مسائل وفصول : صفة صلاة الجنازة .
مسألة : قال : والصلاة عليه : يكبر ويقرأ الحمد .
وجملة ذلك أن سنة التكبير على الجنازة أربع لا تسن الزيادة عليها ولا يجوز النقص منها فيكبر الأولى ثم يستعيذ ويقرأ الحمد يبدؤها بـ { بسم الله الرحمن الرحيم } ولا يسن الاستفتاح قال أبو داود : سمعت أحمد يسأل عن الرجل يستفتح الصلاة على الجنازة بسبحانك اللهم وبحمدك قال : ما سمعت قال ابن المنذر : كان الثوري يستحب أن يستفتح في صلاة الجنازة ولم نجده في كتب سائر أهل العلم وقد روي عن أحمد مثل قول الثوري لأن الاستعاذة فيها مشروعة فسن فيها الاستفتاح كسائر الصلوات .
ولنا أن صلاة الجنازة شرع فيها التخفيف ولهذا لا يقرأ فيها بعد الفاتحة بشيء وليس فها ركوع ولا سجود والتعوذ سنة للقراءة مطلقا في الصلاة وغيرها لقول الله تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } إذا ثبت هذا فإن قراءة الفاتحة واجبة في صلاة الجنازة وبهذا قال الشافعي و إسحاق وروي ذلك عن ابن عباس وقال الثوري و الأوزاعي و أبو حنيفة : لا يقرأ فيها بشيء من القرآن لأن ابن مسعود قال : أن النبي A لم يوقت فيها قولا ولا قراءة ولأن ما لا ركوع فيه لا قراءة فيه كسجود التلاوة .
ولنا أن ابن عباس صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب : فقال أنه من السنة أو من تمام السنة قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وروى ابن ماجة بإسناده عن أم شريك قالت : أمرنا رسول الله A أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب وروى الشافعي في مسنده بإسناده عن جابر [ أن النبي A كبر على الجنازة أربعا وقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى ] ثم هو داخل في عموم قوله عليه السلام : [ لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن ] ولأنها صلاة يجب فيها القيام فوجبت فيها القراءة كسائر الصلوات وإن صح ما رووه عن ابن مسعود فإنما قال : لم يوقت أي لم يقدر ولا يدل هذا على نفي أصل القراءة وقد روى ابن المنذر عنه أنه قرأ على جنازة بفاتحة الكتاب ثم لا يعارض ما رويناه لأنه نفي يقدم عليه الإثبات ويفارق سجود التلاوة فإنه لا قيام فيه والقراءة إنما محلها القيام .
فصل : ويسر القراءة والدعاء في صلاة الجنازة لا نعمل بين أهل العلم فيه خلافا ولا يقرأ بعد أم القرآن شيئا وقد روي عن ابن عباس أنه جهر بفاتحة الكتاب قال أحمد : إنما جهر ليعلمهم .
مسألة : قال : ويكبر الثانية ويصلي على النبي A كما يصلي عليه في التشهد .
هكذا وصف أحمد الصلاة على الميت كما ذكر الخرقي وهو مذهب الشافعي وروي عن ابن عباس أنه صلى على جنازة بمكة فكبر ثم قرأ وجهر وصلى على النبي A ثم دعا لصاحبها فأحسن ثم انصرف وقال هكذا ينبغي أن تكون الصلاة على الجنازة وروى الشافعي في مسنده عن أبي أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي A أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى يقرأ في نفسه ثم يصلي على النبي A ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سرا في نفسه وصفة الصلاة على النبي A كصفة الصلاة عليه في التشهد لأن النبي .
A لما سألوه كيف نصلي عليك علمهم ذلك وإن أتى بها على غير ما ذكر في التشهد فلا بأس لأن القصد مطلق الصلاة قال القاضي يقول : اللهم صل على ملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين وأهل طاعتك أجمعين من أهل السماوات وأهل الأرضين إنك على كل شيء قدير لأن أحمد قال : في رواية عبد الله يصلي على النبي A ويصلي على الملائكة المقربين .
مسألة : قال : ويكر الثالثة ويدعو لنفسه ولوالديه وللمسلمين ويدعو للميت .
وإن أحب أن يقول اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا إنك تعلم منقلبنا ومثوانا إنك على كل شيء قدير اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته فتوفه على الإيمان اللهم إنه عبدك ابن أمتك نزل بك وأنت خير منزول به ولا نعلم إلا خيرا اللهم إن كان محسنا فجازه بإحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده والواجب أدنى دعاء لأن النبي A قال : [ إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء ] رواه أبو داود وهذا يحصل بأدنى دعاء ولأن المقصود الشفاعة للميت والدعاء له فيجب أقل ذلك ويستحب أن يدعو لنفسه ولوالديه وللمسلمين قال أحمد : وليس على الميت دعاء موقت والذي ذكره الخرقي حسن يجمع ذلك وقد روي أكثره في الحديث فمن ذلك ما روى أبو إبراهيم الأشهلي عن أبيه قال : [ كان رسول الله A إذا صلى على الجنازة قال : ( اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا ) ] قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح وروى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي A مثل حديث أبي إبراهيم وزاد : [ اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده ] وفي حديث آخر عن أبي هريرة عن النبي A : [ اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتها للإسلام وأنت قبضتها وأنت أعلم بسرها وعلانيتها جئنا شفعاء فاغفر له ] رواه أبو داود وروى مسلم بإسناده [ عن عوف بن مالك قال : صلى رسول الله A على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول : ( اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله وأوسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار ) ] حتى تمنيت أن أكون ذلك الميت .
فصل : زاد أبو الخطاب على ما ذكره الخرقي : اللهم جئناك شفعاء له فشفعنا فيه وقه فتنة القبر وعذاب النار وأكرم مثواه وأبده دارا خيرا من داره وجوارا خيرا من جواره وافعل بنا ذلك وبجميع المسلمين وزاد ابن أبي موسى : الحمد لله الذي أمات وأحيا الحمد لله الذي يحيي الموتى له العظمة والكبرياء والملك والقدرة والثناء وهو على كل شيء قدير اللهم إنه عبدك ابن عبدك ابن أمتك أنت خلقته ورزقته وأنت أمته وأنت تحييه وأن تعلم سره جئناك شفعاء له فشفعنا فيه اللهم إنا نستجير بحبل جوارك له إنك ذو وفاء وذمة اللهم وقه نم فتنة القبر ومن عذاب جهنم اللهم إن كان محسنا فجازه بإحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه اللهم قد نزل بك وأنت خير منزول به فقيرا إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه اللهم ثبت عند المسألة منطقه ولا تبتله في قبره اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده ) .
فصل : وقوله لا نعلم إلا خيرا إنما يقوله لمن لم يعلم منه شرا لئلا يكون كاذبا وقد روى القاضي حديثا [ عن عبد الله بن الحارث عن أبيه أن النبي A علمهم الصلاة على الميت : ( اللهم اغفر لأحيائنا وأمواتنا وصغيرنا وكبيرنا وشاهدنا وغائبنا اللهم إن عبدك وابن عبدك نزل بفنائك فاغفر له وارحمه ولا نعلم إلا خيرا ) فقلت : وأنا اصغر الجماعة يا رسول الله وإن لم أعلم خيرا قال : ( لا تقل إلا ما تعلم ) ] وإنما شرع هذا للخبر ولـ [ أن النبي A لما أثنى عنده على جنازة بخير قال : وجبت وأثنى على أخرى بشر فقال : وجبت ثم قال : ( إن بعضكم على بعض شهيد ) ] رواه أبو داود متفق عليه وفي حديث عن النبي A أنه قال : [ ما من عبد مسلم يموت يشهد له اثنان من جيرانه الادنين بخير إلا قال الله تعالى : قد قبلت شهادة عبادي على ما علموا وغفرت له ما أعلم ] رواه الإمام أحمد في المسند وفي لفظ عن النبي A أنه قال : [ ما من مسلم يموت فيقوم رجلان من جيرانه الادنين فيقولان اللهم لا نعلم إلا خيرا - إلا قال الله تعالى : قد قبلت شهادتهما لعبدي وغفرت له ما لا يعلمان ] أخرجه اللالكائي .
فصل : وإن كان الميت طفلا جعل مكان الاستغفار له : اللهم اجعله فرطا لوالديه وذخرا وسلفا وأجرا اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما اللهم اجعله في كفالة إبراهيم وألحقه بصالح سلف المؤمنين وأجره برحمتك من عذاب الجحيم وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله اللهم اغفر لأسلافنا وأفراطنا ومن سبقنا بالإيمان ونحو ذلك وبأي شيء دعا مما ذكرنا أو نحوه اجزأه وليس فيه شيء موقت .
مسألة : قال : ويكبر الرابعة ويقف قليلا .
ظاهر كلام الخرقي أنه لا يدعو بعد الرابعة شيئا ونقله عن أحمد جماعة من أصحابه وقال : لا أعلم فيه شيئا لأنه لو كان فيه دعاء مشروع لنقل وروي عن أحمد : أنه يدعو ثم يسلم لأنه قيام في صلاة فكان فيه ذكر مشروع كالذي قبل التكبيرة الرابعة قال ابن أبي موسى و أبو الخطاب يقول : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وقيل يقول : اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده وهذا الخلاف في استحبابه ولا خلاف في المذهب أنه غير واجب وإن الوقوف بعد التكبير قليلا مشروع وقد روى الجوزجاني بإسناده [ عن زيد بن أرقم أن رسول الله A كان يكبر أربعا ثم يقول ما شاء الله ثم ينصرف ] قال الجوزجاني : وكنت أحسب أن هذه الوقفة ليكبر آخر الصفوف فإن الإمام إذا كبر ثم سلم خفت أن يكون تسليمه قبل أن يكبر آخر الصفوف فإن كان هكذا فالله D الموفق له وإن غير ذلك فإني أبرأ إلى الله D من أن أتأول على رسول الله A أمرا لم يرده أو أراد خلافه .
مسألة : قال : ويرفع يديه في كل تكبيرة .
أجمع أهل العلم على أن المصلي على الجنائز يرفع يديه في أول تكبيرة يكبرها وكان ابن عمر يرفع يديه في كل تكبيرة وبه قال سالم و عمر بن عبد العزيز و عطاء و قيس بن أبي حازم و الزهري و إسحاق و ابن المنذر و الأوزاعي و الشافعي وقال مالك و الثوري و أبو حنيفة لا يرفع يديه إلا في الأولى لأن كب تكبيرة مقام ركعة ولا ترفع الأيدي في جميع الركعات .
ولنا ما روي عن ابن عمر قال : [ كان رسول الله A يرفع يديه في كل تكبيرة ] رواه ابن أبي موسى وعن ابن عمر وأنس أنهما كانا يفعلان ذلك ولأنها تكبيرة حال الاستقرار أشبهت الأولى وما ذكروه غير مسلم فإذا رفع يديه فإنه يحطهما عند انقضاء التكبير ويضع اليمنى على اليسرى كما في بقية الصلوات وفيما روى ابن أبي موسى أن رسول الله A صلى على جنازة فوضع يمينه على شماله .
مسألة : قال : ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه .
السنة أن يسلم على الجنازة تسليمة واحدة قال C : التسليم على الجنازة تسليمة واحدة عن سنة من أصحاب النبي A وليس فيه اختلاف إلا عن إبراهيم وروي تسليمة واحدة عن علي وابن عمر وابن عباس وجابر وأبي هريرة وأنس بن مالك وابن أبي أوفى وواثلة بن الأسقع وبه قال سعيد بن جبير و الحسن و ابن سيرين و أبو أمامة بن سهل و القاسم بن محمد و الحارث و إبراهيم النخعي و الثوري و ابن عيينة و ابن المبارك و عبدالرحمن بن مهدي و إسحاق وقال ابن المبارك : من سلم على الجنازة تسليمتين فهو جاهل جاهل واختار القاضي أن المستحب تسليمتان وتسليمة واحدة تجزي وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي قياسا على سائر الصلوات .
ولنا ما روى عطاء بن السائب [ أن النبي A سلم على الجنازة تسليمة ] رواه الجوزجاني بإسناده وأنه قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا قال أحمد ليس فه اختلاف إلا عن إبراهيم قال الجوزجاني : هذا عندنا لا اختلاف فيه لأن الاختلاف إنما يكون بين الأقران والأشكال أما إذا أجمع الناس واتفقت الرواية عن الصحابة والتابعين فشذ عنهم رجل لم يقل لهذا اختلاف واختيار القاضي في هذه المسألة مخالف لقول إمامة وأصحابه وإجماع الصحابة والتابعين Bهم إذا ثبت هذا فإن المستحب أن يسلم تسليمة واحدة عن يمينه وإن سلم تلقاء وجهه فلا بأس قال أحمد يسلم تسليمة واحدة وسئل يسلم تلقاء وجهه ؟ قال : كل هذا وأكثر ما روي فيه عن يمينه قيل : خفية ؟ قال : نعم يعني أن الكل جائز والتسليم عن يمينه أولى لأنه أكثر ما روي وهو أشبه بالتسليم في سائر الصلوات قال أحمد : يقول : السلام عليكم ورحمة الله وروى عنه علي بن سعيد أنه قال : إذا قال السلام عليكم أجزأه وروى الخلال بإسناده عن علي بن أبي طالب Bه أنه صلى على يزيد بن المكفف فسلم واحدة عن يمينه : السلام عليكم .
فصل : روي عن مجاهد أنه قال : إذا صليت فلا تبرح مصلاك حتى ترفع قال : ورأيت عبد الله بن عمر لا يبرح مصلاه إذا صلى على جنازة حتى يراها على أيدي الرجال قال الأوزاعي : لا تنقض الصفوف حتى ترفع الجنازة