مسألة وفصول : ما يباح الترخيص فيه من الأسفار - تغيير النية .
مسألة : قال : إذا كان سفره واجبا أو مباحا .
وجملته أن الرخص المختصة بالسفر من القصر والجمع والفطر والمسح ثلاثا والصلاة على الراحلة تطوعا يباح في السفر الواجب والمندوب والمباح كسفر التجارة ونحوه وهذا قول أكثر أهل العلم .
وروي ذلك عن علي وابن عباس وابن عمر وبه قال الأوزاعي و الشافعي و إسحق وأهل المدينة وأصحاب الرأي وعن ابن مسعود لا يقصر إلا في حج أو جهاد لأن الواجب لا يترك إلا لواجب وعن عطاء كقول الجماعة وعنه لا يقصر إلا في سبيل من سبيل الخير لأن النبي A إنما قصر في سفر واجب أو مندوب .
ولنا قول الله تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } وقوله تعالى : { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } و [ قالت عائشة : إن الصلاة أول ما فرضت ركعتان فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر ] متفق عليه و [ عن ابن عباس Bه قال : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة ] رواه مسلم و [ قال عمر Bه : صلاة السفر ركعتان والجمعة ركعتان والعيد ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد A وقد خاب من افترى ] رواه سعيد و بان ماجة .
وروي عن إبراهيم أنه قال : [ أتى النبي A رجل فقال : يا رسول الله إني أريد البحرين في تجارة فكيف تأمرني في الصلاة فقال له رسول الله A : صل ركعتين ] رواه سعيد عن أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم وقال صفوان بن عسال : [ أمرنا رسول الله A إذا كنا مسافرين سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن ] وهذه النصوص تدل على إباحة الرخص في كل سفر وقد كان النبي A يترخص في عوده من سفره وهو مباح .
فصل : ولا تباح هذه الرخص في سفر المعصية كالاباق وقطع الطريق والتجارة في الخمر والمحرمات نص عليه أحمد وهو مفهوم كلام الخرقي لتخصيصه الواجب والمباح وهذا قول الشافعي وقال الثوري و الأوزاعي و أبو حنيفة له ذلك احتجاجا بما ذكرنا من النصوص ولأنه مسافر فأبيح له الترخص كالمطيع .
ولنا قول الله تعالى : { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } أباح الأكل لمن لم يكن عاديا ولا باغيا فلا يباح لباغ ولا عاد قال ابن عباس : غير باغ على المسلمين مفارق لجماعتهم يخيف السبيل ولا عاد عليهم ولأن الترخص شرع للإعانة على تحصيل المقصد المباح توصلا إلى المصلحة فلو شرع ها هنا لشرع إعانة على المحرم تحصيلا للمفسدة والشرع منزه عن هذا والنصوص وردت في حق الصحابة وكانت أسفارهم مباحة فلا يثبت الحكم في من سفره مخالف لسفرهم ويتعين حمله على ذلك جمعا بين النصين وقياس المعصية على الطاعة بعيد لتضادهما .
فصل : فإن عدم العاصي بسفره الماء فعليه أن يتيمم لأن الصلاة واجبة لا تسقط والطهارة لها واجبة أيضا فيكون ذلك عزيمة وهل تلزمه الإعادة على وجهين أحدهما لا تلزمه لأن التيمم عزيمة بدليل وجوبه والرخص لا تجب والثاني عليه الإعادة لأنه حكم يتعلق بالسفر أشبه بقية الرخص والأول أولى لأنه أتى بما أمره به من التيمم والصلاة فلم يلزمه إعادتها ويفارق بقية الرخص فإنه يمنع منها وهذا يجب فعله ولأن حكم بقية الرخص المنع من فعلها ولا يمكن تعدية هذا الحكم إلى التيمم ولا إلى الصلاة لوجوب فعلهما ووجوب الإعادة ليس بحكم في بقية الرخص فكيف يمكن أخذه منها أو تعديته عنها ويباح له المسح يوما وليلة لأن ذلك لا يختص السفر فأشبه الاستجمار والتيمم وغيرهما من رخص الحضر وقيل لا يجوز لأنه رخصة فلم تبح له كرخص السفر والأول أولى وهذا ينتقض بسائر رخص الحضر .
فصل : إذا كان السفر مباحا فغير نيته إلى المعصية انقطع الترخص لزوال سببه ولو سافر لمعصية فغير نيته إلى مباح صار سفرا مباحا وأبيح له ما يباح في السفر المباح وتعتبر مسافة السفر من حين غير النية ولو كان سفره مباحا فنوى المعصية بسفره ثم رجع إلى نية المباح اعتبرت مسافة القصر من حين رجوعه إلى نية المباح لأن حكم سفره انقطع بنية المعصية فأشبه ما لو نوى الإقامة ثم عاد فنوى السفر فأما إن كان السفر مباحا لكنه يعصي فيه لم يمنع ذلك الترخص لأن السبب هو السفر المباح وقد وجد فثبت حكمه ولم يمنعه وجود معصية كما أن معصيته في الحضر لا تمنع الترخص فيه .
فصل : وفي سفر التنزه والتفرج روايتان إحداهما تبيح الترخص وهذا ظاهر كلام الخرقي لأنه سفر مباح فدخل في عموم النصوص المذكورة وقياسا على سفر التجارة والثانية لا يترخص فيه قال أحمد : إذا خرج الرجل إلى بعض البلدان تنزها وتلذذا وليس في طلب حديث ولا حج ولا عمرة ولا تجارة فإنه لا يقصر الصلاة لأنه إنما شرع إعانة على تحصيل المصلحة ولا مصلحة في هذا والأول أولى .
فصل : فإن سافر لزيارة القبور والمشاهد فقال ابن عقيل : لا يباح له الترخص لأنه منهي عن السفر إليها قال النبي A : [ لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ] متفق عليه والصحيح إباحته وجواز القصر فيه لأن النبي A كان يأتي قباء راكبا وماشيا وكان يزور القبور وقال : [ زوروها تذكركم الآخرة ] وأما قوله عليه السلام : [ لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ] فيحمل على نفي التفضيل لا على التحريم وليست الفضيلة شرطا في إباحة القصر فلا يضر انتفاؤها