مسألة وفصول : متى يبتدئ حكم السفر ومتى ينتهي ؟ .
مسألة : قال : إذا جاوز بيوت قريته .
وجملته أنه ليس لمن نوى السفر القصر حتى يخرج من بيوت قريته ويجعلها وراء ظهره وبهذا قال مالك و الشافعي و الأوزاعي و إسحق و أبو ثور وحكي ذلك عن جماعة من التابعين وحكي عن عطاء و سليمان بن موسى أنهما أباحا القصر في البلد لمن نوى السفر وعن الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفرا فصلى بهم في منزله ركعتين وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب عبد الله وروى عبيد بن جبير قال : كنت مع أبي بصرة الغفاري في سفينة من الفسطاط في شهر رمضان فدفع ثم قرب غذاؤه فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة ثم قال اقترب قلبت ألست ترى البيوت قال أبو بصرة : أترغب عن سنة رسول الله A فأكل رواه أبو داود .
ولنا قول الله تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } ولا يكون ضاربا في الأرض حتى يخرج وقد روي [ عن النبي A أنه كان يبتدئ القصر إذا خرج من المدينة ] [ قال أنس : صليت مع النبي A الظهر بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ] ركعتين متفق عليه فأما أبو بصرة فإنه لم يأكل حتى دفع وقوله لم يجاوز البيوت معناه والله أعلم لم يبعد منها بدليل قول عبيد له : ألست ترى البيوت ؟ إذا ثبت هذا فإنه يجوز له القصر وإن كان قريبا من البيوت قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للذي يريد السفر أن يقصر الصلاة إذا خرج من بيوت القرية التي يخرج منها وروي عن مجاهد أنه قال : إذا خرجت مسافرا فلا تقصر الصلاة يومك ذلك إلى الليل وإذا رجعت ليلا فلا تقصر ليلتك حتى تصبح .
ولنا قول الله تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } وأن النبي A كان إذا خرج من المدينة لم يزد على ركعتين حتى يرجع إليها وحديث أبي بصرة وقال عبد الرحمن الهمذاني : خرجنا مع علي Bه مخرجه إلى صفين فرأيته صلى ركعتين بين الجسر وقنطرة الكوفة وقال البخاري : خرج علي فقصر وهو يرى البيوت فلما رجع قيل له هذه الكوفة قال : لا حتى ندخلها ولأنه مسافر فأبيح له القصر كما لو بعد .
فصل : وإن خرج من البلد وصار بين حيطان بساتينه فله القصر لأنه قد ترك البيوت وراء ظهره وإن كان حول البلد خراب قد تهدم وصار فضاء أبيح له القصر فيه لذلك وإن كانت حيطانه قائمة فكذلك قاله الآمدي وقال القاضي : لا يباح وهو مذهب الشافعي لأن السكنى فيه ممكنة أشبه العامر .
ولنا أنها غير معدة للسكنى أشبهت حيطان البساتين وإن كان في وسط البلد نهر فاجتاز فليس له القصر لأنه لم يخرج من البلد ولم يفارق البنيان فأشبه الرحبة والميدان في وسط البلد وإن كان للبلد محال كل محلة منفردة عن الأخرى كبغداد فمتى خرج من محلته أبيح له القصر إذا فارق محلته وإن كان بعضها متصلا ببعض لم يقصر حتى يفارق جميعها ولو كانت قريتان متدانيتين فاتصل بناء إحداهما بالأخرى فهما كالواحدة وإن لم يتصل فلكل قرية حكم نفسها .
فصل : وإذا كان البدوي في حلة لم يقصر حتى يفارق حلته وإن كانت حللا فلكل حلة حكم نفسها كالقرى وإن كان بيته مفردا فحتى يفارق منزله ورحله ويجعله وراء ظهره كالحضري