مسائل وفصول : أحق الناس بالصلاة على الميت وكراهية رفع الصوت - مكروهات الجنازة .
مسألة : قال : وأحق الناس بالصلاة عليه من أوصى له أن يصلي عليه .
هذا مذهب أنس و زيد بن أرقم و أبي برزة و سعيد بن زيد و أم سلمة و ابن سيرين وقال الثوري و أبو حنيفة و مالك و الشافعي : الولي أحق لأنها ولاية تترتب بترتب العصبات فالولي فيها أولى كولاية النكاح .
ولنا إجماع الصحابة Bهم روي أن أبا بكر أوصى أن يصلي عليه عمر قاله أحمد قال : وعمر أوصى أن يصلي عليه صهيب و أم سلمة أوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد و أبو بكرة أوصى أن يصلي عليه أبو برزة وقال : غيره عائشة أوصت أن يصلي عليها أبو هريرة وابن مسعود أوصى أن يصلي عليه الزبير و يونس بن جبير أوصى أن يصلي عليه أنس بن مالك و أبو سريحة أوصى أن يصلي عليه زيد بن أرقم فجاء عمرو بن حريث وهو أمير الكوفة ليتقدم فيصلي عليه فقال ابنه : أيها الأمير إن أبي أوصى أن يصلي عليه زيد بن أرقم فقدم زيدا فهذه قضايا انتشرت فلم يظهر مخالف فكان إجماعا ولأنه حق للميت فإنها شفاعة له فتقدم وصيته فيما كتفريق ثلثه وولاية النكاح يقدم فيها الوصي أيضا فهي كمسألتنا وإن سلمت فليت حقا له إنما هي حق للمولى عليه ثم الفرق بينهما أن ا لأمير يقم في الصلاة بخلاف ولاية النكاح ولأن الغرض في الصلاة والدعاء والشفاعة إلى الله D فالميت يختار لذلك من هو أظهر صلاحا وأقرب إجابة في الظاهر بخلاف ولاية النكاح .
فصل : فإن كان الوصي فاسقا أو مبتدعا لم تقبل الوصية لأن الموصي جهل الشرع فرددنا وصيته كما لو كان الوصي ذميا فإن كان الأقرب إليه كذلك لم يقدم وصلى غيره كما يمنع من التقديم في الصلوات الخمس .
مسألة : قال : ثم الأمير .
أكثر أهل ا لعلم يرون تقديم الأمير على الأقارب في الصلاة على الميت : وقال الشافعي في أحد قوليه : يقدم الولي قياسا على تقديمه في النكاح بجامع اعتبار ترتيب العصبات وهو خلاف قول النبي A : [ لا يؤم الرجل في سلطانه ] وحكى أبو حازم قال : شهدت حسينا حين مات الحين وهو يدفع في قفا سعيد بن العاص ويقول : تقدم لولا السنة ما قدمتك وسعيد أمير المدينة وهذا يقتضي سنة النبي A وروى الإمام أحمد بإسناده عن عمار مولى بني هاشم قال : شهدت جنازة أم كلثوم بنت علي وزيد بن عمر فصلى عليها سعيد بن العاص وكان أمير المدينة وخلفه يومئذ ثمانون من أصحاب محمد A فيهم ابن عمر والحسن والحسين وسمى في موضع آخر زيد بن ثابت وأبا هريرة وقال علي Bه : الإمام أحق من صلى على الجنازة وعن ابن مسعود نحو ذلك وهذا اشتهر فلم ينكر فكان إجماعا ولأنها صلاة سرعت فيها الجماعة فكان الإمام أحق بالإمامة فيما كسائر الصلوات وقد كان النبي A يصلي على الجنائز مع حضور أقاربها والخلفاء بعده ولم ينقل إلينا أنهم استأذنوا أولياء الميت في التقدم عليها .
فصل : والأمير هاهنا الإمام فإن لم يكن فالأمير من قبله فإن لم يكن فالنائب من قبله في الإمامة فإن الحسين قدم سعيد بن العاص وإنما كان أميرا من قبل معاوية فإن لم يكن فالحاكم .
مسألة : قال : ثم الأب وإن علا ثم الابن وإن سفل ثم أقرب العصبة .
الصحيح في المذهب ما ذكره الخرقي في أن أولى الناس بعد الأمير الأب ثم الجد أبو الأب وإن علا ثم الابن ثم ابنه وإن نزل ثم الأخ الذي هو عصبة ثم ابنه ثم الأقرب فالأقرب من العصبات وقال أبو بكر : إذا اجتمع جد وأخ ففيه قولان وحكي عن مالك أن الابن أحق من الأب لأنه أقوى تعصيبا منه بدليل الإرث والأخ أولى من الجد لأنه يدلي بالنبوة والجد يدلي بالأبوة .
ولنا أنهما استويا في الإدلاء لأن كل واحد منهما يدلي بنفسه والأب أرأف وأشفق ودعاؤه لابنه أقرب إلى الإجابة فكان أولى كالقريب مع البعيد إذا كان المقصود الدعاء للميت والشافعة له بخلاف الميراث .
فصل : وإن اجتمع زوج المرأة وعصباتها فظاهر كلام الخرقي تقديم العصبات وهو أكثر الروايات عن أحمد وقول سعيد بن المسيب و الزهري و بكير بن الأشج ومذهب أبي حنيفة و مالك و الشافعي إلا أن أبا حنيفة يقدم زوج المرأة على ابنها منه وروي عن أجمد : تقديم الزوج على العصبات لأن أبا بكرة صلى على امرأته ولم يستأذن إخوتها وروي ذلك عن ابن عباس و الشعبي و عطاء و عمر بن عبد العزيز و إسحاق ولأنه أحق بالغسل فكان أحق بالصلاة كمحل الوفاق .
ولنا أنه يروى عن عمر Bه أنه قال لأهل امرأته : أنتم أحق بها ولأن الزوج قد زالت زوجتيه بالموت فصار أجنبيا والقرابة لم تزل فعلى هذه الرواية إن لم يكن لها عصبات فالزوج أولى لأن له سببا وشفقة فكان أولى من الأجنبي .
فصل : فإن اجتمع أخ من الأبوين وأخ من أب ففي تقديم الأخ من الأبوين أو التسوية وجهان أخذا من الروايتين في ولاية النكاح والحكم في أولادهما وفي الأعمام وأولادهم كالحكم فيهما سواء فإن انقرض العصبة من النسب فالمولى المنعم ثم أقرب عصباته ثم الرجل من ذوي أرحامه الأقرب فالأقرب ثم الأجانب .
فصل : فإن استوى وليان في درجة واحدة فأولاهما أحقهما بالإمامة في المكتوبات لعموم قول النبي A : [ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ] قال القاضي : ويحتمل أن يقدم له الأسن لأنه اقرب إلى إجابة الدعاء وأعظم عند الله قدرا وهذا ظاهر مذهب الشافعي والأول أولى وفضيلة السن معارضة بفضيلة العلم وقد رجحها الشارع في سائر الصلوات مع أنه يقصد فيها إجابة الدعاء والحظ للمأمومين وقد روي عنه عليه السلام أنه قال : [ أئمتكم شفعاؤكم ] ولا نسلم أن الأسن الجاهل أعظم قدرا من العالم ولا أقرب إجابة فإن استووا وتشاحوا أقرع بينهم كما في سائر الصلوات .
فصل : ومن قدمه الولي فهو بمنزلته لأنها ولاية تثبت له فكانت له الاستنابة فيها ويقدم نائبه فيها على غيره كولاية النكاح .
فصل : والحر البعيد أولى من العبد القريب لأن العبد لا ولاية له ولهذا لا يلي في النكاح ولا المال فإن اجتمع صبي ومملوك ونساء فالمملوك أولى لأنه تصح إمامته بهما فإن لم يكن إلا نساء وصبيان فقياس المذهب أنه لا يصح أن يؤم أحد الجنسين الآخر ويصلي كل نوع لأنفسهم وإمامهم منهم ويصلي النساء جماعة إمامتهن في وسطهن نص عليه أحمد وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي : يصلين منفردات لا يسبق بعضهن بعضا وإن صلين جماعة جاز .
ولنا أنهن من أهل الجماعة فيصلين جماعة كالرجال وما ذكروه من كونهن منفردات لا يسبق بعضهن بعضا تحكم لا يصار إليه إلا بنص أو إجماع وقد صلى أزواج النبي A على سعد بن أبي وقاص رواه مسلم .
فصل : فإن اجتمع جنائز فتشاح أولياؤهم فيمن يتقدم للصلاة عليهم قدم أولاهم بالإمامة في الفرائض وقال القاضي : يقدم السابق يعني من سبق ميته .
ولنا أنهم تساووا فأشبهوا الأولياء إذا تساووا في الدرجة مع قول النبي A : [ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ] وإن أراد ولي كل ميت أفراد ميته بصلاة جاز