فصول : حكم تخطي الرقاب في المسجد ومن سبق إلى مجلس فهو أحق به ! .
فصل : إذا أتى المسجد كره له أن يتخطى رقاب الناس لقول النبي A : [ فلا يفرق بين اثنين ] وقوله [ ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدا ] وقوله في الذي جاء يتخطى رقاب الناس : [ اجلس فقد آذيت وآنيت ] .
وروي عن النبي A أنه قال : [ من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرا إلى جهنم ] رواه أبو داود و الترمذي وقال : لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد وقد ضعفه بعض أهل العلم من قبل حفظه فأما الإمام إذا لم يجد طريقا فلا يكره له التخطي لأنه موضع حاجة .
فصل : فإن رأى فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي ففيه روايتان إحداهما له التخطي قال أحمد : يدخل الرجل ما استطاع ولا يدع بين يديه موضعا فارغا فإن جهل فترك بين يديه خاليا فلتخط الذي يأتي بعده ويتجاوزه إلى الموضع الخالي فإنه لا حرمة لمن ترك بين يديه خاليا وقعد في غيره وقال الأوزاعي : يتخطاهم إلى السعة وقال قتادة : يتخطاهم إلى مصلاه وقال الحسن : تخطوا رقاب الذين يجلسون على أبواب المساجد فإنه لا حرمة لهم وعن أحمد رواية أخرى إن كان يتخطى الواحد والاثنين فلا بأس لأنه يسير فعفي عنه وإن كثر كرهناه وكذلك قال الشافعي : إلا أن لا يجد السبيل إلى مصلاه إلا بأن يتخطى فيسعه التخطي إن شاء الله تعالى .
ولعل قول أحمد : ومن وافقه في الرواية الأولى فيما إذا تركوا مكانا واسعا مثل الذين يصفون في آخر المسجد ويتركون بين أيديهم صفوفا خالية فهؤلاء لا حرمة لهم قال الحسن لأنهم خالفوا أمر النبي A ورغبوا عن الفضيلة وخير الصفوف وجلسوا في شرهها ولأن تخطيهم مما لا بد منه وقوله الثاني في حق من لم يفرطوا وإنما جلسوا في مكانهم لامتلاء ما بين أيديهم لكن فيه سعة يمكن الجلوس فيه لازدحامهم ومتى كان لم يمكن الصلاة إلا بالدخول وتخطيهم جاز لأنه موضع حاجة .
فصل : إذا جلس في مكان ثم بدت له حاجة أو احتاج إلى الوضوء فله الخروج [ قال عقبة : صليت وراء النبي A بالمدينة العصر فسلم ثم قام مسرعا فتخطى رقاب الناس إلى حجر بعض نسائه فقال : ( ذكرت شيئا من تبر عندنا فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمته ) ] رواه البخاري : فإذا قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به لقول النبي صلى الله عيه وسلم : [ من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به ] وحكمه في التخطي إلى موضعه حكم من رأى بين يديه فرجة .
فصل : وليس له أن يقيم إنسانا ويجلس في موضعه سواء كان المكان راتبا لشخص يجلس فيه أو موضع حلقة لمن يحدث فيها أو حلقة الفقهاء يتذاكرون فيها أو لم يكن لما روى ابن عمر قال : [ نهى رسول الله A أن يقيم الرجل يعني أخاه من مقعده ويجلس فيه ] متفق عليه ولأن المسجد بيت من بيوت الله والناس فيه سواء قال الله تعالى : { سواء العاكف فيه والباد } فمن سبق إلى مكان فهو أحق به لقول النبي A : [ من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به ] رواه أبو داود وكمقاعد الأسواق ومشارع المياه والمعادن فإن قدم صاحبا له فجلس في موضع حتى إذا جاء قام النائب وأجلسه جاز لأن النائب يقوم باختياره وقد روي أن محمد بن سيرين كان يرسل غلاما له يوم الجمعة فيجلس فيه فإذا جاء محمد قام الغلام وجلس محمد فيه فإن لم يكن نائبا فقام ليجلس آخر في مكانه فله الجلوس فيه لأنه قام باختيار نفسه فأشبه النائب وأما القائم فإن انتقل إلى مثل مكانه الذي آثر به في القرب وسماع الخطبة فلا بأس وإن انتقل إلى ما دونه كره له لأنه يؤثر على نفسه في الدين ويحتمل أن لا يكره لأن تقديم أهل الفضل إلى ما يلي الإمام مشروع ولذلك قال النبي A : [ ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ] ولو آثر شخصا بمكانه لم يجز لغيره أن يسبقه إليه لأن الحق للجالس آثر به غيره فقام مقامه في استحقاقه كما لو يحجر مواتا أو سبق إليه ثم آثر غيره به وقال ابن عقيل نحو ذلك لأن القائم أسقط حقه بالقيام فبقي على الأصل فكان السابق إليه أحق به كمن وسع لرجل في طريق فمر غيره وما قلنا أصح ويفارق التوسعة في الطريق لأنها إنما جعلت للمرور فيها فمن انتقل من مكان فيها لم يبق له فيها حق يؤثر به وليس كذلك المسجد فإنه للإقامة فيه ولا يسقط حق المتنقل من مكانه إذا انتقل لحاجة وهذا إنما انتقل مؤثرا لغيره فأشبه النائب الذي بعثه إنسان ليجلس في موضع يحفظه له ولو كان الجالس مملوكا لم يكن لسيده أن يقيمه لعموم الخبر ولأن هذا ليس بمال وهو حق ديني فاستوى هو وسيده فيه كالحقوق الدينية كلها والله أعلم .
فصل : وإن فرش مصلى له في مكان ففيه وجهان : أحدهما يجوز رفعه والجلوس في موضعه لأنه لا حرمة له ولأن السبق بالأجسام لا بالاوطئة والمصليات ولأن تركه يفضي إلى أن صاحبه يتأخر ثم يتخطى رقاب المصلين ورفعه ينفي ذلك والثاني لا يجوز فيه افتياتا على صاحبه ربما أفضى إلى الخصومة ولأنه سبق إليه فكان كمحتجر الموات