مسألة وفصل : تجهيز الميت بعد تيقن موته .
مسألة : قال أبو القاسم : وإذا تيقن الموت وجه إلى القبلة وغمضت عيناه وشد لحياه لئلا يسترخي فكه وجعل على بطنه مرآة أو غيرها لئلا يعلو بطنه .
قوله إذ تيقن الموت يحتمل أنه أراد حضور الموت لأن التوجيه إلى القبلة يستحب تقديمه على الموت واستحبه عطاء و النخعي و مالك وأهل المدينة و الأوزاعي وأهل الشام و إسحاق وأنكره سعيد بن المسيب فإنهم لما أرادوا أن يحولوه إلى القبلة قال : ما لكم ؟ قالوا : نحولك إلى القبلة قال : ألم أكن على القبلة إلى يومي هذا ؟ والأول أولى لأن حذيفة قال : وجهوني ولأن فعلهم ذلك بـ سعيد دليل على أنه كان مشهورا بينهم يفعله المسلمون كلهم بموتاهم ولأن خير المجالس ما استقبل به القبلة ويحتمل أن الخرقي أراد تيقن وجود الموت لأن سائر ما ذكر إنما يفعل بعد الموت وهو تغميض الميت فإنه يسن عقيب الموت لما روي عن أم سلمة قالت : [ دخل رسول الله A على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال : ( إن الروح إذا قبض تبعه البصر ) فضج الناس من أهله فقال : ( لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ) ثم قال : ( اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين المقربين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه ) ] أخرجه مسلم وروى شداد بن أوس قال : قال رسول الله A : [ إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح وقولوا خيرا فإنه يؤمن على ما قال أهل الميت ] رواه أحمد في المسند وروي أن عمر Bه قال لابنه حين حضرته الوفاة : ادن مني فإذا رأيت روحي قد بلغت لهاتي فضع كفك اليمنى على جبهتي واليسرى تحت ذقني واغمضني ويستحب شد لحييه بعصابة عريضة يربطها من فوق رأسه لأن الميت إذا كان مفتوح العينين والفم فلم يغمض حتى يبرد بقي مفتوحا فيقبح منظره ولا يؤمن دخول الهوام فيه والماء في وقت غسله وقال بكر بن عبد الله المزني : ويقول الذي يغمضه : بسم الله وعلى وفاة رسول الله A ويجعل على بطنه شيء من الحديد كمرآة أو غيرها لئلا ينتفخ بطنه فإن لم يكن شيء من الحديد فطين مبلول ويستحب أن يلي ذلك منه أرفق الناس به بأرفق ما يقدر عليه .
قال أحمد : تغمض المرأة عينه إذا كانت ذات محرم له قوال : يكره للحائض والجنب تغميضه وأن تقرباه وكره ذلك علقمة وروي نحوه عن الشافعي وكره الحسن و ابن سيرين و عطاء أن يغسل الحائض والجنب الميت وبه قال مالك وقال إسحاق و ابن المنذر : يغسله الجنب لقول النبي A : [ المؤمن ليس بنجس ] ولا نعلم بينهم اختلافا في صحة تغسيلهما وتغميضهما له ولكن الأولى أن يكون المتولي لأموره في تغميضه وتغسيله طاهرا لأنه أكمل وأحسن .
فصل : ويستحب المسارعة إلى تجهيزه إذا تيقن موته لأنه أصوب له وأحفظ من أن يتغير وتصعب معافاته قال أحمد : كرامة الميت تعجيله وفيما روى أبو داود أن النبي A قال : [ إني لأرى طلحة قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله ] ولا بأس أن ينتظر بها مقدار ما يجتمع لها جماعة لما يؤمل من الدعاء له إذا صلى عليه ما لم يخف عليه أو يشق على الناس نص عليه أحمد وإن اشتبه أمر الميت اعتبر بظهور أمارات الموت من استرخاء رجليه وانفصال كفيه وميل أنفه وامتداد جلده وجهه وانخساف صدغيه وإن مات فجأة كالمصعوق أو خائفا من حرب أو سبع أو تردى من جبل انتظر به هذه العلامات حتى يتيقن موته قال الحسن في المصعوق : ينتظر به ثلاثا قال أحمد C : إنه ربما تغير في الصيف في اليوم والليلة قيل فكيف تقول قال : يترك بقدر ما يعلم أنه ميت قيله له : من غدوة إلى الليل قال : نعم