مسائل وفصول : على من تجب الزكاة ؟ .
مسألة : قال : والصدقة لا تجب إلا على أحرار المسلمين .
وفي بعض النسخ الا على الأحرار المسلمين ومعناهما واحد وهو أن الزكاة لا تجب إلا على حر مسلم تام الملك وهو قول أكثر أهل العلم ولا نعلم فيه خلافا إلا عن عطاء و أبي ثور فانهما قالا على العبد زكاة ماله .
ولنا أن العبد ليس بتام الملك فلم تلزمه زكاة كالمكاتب فأما الكافر فلا خلاف في أنه لا زكاة عليه ومتى صار أحد هؤلاء من أهل الزكاة وهو مالك للنصاب استقبل به حولا ثم زكاه فاما الحر المسلم اذا ملك نصابا خاليا عن دين فعليه الزكاة عند تمام حوله سواء كان كبيرا أو صغيرا أو عاقلا أو مجنونا .
مسألة : قال : والصبي والمجنون يخرج عنهما وليهما .
وجملة ذلك أن الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون لوجود الشرائط الثلاث فيهما روي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وعائشة و الحسن بن علي وجابر Bهم وبه قال جابر بن زيد و ابن سيرين و عطاء و مجاهد و ربيعة و مالك و الحسن بن صالح و ابن أبي ليلى و الشافعي و العنبري و ابن عيينة و إسحق و أبو عبيد و أبو ثور ويحكى عن ابن مسعود و الثوري و الأوزاعي أنهم قالوا تجب الزكاة ولا تخرج حتى يبلغ الصبي ويفيق المعتوه قال ابن مسعود : أحصى ما يجب في مال اليتيم من الزكاة فاذا بلغ أعلمه فان شاء زكى وان شاء لم يزك وروي هذا عن ابراهيم وقال الحسن و سعيد بن المسيب و سعيد بن جبير و أبو وائل و النخعي و أبو حنيفة لا تجب الزكاة في أموالهما وقال أبو حنيفة : يجب العشر في زروعهما وثمرتهما وتجب صدقة الفطر عليهما واحتج في نفي الزكاة بقوله عليه السلام : [ رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق ] وبانها عبادة محضة فلا تجب عليهما كالصلاة والحج .
ولنا ما روي عن النبي A أنه قال : [ من ولي يتيما له مال فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة ] أخرجه الدارقطني وفي رواية المثني بن الصباح وفيه مقال وروي موقوفا على عمر : [ وانما تأكله الصدقة باخراجها ] وانما يجوز اخراجها اذا كانت واجبة لأنه ليس له أن يتبرع بمال اليتيم ولأن من وجب العشر في زرعه وجب ربع العشر في ورقه كالبالغ العاقل ويخالف الصلاة والصوم فانها مختصة بالبدن وبنية الصبي ضعيفة عنها والمجنون لا يتحقق منه نيتها والزكاة حق يتعلق بالمال فأشبه نفقة الأقارب والزوجات وأروش الجنايات وقيم المتلفات والحديث أريد به رفع الإثم والعبادات البدنية بدليل وجوب العشر وصدقة الفطر والحقوق المالية ثم هو مخصوص بما ذكرناه والزكاة في المال في معناه فنقيسها عليه اذا تقرر هذا فان الولي يخرجها عنهما من مالهما لأنها زكاة واجبة فوجب اخراجها كزكاة البالغ العاقل والولي يقوم مقامه في أداء ما عليه ولأنها حق واجب على الصبي والمجنون فكان على الولي أداؤه عنهما كنفقة أقاربه وتعتبر نية الولي في الاخراج كما تعتبر النية من رب المال .
مسألة : قال : والسيد يزكي عما في يد عبده لأنه مالكه .
يعني أن السيد مالك لما في يد عبده وقد اختلفت الرواية عن أحمد C في زكاة مال العبد الذي ملكه إياه فروي عنه زكاته على سيده هذا مذهب سفيان و إسحق وأصحاب الرأي وروي عنه لا زكاة في ماله لا على العبد ولا على سيده قال ابن المنذر : وهذا قول ابن عمر و جابر و الزهري و قتادة و مالك وأبي عبيد و للشافعي قولان كالمذهبين قال أبو بكر : المسألة مبنية على الروايتين في ملك العبد اذا ملكه سيده احداهما لا يملك قال أبو بكر : وهو اختياري وهو ظاهر كلام الخرقي ها هنا لأنه جعل السيد مالكا لمال عبده ولو كان مملوكا للعبد لم يكن مملوكا لسيده لأنه لا يتصور اجتماع ملكين كاملين في مال واحد ووجهه أن العبد مال فلا يملك المال كالبهائم فعلى هذا تكون زكاته على سيد العبد لأنه ملك له في يد عبده فكانت زكاته عليه كالمال الذي في يد المضارب والوكيل والثانية يملك لأنه آدمي يملك النكاح فملك المال كالحر وذلك لأنه بالآدمية يتمهد للملك من قبل ان الله تعالى خلق المال لبني آدم ليستعينوا به على القيام بوظائف العبادات وأعباء التكاليف فان الله تعالى خلق لكم ما في الأرض جميعا فبالآدمية يتمهد للملك ويصلح له كما يتمهد للتكليف والعبادة فعلى هذا لا زكاة على السيد في مال العبد لأنه لا يملكه ولا على العبد لأن ملكه ناقص والزكاة إنما تجب على تام الملك .
فصل : ومن بعده حر عليه زكاة ماله لأنه يملك بجزئه الحر ويورث عنه وملكه كامل فيه فكانت زكاته عليه كالحر الكامل والمدبر وأم الولد كالقن لأنه لا حرية فيهما .
مسألة : قال : ولا زكاة على مكاتب .
فان عجز استقبل سيده بما في يده من المال حولا وزكاه إن كان نصابا وإن أدى وبقي في يده نصاب للزكاة استقبل به حولا لا أعلم خلافا بين أهل العلم في أنه لا زكاة على المكاتب ولا على سيده في ماله الا قول أبي ثور ذكر ابن المنذر نحو هذا واحتج أبو ثور بأن الحجر من السيد لا يمنع وجوب الزكاة كالحجر على الصبي والمجنون والمرهون وحكي عن أبي حنيفة أنه أوجب العشر في الخارج من أرضه بناء على أصله في أن العشر مؤنة الأرض وليس بزكاة .
ولنا ما روي أن النبي A قال : [ لا زكاة في مال المكاتب ] رواه الفقهاء في كتبهم ولأن الزكاة تجب على طريق المواساة فلم تجب في مال المكاتب كنفقة الأقارب وفارق المحجور عليه فانه منع التصرف لنقص تصرفه لا لنقص ملكه والمرهون منع من التصرف فيه بعقده فلم يسقط حق الله تعالى ومتى كان منع التصرف فيه لدين لا يمكن وفاؤه من غيره فلا زكاة عليه اذا ثبت هذا فمتى عجز ورد في الرق صار ما كان في يده ملكا لسيده فان كان نصابا أو يبلغ بضمه الى ما في يده نصابا استأنف له حولا من حين ملكه وزكاه كالمستفاد سواء ولا أعلم في هذا خلافا فان أدى المكاتب نجوم كتابته وبقي في يده نصاب فقد صار حرا كامل الملك فيستأنف الحول من حين عتقه ويزكيه إذا تم الحول والله أعلم