مسألتان : وفصل : ذكر ما لا يجوز للمصدق أخذه من النعم .
مسألة : قال : ولا يؤخذ في الصدقة تيس ولا هرمة ولا ذات عوار .
ذات العوار المعيبة وهذه الثلاث لا تؤخذ لدناءتها فان الله تعالى قال : { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } وقال النبي A : [ ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا ما شاء المصدق ] وقد قيل : لا يؤخد تيس الغنم وهو فحلها لفضيلته وكان أبو عبيد يروي الحديث إلا ما شاء المصدق ويفتح الدال يعني صاحب المال فعلى هذا يكون الاستثناء في الحديث راجعا إلى التيس وحده وذكر الخطابي أن جميع الرواة يخالفونه في هذا فيروونه المصدق بكسر الدال أي العامل وقال : التيس الذي لا يؤخذ لنقصه وفساد لحمه وكونه ذكرا وعلى هذا لا يأخذ المصدق وهو الساعي أحد هذه الثلاثة إلا أن يرى ذلك بأن يكون جميع النصاب من جنسه فيكون له أن يأخذ من جنس المال فيأخذ هرمة وهي الكبيرة من الهرمات وذات عوار من أمثالها وتيسا من التيوس وقال مالك و الشافعي : إن رأى المصدق أن أخذ هذه الثلاثة خير له وأنفع للفقراء فله أخذه لظاهر الاستثناء ولا يختلف المذهب أنه ليس له أحذ الذكر في شيء من الزكاة اذا كان في النصاب أناث في غير أتبعة البقر وابن اللبون بدلا عن بنت مخاض اذا عدمها وقال أبو حنيفة : يجوز اخراج الذكر من الغنم الأناث لقوله عليه السلام : [ في أربعين شاة شاة ] ولفظ الشاة يقع على الذكر والانثى ولأن الشاة اذا أمر بها مطلقا اجزأ فيها الذكر كالاضحية والهدي .
ولنا أنه حيوان تجب الزكاة في عينه فكانت الانوثة معتبرة في فرضه كالابل والمطلق يتقيد بالقياس على سائر النصب والاضحية غير معتبرة بالمال بخلاف مسألتنا فان قيل فما فائدة تخصيص التيس بالنهي اذا قلنا لأنه لا يؤخذ عن الذكور أيضا فلو ملك أربعين ذكرا وفيها تيس معد للضراب لم يجز أخذه أما لفضيلته فانه لا يعد للضراب إلا أفضل الغنم وأعظمها وأما لذاته لفساد لحمه ويجوز أن يمنع من أخذه للمعنين جميعا وإن كان النصاب كله ذكورا جاز اخراج الذكر في الغنم وجها واحدا وفي البقر في أصح الوجهين وفي الابل وجهان والفرق بين النصب الثلاثة أن النبي A نص على الانثى في فرائض الابل والبقر وأطلق الشاة الواجبة وقال في الأبل : [ من لم يجد بنت مخاض أخرج ابن لبون ذكرا ] ومن حيث المعنى أن الابل يتغير فرضها بزيادة السن فاذا جوزنا اخراج الذكر أفضى إلى التسوية بين الفريضتين لأنه يخرج ابن لبون عن خمس وعشرين ويخرجه عن ستة وثلاثين وهذا المعنى يختص الابل فان قيل فالبقر أيضا يأخذ منها تبيعا عن ثلاثين وتبيعا عن أربعين اذا كانت أتبعة كلها وقلنا تؤخذ الصغيرة عن الصغار قلنا هذا لا يلزم مثله في اخراج الانثى فلا فرق ومن جوز اخراج الذكر في الكل قال : يأخذ ابن لبون خمس وعشرين قيمته دون فيمة ابن لبون يأخذه من ستة وثلاثين ويكون بينهما في القيمة كما بينهما في العدد ويكون الفرض بصفة المال واذا اعتبرنا القيمة لم يؤد إلى التسوية كما قلنا في الغنم .
فصل : ولا يجوز إخراج المعيبة عن الصحاح وإن كثرت قيمتها لما نهي عن أخذها ولما فيه من الأضرار بالفقراء ولهذا يستحق ردها في البيع وان كثرت قيمتها وإن كان في النصاب صحاح ومراض أخرج صحيحة على قدر قيمة المالين فان كان النصاب كله مراضا إلا مقدار الفرض فهو مخير بين اخراجه وبين شراء مريضة قليلة القيمة فيخرجها ولو كانت الصحيحة غير الفريضة بعدد الفريضة مثل من وجب عليه ابنتا لبون وعنده حواران صحيحان كان عليه شراء صحيحتين فيخرجهما وإن وجبت عليه حقتان وعنده ابنتا لبون صحيحتان خير بين إخراجهما مع الجبران وبين شراء حقتين صحيحتين على قدر قيمة المال وإن كان عنده جذعتان صحيحتان فله اخراجهما مع أخذ الجبران وإن كانت عليه حقتان ونصف ماله صحيح ونصفه مريض فقال ابن عقيل : له اخراج حقة صحيحة وحقة مريضة لأن النصف الذي يجب فيه إحدى الحقتين مريض كله والصحيح في المذهب خلاف هذا لأن في ماله صحيحا ومريضا فلم يملك اخراج مريضة كما لو كان نصابا واحدا ولم يتغير النصف الذي وجبت فيه الحقة في المراض وكذلك لو كان لشريكين لم يتعين حق أحدهما في المراض دون الآخر وإن كان النصاب مراضا كله فالصحيح في المذهب جواز اخراج الفرض منه ويكون وسطا في القيمة والاعتبار بقلة العيب وكثرته لأن القيمة تأتي على ذلك وهو قول الشافعي و أبي يوسف و محمد وقال مالك : إن كانت كلها جربا أخرج جرباء وإن كانت كلها هتماء كلف شراء صحيحة وقال أبو بكر : لا تجزىء إلا صحيحة لأن أحمد قال : لا يؤخذ إلا ما يجوز في الاضاحي وللنهي عن أخذ ذات العوار فعلى هذا يكلف شراء صحيحة بقدر قيمة المريضة .
ولنا قول الني A : [ اياك وكرائم أموالهم ] وقال : [ إن الله تعالى لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره ] رواه أبو داود ولأن مبنى الزكاة على المواساة وتكليف الصحيحة عن المراض اخلال بالمواساة ولهذا يأخذ من الرديء من الحبوب والثمار من جنسه ويأخذ من اللئام والهزال من المواشي من جنسه كذا ههنا وقد ذكرنا إن الاستثناء في الحديث يدل على جواز اخراج المعيبة في بعض الاحوال أو نحمله على ما اذا كان فيه صحيح فان الغالب الصحة وإن كان جميع النصاب مريضا إلا بعض الفريضة أخرج الصحيحة وتمم الفريضة من المراض على قدر المال ولا فرق في هذا بين الابل والبقر والغنم والحكم في الهرمة كالحكم في المعيبة سواء .
مسألة : قال : ولا الربا ولا الماخض ولا الاكولة .
قال أحمد : الربا التي وضعت وهي تربي ولدها يعني قريبة العهد بالولادة وتقول العرب في ربابها كما تقول في نفاسها قال الشاعر : .
( حنين أم البو في ربابها ) .
قال أحمد : والماخض التي قد حان ولدها فان كان في بطنها ولد لم يحن ولادها فهي خلفة وهذه الثلاث لا تؤخذ لحق رب المال قال عمر لساعيه : لا تأخذ الربا ولا الماخض ولا الاكولة ولا فحل الغنم وإن تطوع رب المال باخراجها جاز أخذها وله ثواب الفضل على ما ذكرنا في حديث أبي بن كعب واذا ثبت هذا وأنه منع من أخذ الرديء من أجل الفقراء ومن أخذ كرائم الاموال من أجل أربابه - ثبت أن الحق في الوسط من المال قال الزهري : اذا جاء المصدق قسم الشياه أثلاثا : ثلث خيار وثلث أوساط وثلث شرار وأخذ المصدق من الوسط وروي نحو هذا عن عمر Bه وقاله امامنا وذهب اليه والاحاديث تدل على هذا فروى أبو داود و النسائي باسنادهما عن سعد بن دليم قال : كنت في غنم لي فجاءني رجلان على بعير فقالا : انا رسولا رسول الله A اليك لتؤدي الينا صدقة غنمك قلت : وما علي فيها ؟ قالا شاة فعمد إلى شاة قد عرف مكانها ممتلئة مخضا وشحما فأخرجها اليهما فقالا : هذه شافع وقد نهانا رسول الله A أن نأخذ شاة شافعا والشافع الحامل سميت بذلك لأن ولدها قد شفعها والمخض اللبن وقال سويد بن غفلة : [ سرت أو أخبرني من سار مع مصدق رسول الله فاذا في عهد رسول الله A أن لا نأخذ من راضع لبن قال فكان يأتي المياه حين ترد الغنم فيقول : أدوا صدقات أموالكم قال فعمد رجل منهم إلى ناقة كوماء - وهي العظيمة السنام - فأبى أن يقبلها ] رواه أبو داود و النسائي .
وروى أبو داود باسناده عن النبي A أنه قال : [ ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الايمان من عبد الله وحده وأنه لا إله إلا هو وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه رافدة عليه كل عام ولم يعط الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة ولكن من وسط أموالكم فان الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره ] رافدة يعني معيبة والدرنة الجرباء والشرط رذالة المال