مسائل وفصول : حكم المسبوق في صلاة الجمعة ومن زحم ومن أدرك بعضا من الصلاة .
مسألة : قال : ومن أدرك مع الإمام منها ركعة بسجدتيها أضاف إليها أخرى وكانت له جمعة .
أكثر أهل العلم يرون أن من أدرك ركعة من الجمعة مع الإمام فهو مدرك لها يضيف إليها أخرى ويجزيه وهذا قول ابن مسعود وابن عمر وأنس و سعيد بن المسيب و علقمة و الأسود و عروة و الزهري و النخعي و مالك و الثوري و الشافعي و إسحق و أبي ثور وأصحاب الرأي وقال عطاء و طاوس و مجاهد و مكحول من لم يدرك الخطبة صلى أربعا لأن الخطبة شرط للجمعة فلا تكون جمعة في حق من لم يوجد في حقه شرطها .
ولنا ما روى الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي A قال : [ من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة ] رواه الأثرم ورواه ابن ماجة ولفظه : [ فليصل إليها أخرى ] وعن أبي هريرة عن النبي A : [ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ] متفق عليه ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم في عصرهم .
مسألة : قال : ومن أدرك معه أقل من ذلك بنى عليها ظهرا ذا كان قد دخل بنية الظهر .
أما من أدرك أقل من ركعة فإنه لا يكون مدركا للجمعة ويصلي ظهرا أربعا وهو قول جميع من ذكرنا في المسألة قبل هذه وقال الحكم و حماد و أبو حنيفة يكون مدركا للجمعة بأي قدر أدرك من الصلاة مع الإمام لأن من لزمه أن يبني على صلاة الإمام إذا أدرك ركعة لزمه إذا أدرك أقل منها كالمسافر يدرك المقيم ولأنه أدرك جزأ من الصلاة فكان مدركا لها كالظهر .
ولنا قوله عليه والسلام : [ من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الصلاة ] فمفهومه أنه إذا أدرك أقل من ذلك لم يكن مدركا لها ولأنه قول من سمينا من الصحابة والتابعين ولا مخالف لهم في عصرهم فيكون إجماعا وقد روى بشر بن معاذ الزيات عن الزهري عن أبي سلمة عن النبي A أنه قال : [ من أدرك يوم الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى ومن أدرك دونها صلاها أربعا ] ولأنه لم يدرك ركعة فلم تصح له الجمعة كالإمام إذا انفضوا قبل أن يسجد وأما المسافر فإدراكه إدراك إلزام وهذا إدراك إسقاط للعدد فافترقا وكذلك يتم المسافر خلف المقيم ولا يقصر المقيم خلف المسافر وأما الظهر فليس من شرطها الجماعة بخلاف مسألتنا .
فصل : فأما قوله بسجدتيها فيحتمل أنه للتأكيد كقوله تعالى : { ولا طائر يطير بجناحيه } ويحتمل أنه للاحتراز من الذي أدرك الركوع ثم فاتته السجدتان أو إحداهما حتى سلم الإمام لزحام أو نسيان أو نوم أو غفلة وقد اختلفت الرواية عن أحمد في من أحرم مع الإمام ثم زحم فلم يقدر على الركوع والسجود حتى سلم الإمام فروى الأثرم و الميموني وغيرهما أنه يكون مدركا للجمعة يصلي ركعتين اختارها الخلال وهذا قول الحسن و الأوزاعي وأصحاب الرأي لأنه أحرم بالصلاة مع الإمام في أول ركعة أشبه ما لو ركع وسجد معه ونقل صالح و ابن منصور وغيرهما أنه يستقبل الصلاة وهو ظاهر قول الخرقي و ابن أبي موسى واختيار أبي بكر وقول قتادة و أيوب السختياني و يونس بن عبيد و الشافعي و أبي ثور و ابن المنذر لأنه يدرك ركعة كاملة فلم يكن مدركا للجمعة كالتي قبلها .
فصل : ومتى قدر المزحوم على السجود على ظهر إنسان أو قدمه لزمه ذلك وأجزأه قال أحمد في رواية أحمد بن هشام يسجد على ظهر الرجل والقدم ويمكن الجبهة والأنف في العيدين والجمعة وبهذا قال الثوري و أبو حنيفة و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر وقال عطاء و الزهري و مالك لا يفعل قال مالك : وتبطل الصلاة إن فعل لقول النبي A : [ ومكن جبهتك من الأرض ] .
ولنا ما روي عن عمر Bه أنه قال : إذا اشتد الزحام فليسجد على ظهر أخيه رواه سعيد في سننه وهذا قاله بمحضر من الصحابة وغيرهم في يوم جمعة ولم يظهر له مخالف فكان إجماعا ولأنه أتى بما يمكنه حال العجز فصح كالمريض يسجد على المرفقة والخبر لم يتناول العاجز لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ولا يأمر العاجز عن الشيء بفعله .
فصل : وإذا زحم في إحدى الركعتين لم يخل من أن يزحم في الأولى أو في الثانية فإن زحم في الأولى ولم يتمكن من السجود على ظهر ولا قدم انتظر حتى يزول الزحام ثم يسجد ويتبع إمامه مثل ما [ روي عن النبي A في صلاة الخوف بعسفان سجد معه صف وبقي صف لم يسجد معه فلما قام إلى الثانية سجدوا ] وجاز ذلك للحاجة كذا ها هنا فإذا قضى ما عليه وأدرك الإمام في القيام أو في الركوع أتبعه فيه وصحت له الركعة وكذا إذا تعذر عليه السجود مع إمامه لمرض أو نوم أو نسيان لأنه معذور في ذلك فأشبه المزحوم فإن خاف أنه إن تشاغل بالسجود فاته الركوع مع الإمام في الثانية لزمه متابعته وتصير الثانية أولاه وهذا قول مالك وقال أبو حنيفة يشتغل بقضاء السجود لأنه قد ركع مع الإمام فيجب عليه السجود بعده كما لو زال الزحام والإمام قائم ولـ الشافعي كالمذهبين .
ولنا قول النبي A : [ إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا ] فإن قيل فقد قال : [ فإذا سجد فاسجدوا ] قلنا قد سقط الأمر بالمتابعة في السجود عن هذا لعذره وبقي الأمر بالمتابعة في الركوع متوجها لإمكانه ولأنه خائف فوات الركوع فلزمه متابعة إمامه فيه كالمسبوق فأما إذا كان الإمام قائما فليس هذا اختلافا كثيرا وقد فعل النبي A مثله بعسفان إذا تقرر هذا فإنه إن اشتغل بالسجود معتقدا تحريمه لم تصح صلاته لأنه ترك واجبا عمدا وفعل ما لا يجوز له فعله وإن اعتقد جواز ذلك فسجد لم يعتد بسجوده لأنه سجد في موضع الركوع جهلا فأشبه الساهي ثم إن أدرك الإمام في الركوع ركع معه وصحت له الثانية دون الأولى وتصير الثانية أولاه فإن فاته الركوع سجد معه فإن سجد السجدتين فقال القاضي : يتم بهما الركعة الأولى وهذا مذهب الشافعي وقياس المذهب أنه متى قام إلى الثانية وشرع في ركوعها أو شيء من أفعالها المقصودة أن الركعة الأولى تبطل على ما ذكر في سجود السهو ولكن إن لم يقم ولكن سجد السجدتين من غير قيام تمت ركعته وقال أبو الخطاب : إذا سجد معتقدا جواز ذلك اعتد له به وتصح له الركعة كما لو سجد وإمامه قائم ثم إن أدرك الإمام في ركوع الثانية صحت له الركعتان وإن أدرك بعد رفع رأسه من ركوعه فينبغي أن يركع ويتبعه لأن هذا سبق يسير ويحتمل أن تفوته الثانية بفوات الركوع وإن أدركه في التشهد تابعه وقضى ركعة بعد سلامه كالمسبوق وقال أبو الخطاب : ويسجد للسهو ولا وجه للسجود ها هنا لأن المأموم لا سجود عليه لسهو ولأن هذا فعله عمدا ولا يشرع السجود للعمد وإن زخم عن سجدة واحدة أو عن الاعتدال بين السجدتين أو بين الركوع والسجود أو عن جميع ذلك فالحكم فيه كالحكم في الزحام عن السجود فأما إن زحم عن السجود في الثانية فزال الزحام قبل سلام الإمام سجدوا تبعه وصحت الركعة وإن لم يزل حتى سلم فلا يخلو من أن يكون أدرك الركعة الأولى أو لم يدركها فإن أدركها فقد أدرك الجمعة بإدراكها ويسجد الثانية بعد سلام الإمام ويتشهد ويسلم وقد تمت جمعته وإن لم يكن أدرك الأولى فإنه يسجد بعد سلام إمامه وتصح له الركعة وهل يكون مدركا للجمعة بذلك على روايتين .
فصل : وإذا ركع مع الإمام ركعة فلما قم ليقضي الأخرى ذكر أنه لم يسجد مع إمامه إلا سجدة واحدة أو شك هل سجد واحدة أو اثنتين فإنه إن لم يكن شرع في قراءة الثانية رجع فسجد للأولى فأتمها وقضى الثانية وتمت جمعته نص أحمد على هذا في رواية الأثرم وإن كان شرع في قراءة الثانية بطلت الأولى وصارت الثانية أولاه وعلى كلا الحالتين يتمها جمعة على ما نقله الأثرم وقياس الرواية الأخرى في المزحوم أنه يتمها ها هنا ظهرا لأنه لم يدرك ركعة كاملة ولو قضى الركعة الثانية ثم علم أنه ترك سجدة من إحداهما لا يدري من أي الركعتين تركها أو شك في تركها فالحكم واحد ويجعلها من الأولى ويأتي بركعة مكانها وفي كونه مدركا للجمعة وجهان بناء على الروايتين فأما إن شك في إدراك الركوع مع الإمام مثل أن كبر والإمام راكع فرفع إمامه رأسه فشك هل أدرك المجزي من الركوع مع الإمام أو لا لم يعتد بتلك الركعة ويصلي ظهرا قولا واحدا لأن الأصل أنه ما أتى بها معه .
فصل : وكل من أدرك مع الإمام ما لا يتم به جمعة فإنه في قول الخرقي ينوي ظهرا فإن نوى جمعة لم تصح في ظاهر كلامه لأنه اشترط للبناء على ما أدرك أن يكون قد دخل بنية الظهر فمفهومه أنه إذا دخل بنية الجمعة لم يبن عليها وكلام أحمد في رواية صالح و ابن منصور يحتمل هذا لقوله في من أحرم ثم زحم على الركوع والسجود حتى سلم إمامه قال : تستقبل ظهرا أربعا فيحتمل أنه أراد أنه يستأنف الصلاة وذلك لأن الظهر لا تتأدى بنية الجمعة ابتداء وكذلك دواما كالظهر مع العصر وقال أبو إسحق بن شاقلا : ينوي جمعة لئلا يخالف نية إمامه ثم يبني عليها ظهرا أربعا وهذا ظاهر قول قتادة و أيوب و يونس و الشافعي لأنهم قالوا في الذي أحرم مع الإمام بالجمعة ثم زحم عن السجود حتى سلم الإمام أتمها أربعا فجوزوا له إتمامها ظهرا مع كونه إنما أحرم بالجمعة وقال الشافعي : من أدرك ركعة فلما سلم الإمام علم أن عليه منها سجدة قال : يسجد سجدة ويأتي بثلاث ركعات لأنه يجوز أن يأتم بمن يصلي الجمعة فجاز أن يبني صلاته على نيتها كصلاة المقيم مع المسافر وكما ينوي أنه مأموم ويتم بعد سلام إمامه منفردا ولا يصح أن ينوي الظهر خلف من يصلي الجمعة في ابتدائها وكذلك في أثنائها .
فصل : وإذا صلى الإمام الجمعة قبل الزوال فأدرك المأموم معه دون الركعة لم يكن له الدخول معه لأنها في حقه ظهر فلا يجوز قبل الزوال كعذر يوم الجمعة فإن دخل معه كانت نفلا في حقه ولم تجزئه عن الظهر ولو أدرك منها ركعة ثم زحم عن سجودها وقلنا تصير ظهرا فإنها تنقلب نفلا لئلا تكون ظهرا قبل وقتها .
فصل : ولو صلى مع الإمام ركعة ثم زحم في الثانية وأخرج من الصف فصار فذا فنوى الانفراد عن الإمام فقياس المذهب أنه يتمها جمعة لأنه مدرك لركعة منها مع الإمام فيبنى عليها جمعة كما لو أدرك الركعة الثانية وإن لم ينو الانفراد وأتمها مع الإمام ففيه روايتان إحداهما لا تصح لأنه فذ في ركعة كاملة أشبه ما لو فعل ذلك عمدا والثانية تصح لأنه قد يعفى في البناء عن تكميل الشروط كما لو خرج الوقت وقد صلوا ركعة وكالمسبوق بركعة يقضي ركعة وحده