز وبه قال ربيعة و مالك و داود لأنه روي عن النبي A أنه قال : [ لا تؤدى زكاة قبل حلول الحول ] ولأن الحول أحد شرطي الزكاة فلم يجز تقديم الزكاة عليه كالنصاب ولأن للزكاة وقتا فلم يجز تقديمها عليه كالصلاة .
ولنا ما روى علي أن العباس سأل رسول الله A في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك رواه أبو داود وقال يعقوب بن شيبة هو أثبتها اسنادا وروى الترمذي عن علي [ عن النبي A أنه قال لعمر : إنا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام ] وفي لفظ قال : [ إنا كنا تعجلنا صدقة العباس لعامنا هذا عام أول ] رواه سعيد عن عطاء و ابن أبي مليكة و الحسن بن مسلم عن النبي A مرسلا ولأنه تعجيل لمال وجد سبب وجوبه قبل وجوبه فجاز كتعجيل قضاء الدين قبل حلول أجله وأداء كفارة اليمين بعد الحلف وقبل الخنث وكفارة القتل بعد الجرح قبل الزهوق وقد سلم مالك تعجيل الكفارة وفارق تقديمها قبل النصاب لأنه تقديم لها على سببها فأشبه تقديم الكفارة على اليمين وكفارة القتل على الجرح ولأنه قد قدمها على الشرطين وها هنا قدمها على أحدهما وقولهم إن للزكاة وقتا قلنا الوقت اذا دخل في الشيء رفقا بالانسان كان له أن يعجله ويترك الارفاق بنفسه كالدين المؤجل وكمن أدى زكاة مال غائب وان لم يكن على يقين من وجوبها ومن الجائز أن يكون المال تالفا في ذلك الوقت وأما الصلاة والصيام فتعبد محض والتوقيت فيهما غير معقول فيجب أن يقتصر عليه .
فصل : ولا يجوز تعجيل الزكاة قبل ملك النصاب بغير خلاف علمناه ولو ملك بعض نصاب فعجل زكاته أو زكاة نصاب لم يجز لأنه تعجل الحكم قبل سببه وان ملك نصابا فعجل زكاته وزكاة ما يستفيده وما ينتج منه أو يربحه فيه أجزأه عن النصاب دون الزيادة وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : يجزيه لأنه تابع لما هو مالكه .
ولنا أنه عجل زكاة مال ليس في ملكه فلم يجز كالنصاب الأول ولأن الزائد من الزكاة على زكاة النصاب إنما سببها الزائد في الملك فقد عجل الزكاة قبل وجود سببها فأشبه ما لو عجل الزكاة قبل ملك النصاب وقوله إنه تابع قلنا إنما يتبع في الحول فأما في الايجاب فان الوجوب ثبت بالزيادة لا بالأصل ولأنه إنما يصير له حكم بعد الوجود فأما قبل ظهوره فلا حكم له في الزكاة .
فصل : وإن عجل زكاة نصاب من الماشية فتوالدت نصابا ثم ماتت الأمهات وحال الحول على النتاج أجزأ المعجل عنها لأنها دخلت في حول الأمهات وقامت مقامها فأجزأت زكاتها عنها فاذا كان عنده أربعون من الغنم فعجل عنها شاة ثم توالدت أربعين سخلة وماتت الأمهات وحال الحول على السخال أجزأت المعجلة عنها لأنها كانت مجزئة عنها وعن أمهاتها لو بقيت فلأن تجزي عن إحداهما أولى وإن كان عنده ثلاثون من البقر فعجل عنها تبيعا ثم توالدت ثلاثين عجلة وماتت الأمهات وحال الحول على العجول احتمل أن يجزي عنها لأنها تابعة لها في الحول واحتمل أن لا يجزي عنها لأنه لو عجل عنها تبيعا مع بقاء الأمهات لم يجز عنها فلئلا يجزي عنها اذا كان التعجيل عن غيرها أولى وهكذا الحكم في مائة شاة اذا عجل عنها شاة فتوالدت مئة ثم ماتت الأمهات وحال الحول على السخال وان توالد نصفها ومات نصف الأمهات وحال الحول على الصغار ونصف الكبار فان قلنا بالوجه الأول أجزأ المعجل عنهما جميعا وإن قلنا بالثاني فعليه في الخمسين سخلة شاة لأنها نصاب لم تؤد زكاته وليس عليه في العجول إذا كانت خمسة عشر شيء لأنها لم تبلغ نصابا وإنما وجبت الزكاة فيها بناء على أمهاتها التي عجلت زكاتها وإن ملك ثلاثين من البقر فعجل مسنة زكاة لها ولنتاجها فنتجت عشرا أجزأته عن الثلاثين دون العشر ووجب عليه في العشر ربع مسنة ويحتمل أن تجزئه المسنة المعجلة عن الجميع لأن العشر تابعة للثلاثين في الوجوب والحول فانه لولا ملكه للثلاثين لما وجب عليه في العشر شيء فصارت الزيادة على النصاب منقسمة أربعة أقسام أحدها ما لا يتبع في وجوب ولا حول وهو المستفاد من غير الجنس ولا يجزيء تعجيل زكاته قبل وجوده وكمال نصابه بغير خلاف والثاني ما يتبع في الوجوب دون الحول وهوالمستفاد من الجنس بسبب مستقل فلا يجزيء تعجيل زكاته أيضا قبل وجوده مع الخلاف في ذلك الثالث ما يتبع في الحول دون الوجوب كالنتاج والربح اذا بلغ نصابا فانه يتبع أصله في الحول فلا يجزيء التعجيل عنه قبل وجوده كالذي قبله الرابع ما يتبع في الوجوب والحول وهو الربح والنتاج اذا لم يبلغ نصابا فهذا يحتمل وجهين أحدهما لا يجزىء تعجيل زكاته قبل وجوده كالذي قبله والثاني يجزيء لأنه تابع في الوجوب والحول فأشبه الموجود .
فصل : اذا عجل الزكاة لأكثر من حول ففيه روايتان إحداهما لا يجوز لأن النص لم يرد بتعجيلها لأكثر من حول والثانية يجوز .
وروي عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يخرج الرجل زكاة ماله قبل حلها لثلاث سنين لأنه تعجيل لها بعد وجود النصاب أشبه تقديمها على الحول الواحد وما لم يرد به النص يقاس على المنصوص عليه اذا كان في معناه ولا نعلم معنى سوى أنه تقديم للمال الذي وجد سبب وجوبه على شرط وجوبه وهذا متحقق في التقديم في الحولين كتحققه في الحول الواحد فعلى هذا اذا كان عنده أكثر من النصاب فعجل زكاته لحولين جاز وإن كان قدر النصاب مثل من عنده أربعون شاة فعجل شاتين لحولين وكان المعجل من غيره جاز وإن أخرج شاة منه وشاة من غيره جاز عن الحول الأول ولم يجز عن الثاني لأن النصاب نقص فان كمل بعد ذلك وصار اخراج زكاته وتعجيله لها قبل كمال نصابها وإن أخرج الشاتين جميعا من النصاب لم تجز الزكاة في الحول الأول اذا قلنا ليس له ارتجاع ما عجله لأنه كالتالف فيكون النصاب ناقصا فان كمل بعد ذلك استؤنف الحول من حين كمل النصاب وكان ما عجله سابقا على كمال النصاب فلم يجز عنه .
فصل : وإن عجل زكاة ماله فحال الحول والنصاب ناقص مقدار ما عجله أجزأت عنه ويكون حكم ما عجله حكم الموجود في ملكه يتم النصاب به فلو زاد ماله حتى بلغ النصاب أو زاد عليه وحال الحول اجزأ المعجل عن زكاته لما ذكرنا فان نقص أكثر مما عجله فقد خرج بذلك من كونه سببا للزكاة مثل من له أربعون شاة فعجل شاة ثم تلفت أخرى فقد خرج عن كونه سببا للزكاة فان زاد بعد ذلك أما بنتاج أو شراء ما يتم به النصاب استؤنف الحول من حين كمل النصاب ولم يجز ما عجله عنه لما ذكرنا وإن زاد بحيث يكون انضمامه إلى ما عجله يتغير به الفرض مثل من له مائة وعشرون فعجل زكاتها شاة ثم حال الحول وقد أنتجت سخلة فانه يلزمه اخراج شاة ثانية وبما ذكرناه قال الشافعي وقال أبو حنيفة : ما عجله في حكم التآلف فقال في المسألة الأولى : لا تجب الزكاة ولا يكون المخرج زكاة وقال في هذه المسألة : لا يجب عليه زيادة لأن ما عجله زال ملكه عنه فلم يحسب من ماله كما لو تصدق به تطوعا .
ولنا أن هذا نصاب تجب فيه الزكاة بحول الحول فجاز تعجيلها منه كما لو كان أكثر من أربعين ولأن ما عجله بمنزلة الموجود في اجزائه عن ماله فكان بمنزلة الموجود في تعلق الزكاة به ولأنها لو لم تعجل كان عليه شاتان فكذلك اذا عجلت لأن التعجيل إنما كان رفقا بالمساكين فلا يصير سببا لنقص حقوقهم والتبرع يخرج ما تبرع به عن حكم الموجود في ماله وهذا في حكم الموجود في الاجزاء عن الزكاة .
فصل : وكل موضع قلنا لا يجزئه ما عجله عن الزكاة فان كان دفعها إلى الفقراء مطلقا فليس له الرجوع فيها وإن كان دفعها بشرط أنها زكاة معجلة فهل له الرجوع على وجهين يأتي توجيههما .
فصل : فأما تعجيل العشر من الزرع والثمرة فظاهر كلام القاضي أنه لا يجوز لأنه قال : كل ما تتعلق الزكاة فيه بسببين : حول ونصاب جاز تعجيل زكاته فمفهوم هذا أنه لا يجوز تعجيل زكاة غيره لأن الزكاة معلقة بسبب واحد وهو ادراك الزرع والثمرة فاذا قدمها قبل وجود سببها لكن ان أداها بعد الادراك وقبل يبس الثمرة وتصفية الحب وجاز وقال أبو الخطاب : يجوز اخراجها بعد وجود الطلع والحصرم ونبات الزرع ولا يجوز قبل ذلك لأن وجود الزرع واطلاع النخيل بمنزلة النصاب والادراك بمنزلة حلول الحول فجاز تقديمها عليه وتعلق الزكاة بالادراك لا يمنع جواز التعجيل بدليل أن زكاة الفطر يتعلق وجوبها بهلال شوال وهو زمن الوجوب فاذا ثبت هذا فانه لا يجوز تقديمها قبل ذلك لأنه يكون قبل وجود سببها