مسائل وفصول : شرائط وجوي الجمعة .
مسألة : قال : وإذا لم يكن في القرية أربعون رجلا عقلاء لم تجب عليهم الجمعة .
وجملته أن الجمعة إنما تجب بسبعة شرائط إحداها أن تكون في قرية والثاني أن يكونوا أربعين والثالث الذكورية والرابع البلوغ والخامس العقل والسادس الإسلام والسابع الاستيطان وهذا قول أكثر أهل العلم فأما القرية فيعتبر أن تكون مبينة بما جرت العادة ببنائها به من حجر أو طين أو لبن أو قصب أو شجرة ونحوه فأما أهل الخيام وبيوت الشعر والحركات فلا جمعة عليهم ولا تصح منهم لأن ذلك لا ينصب للاستيطان غالبا وكذلك كانت قبائل العرب حول المدينة فلم يقيموا جمعة ولا أمرهم بها النبي A ولو كان ذلك يم يخف ولم يترك نقله مع كثرتهم وعموم البلوى به لكن إن كانوا مقيمين بموضع يسمعون النداء لزمهم السعي إليها كأهل القرية الصغيرة إلى جانب المصر ذكره القاضي ويشترط في القرية أيضا أن تكون مجتمعة البناء بما جرت العادة في القرية الواحدة فإن كانت متفرقة المنازل تفرقا لم تجر العادة به لم تجب عليهم الجمعة إلا أن يجتمع منها ما يسكنه أربعون فتجب الجمعة بهم ويتبعهم الباقون ولا يشترط اتصال البنيان بعضه ببعض وحكي عن الشافعي أنه شرط ولا يصح لأن القرية المتقاربة قرية مبنية على ما جرت به عادة القرى فأشبهت المتصلة ومتى كانت القرية لا تجب الجمعة على أهلها بأنفسهم وكانوا بحيث يسمعون النداء من المصر أو من قرية تقام فيها الجمعة لزمهم السعي إليها لعموم الآية .
فصل : فأما الإسلام والعقل والذكورية فلا خلاف في اشتراطها لوجوب الجمعة وانعقادها لأن الإسلام والعقل شرطان للتكليف وصحة العبادة المحضة والذكورية شرط لوجوب الجمعة وانعقادها لأن الجمعة يجتمع لها الرجال والمرأة ليست من أهل الحضور في مجامع الرجال ولكنها تصح منها لصحة الجماعة منها فـ [ إن النساء كن يصلين مع النبي A في الجماعة ] .
وأما البلوغ فهو شرط أيضا لوجوب الجمعة وانعقادها في الصحيح من المذهب وقول أكثر أهل العلم لأنه من شرائط التكليف بدليل قوله عليه السلام : [ رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ ] وذكر بعض أصحابنا في الصبي المميز رواية أخرى أنها واجبة عليه بناء على تكليفه ولا معول عليه .
فصل : فأما الأربعون فالمشهور في المذهب أنه شرط لوجوب الجمعة وصحتها .
وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز و عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وهو مذهب مالك و الشافعي .
وروي عن أحمد أنها لا تنعقد إلا بخمسين لما روى أبو بكر النجاد عن عبد الله الرقاشي حدثنا رجاء بن سلمة حدثنا عباد بن عباد المهلبي عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة قال : قال رسول الله A : [ تجب الجمعة على خمسين رجلا ولا تجب على ما دون ذلك ] وبإسناده عن الزهري عن [ أبي سلمة قال : قلت لأبي هريرة على كم تجب الجمعة من رجل ؟ قال لما بلغ أصحاب رسول الله A خمسين جمع بهم رسول الله A ] وعن أحمد أنها تنعقد بثلاثة وهو قول الأوزاعي و أبي ثور لأنه يتناوله اسم الجمع فانعقدت به الجماعة كالأربعين ولأن الله تعالى قال : { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } وهذه صيغة الجمع فيدخل فيه الثلاثة وقال أبو حنيفة : تنعقد بأربعة لأنه عدد يزيد على أقل الجمع المطلق أشبه الأربعين وقال ربيعة : تنعقد باثني عشر رجلا لما روي [ عن النبي A أنه كتب إلى مصعب بن عمير بالمدينة فأمره أن يصلي الجمعة عند الزوال ركعتين وأن يخطب فيهما فجمع مصعب بن عمير في بيت سعد بن خيثمة باثني عشر رجلا ] وعن جابر قال : [ كنا مع النبي A يوم الجمعة فقدمت سويقة فخرج الناس إليها فلم يبق إلا اثنا عشر رجلا أنا فيهم فأنزل الله تعالى : { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما } إلى آخر الآية ] رواه مسلم وما يشترط للابتداء يشترط للاستدامة .
ولنا ما روى كعب بن مالك قال : أول من جمع بنا أسعد بن زرارة في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له نقيع الخضمات قلت له : كم كنتم يومئذ قال : أربعون رواه أبو داود و الأثرم .
رورى خصيف عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال : مضت السنة أن في كل أربعين فما فوقها جمعة رواه الدارقطني وضعفه ابن الجوزي وقول الصحابي مضت السنة ينصرف إلى سنة رسول الله A فأما من روى أنهم كانوا اثني عشر رجلا فلا يصح فإن ما رويناه أصح منه رواه أصحاب السنن والخبر الآخر يحتمل أنهم عادوا فحضروا القدر الواجب ويحتمل أنهم عادوا قبل طول الفصل فأما الثلاثة والأربعة فتحكم بالرأي فيما لا مدخل له فيه فإن التقديرات بابها التوقيف فلا مدخل للرأي فيها ولا معنى لاشتراط كونه جمعا ولا للزيادة على الجمع إذ لا نص في هذا ولا معنى نص ولو كان الجمع كافيا فيه لاكتفى بالاثنين فإن الجماعة تنعقد بهما .
فصل : فأما الاستيطان فهو شرط في قول أكثر أهل العلم وهو الإقامة في قرية على الأوصاف المذكورة لا يظعنون عنها صيفا ولا شتاء ولا تجب على مسافر ولا على مقيم في قرية يظعن أهلها عنها في الشتاء دون الصيف أو في بعض السنة فإن خربت القرية أو بعضها وأهلها مقيمون بها عازمون على إصلاحها فحكمها باق في إقامة الجمعة بها وإن عزموا على النقلة عنها لم تجب عليهم لعدم الاستيطان .
فصل : واختلف الرواية في شرطين آخرين أحدهما الحرية ونذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى والثاني أذن الإمام والصحيح أنه ليس بشرط وبه قال مالك و الشافعي و أبو ثور والثانية هو شرط روي ذلك عن الحسن و الأوزاعي و حبيب بن أبي ثابت و أبي حنيفة لأنه لا يقيمها إلا الأئمة في كل عصر فصار ذلك إجماعا .
ولنا أن عليا صلى الجمعة بالناس وعثمان محصور فلم ينكره أحد وصوب ذلك عثمان وأمر بالصلاة معهم فروى حميد بن عبد الرحمن عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أنه دخل على عثمان وهو محصور فقال : إنه قد نزل بك ما ترى وأنت إمام العامة وهو يصلي بنا إمام فتنة وأنا أتحرج من الصلاة معه فقال : إن الصلاة أحسن ما يعمل الناس فإذا أحسنوا فأحسن معهم وإذا أساؤا فاجتنب إساءتهم أخرجه البخاري و الأثرم وهذا لفظ رواية الأثرم وقال أحمد : وقعت الفتنة بالشام تسع سنين فكانوا يجمعون .
روى مالك في الموطأ عن أبي جعفر القارئ أنه رأى صاحب المقصورة في الفتنة حين حضرت الصلاة فخرج يتبع الناس يقول : من يصلي بالناس حتى انتهى إلى عبد الله بن عمر فقال له عبد الله بن عمر تقدم أنت فصل بين يدي الناس ولأنها من فرائض الأعيان فلم يشترط لها إذن الإمام كالظهر ولأنها صلاة أشبهت سائر الصلوات وما ذكروه إجماعا لا يصح على جواز ما وقع لا على تحريم غيره كالحج يتولاه الأئمة وليس بشرط فيه .
فإن قلنا هو شرط فلم يأذن الإمام فيه لم يجز أن يصلوا جمعة ويصلوا جمعة ظهرا وإن أأذن في إقامتها ثم مات بطل إذنه بموته فإن صلوا ثم بان أنه قد مات قبل ذلك فهل تجزئهم صلاتهم على روايتين أصحهما أنا تجزئهم لأن المسلمين في الأمصار النائية عن بلد الإمام لا يعيدون ما صلوا من الجمعات بعد موته ولا نعلم أحدا أنكر ذلك عليهم فكان إجماعا ولأن وجوب الإعادة يشق لعمومه في أكثر البلدان وإن تعذر إذن الإمام لفتنة فقال القاضي : ظاهر كلامه صحتها بغير إذن على كلتا الروايتين فعلى هذا يكون الأذن معتبرا مع إمكانه ويسقط اعتباره بتعذره .
فصل : ولا يشترط للجمعة المصر روي نحو ذلك عن ابن عمر و عمر بن عبد العزيز و الأوزاعي و الليث و مكحول و عكرمة و الشافعي وروي عن علي Bه أنه قال : لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع وبه قال الحسن و ابن سيرين و إبراهيم و أبو حنيفة و محمد بن الحسن لأنه قد روي عن النبي A أنه قال : [ لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع ] .
ولنا ما روى كعب بن مالك أنه قال : أسعد بن زرارة أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له نقيع الخضمات رواه أبو داود وقال ابن جريح : قلت لـ عطاء تعني إذا كان ذلك بأمر النبي A ؟ قال : نعم قال الخطابي : حرة بني بياضة على ميل من المدينة وعن ابن عباس قال : إن أول جمعة جمعت بعد جمعة المدينة لجمعة بجواثا من البحرين من قرى عبد القيس رواه البخاري وروى أبو هريرة أنه كتب إلى عمر يسأله عن الجمعة بالبحرين وكان عامله عليها فكتب إليه عمر جمعوا حيث كنتم رواه الأثرم قال أحمد : إسناد جيد فأما خبرهم فلم يصح قال أحمد : ليس هذا بحديث ورواه الأعمش عن أبي سعيد المقبري ولم يلقه قال أحمد : الأعمش لم يسمع من أبي سعيد إنما هو عن علي وقول عمر يخالفه .
فصل : ولا يشترط لصحة الجمعة إقامتها في البنيان ويجوز أقامتها فيما قاربه من الصحراء وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي : لا تجوز في غير البنيان لأنه موضع يجوز لأنه المصر قصر الصلاة فيه فأشبه البعيد .
ولنا أن مصعب بن عمير جمع بالأنصار في هزم النبيت في نقيع الخضمات والنقيع بطن من الأرض يستنقع فيه الماء مدة فإذا نضب الماء نبت الكلأ ولأنه موضع لصلاة العيد فجازت فيه الجمعة كالجامع .
ولأن الجمعة صلاة عيد فجازت في المصلي كصلاة الأضحى ولأن الأصل عدم اشتراط ذلك ولا نص في اشتراطه ولا معنى نص فلا يشترط .
مسألة : قال : وإن صلوا أعادوها ظهرا .
وجملته أن ما كان شرطا لوجوب الجمعة فهو شرط لانعقادها فمتى صلوا جمعة مع اختلال بعض شروطها لم يصح ولزمهم أن يصلوا ظهرا ولا يعد في الأربعين الذين تنعقد بهم الجمعة من لا تجب عليه ولا يعتبر اجتماع الشروط للصحة بل تصح ممن لا تجب عليه تبعا لمن وجبت عليه ولا يعتبر في وجوبها كونه ممن تنعقد به فإنها تجب على من يسمع النداء من غير أهل المصر ولا تنعقد به .
فصل : ويعتبر استدامة الشروط في القدر الواجب من الخطبتين وقال أبو حنيفة في رواية : عنه لا يشترط العدد فيهما لأنه ذكر يتقدم الصلاة فلم يشترط له العدد كالأذان .
ولنا أنه ذكر من شرائط الجمعة فكان من شرطه العدد كتكبيرة الإحرام ويفارق الأذان فإنه ليس بشرط وإنما مقصوده الإعلام والإعلام للغائبين والخطبة مقصودها التذكير والموعظة وذلك إنما يكون للحاضرين وهي مشتقة من الخطاب والخطاب إنما يكون للحاضرين فعلى هذا إن انفضوا في أثناء الخطبة ثم عادوا فحضروا القدر الواجب أجزأهم والألم يجزئهم إلا أن يحضروا القدر الواجب ثم ينفضوا ويعودوا قبل شروعه في الصلاة من غير طول الفصل فإن طال الفصل لزمه إعادة الخطبة إن كان الوقت متسعا لأنهم من أهل وجوب الجمعة والوقت متسع لها لتصح لهم الجمعة وإن ضاق الوقت صلوا ظهرا والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العادة .
فصل : ويعتبر استدامة الشروط في جميع الصلاة فإن نقص العدد قبل كمالها فظاهر كلام أحمد أنه لا يتمها جمعة وهذا أحد قولي الشافعي لأنه فقد بعض شرائط الصلاة فأشبه فقد الطهارة وقياس قول الخرقي أنهم إن انفضوا بعد ركعة أنه يتمها جمعة وهذا قول مالك وقال المزني : هو الأشبه عندي لقول النبي A : [ من أدرك من الجمعة ركعة أضاف إليها أخرى ] ولأنهم أدركوا ركعة فصحت لهم جمعة كالمسبوقين بركعة ولأن العدد شرط يختص الجمعة فلم يفت بفواته في ركعة كما لو دخل وقت العصر وقد صلوا ركعة وقال أبو حنيفة : إن انفضوا بعد ما صلى ركعة بسجدة واحدة أتمها جمعة لأنهم أدركوا معظم الركعة فأشبه ما لو أدركوها بسجدتيها وقال إسحاق : إن بقي معه اثنا عشر رجلا أتمها جمعة لأن أصحاب النبي A انفضوا عنه فلم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا فأتمها جمعة وقال الشافعي في أحد أقواله : إن بقي معه اثنان أتمها جمعة وهو قول الثوري لأنه أقل الجمع وحكى عنه أبو ثور إن بقي معه واحد أتمها جمعة لأن الاثنين جماعة .
ولنا أنهم لم يدركوا ركعة كاملة بشروط الجمعة فأشبه ما لو انفض الجميع قبل الركوع في الأولى وقولهم أدرك معظم الركعة يبطل بمن لم يفته من الركعة إلا السجدتان فإنه أدرك معظمها وقول الشافعي بقي معه من تنعقد به الجماعة لا يصح لأن هذا لا يكفي في الابتداء فلا يكفي في الدوام إذا ثبت هذا فكل موضع قلنا لا يتمها جمعة فقياس قول الخرقي أنها تبطل يستأنف ظهرا إلا أن يمكنهم فعل الجمعة مرة أخرى فيعيدونها قال أبو بكر : لا أعلم خلافا عن أحمد إن لم يتم العدد في الصلاة والخطبة أنهم يعيدون الصلاة وقياس قول أبي إسحاق بن شاقلا أنهم يتمونها ظهرا وهذا قول القاضي وقال : قد نص عليها أحمد في الذي زحم عن أفعال الجمعة حتى سلم الإمام يتمها ظهرا ووجه القولين قد تقدم