مسألة وفصول : ما تقطع الصلاة بمروره أمام المصلي .
مسألة : قال : ولا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود البهيم .
يعني إذا مر بين يديه هذا المشهور عن أحمد C نقله الجماعة عنه قال الأثرم : سئل أبو عبد الله ما يقطع الصلاة ؟ قال : لا يقطعها عندي شيء إلا الكلب الأسود البهيم وهذا قول عائشة وحكي عن طاوس وروي عن معاذ و مجاهد أنهما قالا : الكلب الأسود البهيم شيطان وهو يقطع الصلاة ومعنى البهيم الذي ليس في لونه شيء سوى السواد وعن أحمد رواية أخرى أنه يقطعها الكلب الأسود والمرأة إذا مرت والحمار قال : وحديث عائشة من الناس من قال : ليس بحجة على هذا لأن المار غير اللابث وهو في التطوع وهو أسهل والفرض آكد وحديث ابن عباس مررت بين يدي بعض الصف ليس بحجة لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه وروي هذا القول عن أنس وعكرمة و الحسن و أبي الأحوص ووجه هذا القول ما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله A : [ يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب وبقي ذلك مثل مؤخرة الرحل ] وعن أبي ذر قال : قال رسول الله A : [ إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره مثل آخرة الرحل فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود ] [ قال عبد الله بن الصامت : يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر قال : يا بن أخي سألت رسول الله A كما سألتني فقال : الكلب الأسود شيطان ] رواهما مسلم و أبو داود وغيرهما و [ قال النبي A للذي مر بي يديه على حمار : ( قطع صلاتنا ) ] وقد ذكرنا هذا الحديث وكان ابن عباس و عطاء يقولان [ يقطع الصلاة الكلب والمرأة الحائض ] ورواه ابن عباس عن النبي A أخرجه أبو داود و ابن ماجة قال أبو داود رفعه شعبة ووقفه سعيد وهشام وعمام على ابن عباس وقال عروة و الشعبي و الثوري و مالك و الشافعي وأصحاب الرأي لا يقطع الصلاة شيء لما روى أبو سعيد قال : قال رسول الله A : [ لا يقطع الصلاة شيء ] رواه أبو داود وعن [ الفضل بن عباس قال : أتانا رسول الله A ونحن في بادية فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة وحمارة لنا وكلبة يعبثان بي يديه فما بالى ذلك ] رواه أبو داود وقالت عائشة [ كان رسول الله A يصلي صلاته من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة ] وحديث ابن عباس [ أقبلت راكبا على حمار أتان والنبي A يصلي فمررت على بعض الصف ونزلت فأرسلت الأتان ترتع فدخلت في الصف فلم ينكر علي أحد ] متفق عليهما .
وحديث [ زينب بنت أم سلمة حين مرت بين يدي رسول الله A فلم يقطع صلاته ] وروي [ أن النبي A كان يصلي فجاءت جاريتان من بني عبد المطلب حتى أخذتا بركبتيه فقرع بينهما فما بالى بذلك ] .
ولنا حديث أبي هريرة وأبي ذر وحديث أبي سعيد لا يقطع الصلاة شيء يرويه مجالد بن سعيد وهو ضعيف فلا يعارض به الحديث الصحيح ثم حديثنا أخص فيجب تقديمه لصحته وخصوصه وحديث الفضل ابن عباس في إسناده مقاتل ثم يحتمل أن الكلب لم يكن أسود ولا بهيما ويجوز أن يكونا بعيدين ثم هذه الأحاديث كلها في المرأة والحمار ويعارض حديث أبي هريرة وأبي ذر فيهما فيبقى الكلب الأسود خاليا عن معارض فيجب القول به لثبوته وخلوه عن معارض .
فصل : ولا يقطع الصلاة شيء سوى ما ذكرنا لا من الكلاب ولا من غيرها لأن النبي A خصها بالذكر وقيل له ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر قال : [ الكلب الأسود شيطان ] الكلب الأسود إذا لم يكن بهيما لم يقطع الصلاة لتخصيصه البهيم بالذكر ولقوله عليه السلام : [ لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها كل أسود بهيم فإنه شيطان ] فبين أن الشيطان هو الأسود البهيم قال ثعلب : البهيم كل لون لم يخالطه لون آخر فهو بهيم فمتى كان فيه لون آخر فليس ببهيم وإن كان بين عينيه نكتتان يخالفان لونه لم يخرج بهذا عن كونه بهيما يتعلق به أحكام الأسود البهيم من قطع الصلاة وتحريم صيده وإباحة قتله فإنه قد روي في حديث : [ عليكم بالأسود البهيم ذي الغرتين فإنه شيطان ] .
فصل : ولا فرق في بطلان بين الفرض والتطوع لعموم الحديث في كل صلاة ولأن مبطلات الصلاة يتساوى فيها الفرض والتطوع في غير هذا فكذلك هذه وقد روي عن أحمد كلام يدل على التسهيل في التطوع فالصحيح التسوية وقد قال أحمد : يحتجون في حديث عائشة فإنه في التطوع وما أعلم بين المتطوع والفريضة فرقا إلا أن التطوع يصلى على الدابة .
فصل : فإن كان الكلب الأسود البهيم واقفا بين يدي المصلي أو نائما ولم يمر بين يديه فعنه روايتان إحداهما تبطل لأنه بين يديه أشبه المار وقد قالت عائشة : عدلتمونا بالكلاب والحمر وذكرت في معارضة ذلك أنها كانت تكون معترضة بين يدي رسول الله A وهو يصلي كاعتراض الجنازة فيدل ذلك على التسوية بينهما ولأن النبي A قال : [ يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب ] ولم يذكر مرورا والثانية لا تبطل الصلاة به لأن الوقوف والنوم مخالف لحكم المرور بدليل [ أن عائشة كانت تنام بين يدي رسول الله A فلا يكرهه ولا ينكره ] وقد قال في المار : [ لأن يقف أربعين خير له من أن يمر بي يديه ] وكان يصلي إلى البعير ولو مر بين يديه لم يدعه ولهذا منع البهيمة من المرور وكان ابن عمر يقول لنافع ولني ظهرك ليستتر به ممن يمر بين يديه وقعد عمر بين يدي المصلي يستره من المرور فدل على أن الوقوف ليس في حكم المرور فلا يقاس عليه وقول النبي A يقطع الصلاة لا بد فيه من إضمار المرور أو غيره فيتعين حمله عليه .
فصل : ومن صلى إلى سترة فمر من ورائها ما يقطع الصلاة لم تنقطع وإن مر من ورائها غير ما يقطعها لم يكره لما مر من الأحاديث وإن مر بينه وبينها قطعها إن كان مما يقطعها وإن لم يكن بين يديه سترة فمر بين يديه قريبا منه ما يقطعها قطعها وإن كانت مما لا يقطعها كره وإن كان بعيدا لم يتعلق به حكم ولا أعلم أحدا من أهل العلم حد البعيد من ذلك ولا القريب إلا أن عكرمة قال إذا كان بينك وبين الذي يقطع الصلاة قذفة بحجر لم يقطع الصلاة .
وقد روى عبد بن حميد في مسنده و أبو داود في سننه عن عكرمة عن ابن عباس قال : أحسبه عن رسول الله A أنه قال : [ إذا صلى أحدكم إلى غير سترة فإنه يقطع صلاته الكلب والحمار والخنزير والمجوسي واليهودي والمرأة ويجزي عنه إذا مروا بين يديه قذفة بحجر ] هذا لفظ رواية أبي داود وفي مسند عبد بن حميد [ والنصراني والمرأة الحائض ] وهذا الحديث لو ثبت لتعين المصير إليه غير أنه لم يجزم برفعه وفيه ما هو متروك بالإجماع وهو ما عدا الثلاثة المذكورة ولا يمكن تقيد ذلك بموضح السجود فإن قوله عليه السلام [ إذا لم تكن بين يديه مثل آخرة الرحل قطع صلاته الكلب الأسود ] يدل على أن ما هو أبعد من السترة تنقطع صلاته بمرور الكلب فيه والسترة تكون أبعد من موضع السجود والصحيح تحديد ذلك بما إذا مشى إليه ودفع المار بين يديه لا تبطل صلاته لأن النبي A أمر بدفع المار بين يديه فتقيد لدلالة الإجماع بما يقرب منه بحيث إذا مشى إليه لم تبطل صلاته واللفظ في الحديثين واحد وقد تعذر حملهما على إطلاقهما وقد تقيد أحدهما بدلالة الإجماع بقيد فتقيد الآخر به والله أعلم .
فصل : إذا صلى إلى سترة مغصوبة فاجتاز وراءها كلب أسود فهل تنقطع صلاته فيه وجهان ذكرهما ابن حامد إحداهما تبطل صلاته لأنه ممنوع من نصبها والصلاة إليها فوجودها كعدمها والثاني لا تبطل لقول النبي A يقي ذلك مثل آخرة الرحل وهذا وقد وجد وأصل الوجهين إذا صلى في ثوب مغصوب هل تصح صلاته ؟ على روايتين