مسائل وفصول : أوقات التكبير وصفته .
مسألة : قال : ويبتدئ التكبير يوم عرفة من صلاة الفجر .
لا خلاف بين العلماء رحمهم الله في أن التكبير مشروع في عبد النحر واختلفوا في مدته فذهب إمامنا Bه إلى أنه من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق وهو قول عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود Bهم وإليه ذهب الثوري و ابن عيينة و أبو يوسف و محمد و أبو ثور و الشافعي في بعض أقواله وعن ابن مسعود أنه كان يكبر من غداة عرفة إلى العصر من يوم النحر وإليه ذهب علقمة و النخعي و أبو حنيفة لقوله : { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } وهي العشر وأجمعنا على أنه لا يكبر قبل يوم عرفة فينبغي أن يكبر يوم عرفة ويوم النحر وعن ابن عمر و عمر بن عبد العزيز أن التكبير من صلاة الظهر يوم النحر إلى الصبح من آخر أيام التشريق وبه قال مالك و الشافعي في المشهور عنه لأن الناس تبع للحاج والحاج يقطعون التلبية مع أول حصاة ويكبرون مع الرمي وإنما يرمون يوم النحر فأول صلاة بعد ذلك الظهر وآخر صلاة يصلون بمنى الفجر من اليوم الثالث من أيام التشريق .
ولنا ما [ روى جابر أن النبي A صلى الصبح يوم عرفة وأقبل علينا فقال : ( الله أكبر الله أكبر ) ومد التكبير إلى العصر من آخر أيام التشريق ] أخرجه الدارقطني من طرق وفي بعضها [ الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد ] ولأنه إجماع الصحابة Bهم روي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود رواه سعيد عن عمير وعلي وابن عباس وروى بإسناده عن محمد بن سعيد أن عبد الله كان يكبر من صلاة الغداة يوم عرفة إلى العصر من يوم النحر فأتانا علي بعده فكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد قيل لـ أحمد C : بأي حديث تذهب إلى أن التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق قال : الإجماع عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود Bهم ولأن الله تعالى قال : { واذكروا الله في أيام معدودات } وهي أيام التشريق فتعين الذكر في جميعها ولأنها أيام يرمي فيها فكان التكبير فيها كيوم النحر وقوله تعالى : { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } والمراد به ذكر الله تعالى على الهدايا والأضاحي .
ويستحب التكبير عند رؤية الأنعام في جميع العشر وهذا أولى من قولهم وتفسيرهم لأنهم لم يعملوا به في كل العشر ولا في أكثره وإن صح قولهم فقد أمر الله تعالى بالذكر في أيام معدودات وهي أيام التشريق فيعمل به أيضا وأما المحرمون فإنهم يكبرون عن صلاة الظهر يوم النحر لما ذكروه لأنهم كانوا مشغولين قبل ذلك بالتلبية وغيرهم يبتدئ من يوم عرفة لعدم المانع في حقهم مع وجود المقتضى وقولهم إن الناس تبع لهم في هذا دعوى مجردة لا دليل عليها فلا تسمع .
فصل : وصفة التكبير الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وهذا قول عمر وعلي وابن مسعود وبه قال الثوري و أبو حنيفة و إسحاق و ابن المبارك إلا أنه زاد على ما هدانا : لقوله : { ولتكبروا الله على ما هداكم } وقال مالك و الشافعي يقول : الله أكبر الله أكبر ثلاثا لأن جابرا صلى في أيام التشريق فلما فرغ من صلاته قال : الله أكبر الله أكبر الله أكبر وهذا لا يقوله إلا توقيفا ولأن التكبير شعار العيد فكان وترا كتكبير الصلاة والخطبة .
ولنا خبر جابر عن النبي A وهو نص في كيفية التكبير وأنه قول الخليفتين الراشدين وقول ابن مسعود وقول جابر لا يسمع مع قول النبي A ولا يقدم على قول أحد ممن ذكرنا فكيف قدموه على قول جميعهم ولأنه تكبير خارج الصلاة فكان شفعا كتكبير الأذان وقولهم إن جابرا لا يفعله إلا توقيفا فاسد لوجوه أحدها أنه قد روى خلاف قوله فكيف يترك ما صرح به لاحتمال وجود ضده الثاني أنه إن كان قوله توقيفا كان قول من خالفه توقيفا فكيف قدموا الضعيف على ما هو أقوى منه مع إمامة من خالفه وفضلهم في العلم عليه وكثرتهم الثالث أن هذا ليس بمذهب لهم فإن قول الصحابي لا يحمل على التوقيف عندهم الرابع أنه إنما يحمل على التوقيف ما خالف الأصول وذكر الله تعالى لا يخالف الأصل ولا سيما إذا كان وترا .
مسألة : قال : ثم لا يزال يكبر دبر كل صلاة مكتوبة صلاها في جماعة وعن أبي عبد الله C أنه يكبر لصلاة الفرض وإن كان وحده حتى يكبر لصلاة العصر من آخر أيام التشريق ثم يقطع .
المشروع عند إمامنا C التكبير عقيب الفرائض في الجماعات في المشهور عنه قال الأثرم : قلت لـ أبي عبد الله اذهب إلى فعل ابن عمر أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده قال أحمد : نعم وقال ابن مسعود : إنما التكبير على من صلى في جماعة وهذا مذهب الثوري و أبي حنيفة وقال مالك لا يكبر عقيب النوافل ويكبر عقيب الفرائض كلها وقال الشافعي : يكبر عقيب كل صلاة فريضة كانت أو نافلة منفردا صلاها أو في جماعة لأنها صلاة مفعولة فيكبر عقيبها كالفرض في جماعة .
ولنا قول ابن مسعود وفعل ابن عمر ولم يعرف لهما مخالف في الصحابة فكان إجماعا ولأنه ذكر مختص بوقت العيد فاختص بالجماعة ولا يلزم من مشروعيته للفرائض مشروعيته للنوافل كالآذان والإقامة وعن أحمد C رواية أخرى أنه يكبر للفرض وإن كان منفردا وهو مذهب مالك لأنه ذكر مستحب للمسبوق فاستحب للمنفرد كالسلام .
فصل : والمسافرون كالمقيمين فيما ذكرنا وكذلك النساء يكبرن في الجماعة وفي تكبيرهن في الانفراد روايتان كالرجال قال ابن منصور قلت لـ أحمد : قال سفيان لا يكبر النساء أيام التشريق إلا في جماعة قال أحسن وقال البخاري كان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان و عمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد وينبغي لهن أن يخفضن أصواتهن حتى لا يسمعهن الرجال وعن أحمد رواية أخرى أنهن لا يكبرن لأن التكبير ذكر يشرع فيه رفع الصوت فلم يشرع في حقهن كالأذان .
فصل : والمسبوق ببعض الصلاة يكبر إذا فرغ من قضاء ما فاته نص عليه أحمد وهذا قول أكثر أهل العلم وقال الحسن يكبر ثم يقضي لأنه ذكر مشروع في آخر الصلاة فيأتي به المسبوق قبل القضاء كالتشهد وعن مجاهد و مكحول يكبر ثم يقضي ثم يكبر لذلك .
ولنا أنه ذكر شرع بعد السلام فلم يأت به في أثناء الصلاة كالتسليمة الثانية والدعاء بعدها وإن كان على المصلي سجود سهو بعد السلام سجدة ثم يكبر وبهذا قال الثوري و الشافعي و إسحاق وأصحاب الرأي ولا أعلم فيه مخالفا وذلك لأنه سجود مشروع للصلاة فكان التكبير بعده وبعد تشهده كسجود صلب الصلاة وآخر مدة التكبير العصر من آخر أيام التشريق لما ذكرناه في المسألة التي قبلها .
فصل : وإذا فاتته صلاة من أيام التشريق فقضاها فيها فحكمها حكم المؤداة في التكبير لأنها صلاة في أيام التشريق وكذلك إن فاتته من غير أيام التشريق فقضاها فيها كذلك وإن فاتته من أيام التشريق فقضاها في غيرها لم يكبر لأن التكبير مقيد بالوقت فلم يفعل في غيره كالتلبية .
فصل : ويكبر مستقبل القبلة حكاه أحمد عن إبراهيم قال أبو بكر : وعليه العمل وذلك لأنه ذكر مختص بالصلاة أشبه الأذان والإقامة ويحتمل أن يكبر كيفما شاء لما [ روى جابر أن النبي A أقبل عليهم فقال : ( الله أكبر الله أكبر ) ] وإن نسي التكبير حتى خرج من المسجد لم يكبر وهذا قول أصحاب الرأي لأنه مختص بالصلاة من بعدها فأشبه سجود السهو ويحتمل أن يكبر لأنه ذكر فاستحب وإن خرج وبعد كالدعاء والذكر المشروع بعدها وإن ذكره في المسجد عاد إلى مكانه فجلس واستقبل القبلة فكبر وقال الشافعي : يكبر ماشيا وهذا أقيس لأن التكبير ذكر مشروع بعد الصلاة فأشبه سائر الذكر قال أصحابنا : وإذا أحدث قبل التكبير لم يكبر عامدا كان أ ساهيا لأن الحدث يقطع الصلاة عمده وسهوه وبالغ ابن عقيل فقال : إن تركه حتى تكلم لم يكبر والأولى إن شاء الله أن يكبر لأن ذلك منفرد بعد سلام الإمام فلا تشترط له الطهارة كسائر الذكر ولأن اشتراط الطهارة إما بنص أو معناه ولم يوجد ذلك وإذا نسي الإمام التكبير كبر المأموم وهذا قول الثوري لأنه ذكر يتبع الصلاة أشبه سائر الذكر .
فصل : قال القاضي : ظاهر كلام أحمد أنه يكبر عقيب صلاة العيد وهو قول أبي بكر لأنها صلاة مفروضة في جماعة فأشبهت الفجر وقال أبو الخطاب : لا يسن لأنها ليست من الصلوات الخمس أشبهت النوافل والأول أولى لأن هذه الصلاة أخص بالعيد فكانت أحق بتكبيره .
فصل : ويشرع التكبير في غير إدبار الصلوات وكان ابن عمر يكبر بمنى في تلك الأيام خلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعا وكان يكبر في قبته بما يسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرا وكذلك يستحب التكبير في أيام العشر كلها لقول الله تعالى : { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } كما قال : { واذكروا الله في أيام معدودات } والأيام المعلومات أيام العشر والمعدودات أيام التشريق قال البخاري : وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما ويستحب الاجتهاد في عمل الخير في أيام العشر من الذكر والصلاة والصيام والصدقة وسائر أعمال البر لما روى ابن عباس عن النبي A قال : [ ما العمل في أيام أفضل منها في هذه الأيام قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال : ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء ] أخرجه البخاري