مسألة وفصول : صفة المرض المبيح لترك القيام وكيفية الجلوس .
مسألة : قال : والمريض إذا كان القيام يزيد في مرضه صلى قاعدا .
أجمع أهل العلم على أن من لا يطيق القيام له أن يصلي جالسا وقد [ قال النبي A لعمران بن حصين : صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب ] رواه البخاري و أبو داود و النسائي و زاد [ فإن لم تستطع فمستلقيا ] { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } و [ روىأنس قال سقط رسول الله A عن فرس فخدش أو جحش شقه الأيمن فدخلنا عليه نعوده فحضرت الصلاة فصلى قاعدا وصلينا خلفه قعودا ] متفق عليه وإن إمكنه القيام إلا أنه يخشى زيادة مرضه به أو تباطؤ برئه أو يشق عليه مشقة شديدة فله أن يصلي قاعدا ونحو هذا قال مالك و إسحاق وقال ميمون بن مهران : إذا لم يستطع أن يقوم لدنياه فليصل جالسا وحكي عن أحمد نحو ذلك .
ولنا : قول الله تعالى : { ما جعل عليكم في الدين من حرج } وتكليف القيام في هذه الحال حرج ولأن النبي A صلى جالسا لما جحش شقه الأيمن والظاهر أنه لم يكن يعجز عن القيام بالكلية لكن لما شق عليه القيام سقط عنه فكذلك تسقط عن غيره وإذا صلى قاعدا فإنه يكون جلوسه على صفة جلوس المتطوع جالسا على ما ذكرنا .
فصل : وإن قدر على القيام بأن يتكئ على عصا أو يستند إلى حائط أو يعتمد على أحد جانبيه لزمه لأنه قادر على القيام من غير ضرر فلزمه كما لو قدر بغير هذه الأشياء .
فصل : وإن قدر على القيام إلا أنه يكون على هيئة الراكع كالأحدب أو من هو في بيت قصير السقف لا يمكنه الخروج منه أو في سفينة أو خائف لا يأمن أن يعلم به إذا رفع رأسه فإنه إن كان لحدب أو كبر لزمه قيام مثله وإن كان لغير ذلك احتمل أن يلزمه القيام قياسا على الأحدب واحتمل أن لا يلزمه فإن أحمد C قال في الذي في السفينة لا يقدر على أن يستتم قائما لقصر سماء السفينة يصلي قاعدا إلا أن يكون شيئا يسيرا فيقاس عليه سائر ما في معناه لقول النبي A : [ صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا ] وهذا لم يستطع القيام .
فصل : ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود لم يسقط عنه القيام ويصلي قائما فيومئ بالركوع ثم يجلس فيومئ بالسجود وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : يسقط القيام لأنها صلاة لا ركوع فيها ولا سجود فسقط فيها القيام كصلاة النافلة على الراحلة .
ولنا : قول الله تعالى : { وقوموا لله قانتين } وقول النبي A : [ صل قائما ] ولأن القيام ركن قدر عليه فلزمه الإتيان به كالقراءة والعجز عن غيره لا يقتضي سقوطه كما لو عجز عن القراءة وقياسهم فاسد لوجوه أحدها أن الصلاة على الراحلة لا يسقط فيها الركوع والثاني إن النافلة لا يجب فيها القيام فما سقط على الراحلة لسقوط الركوع والسجود والثالث أنه منقوض بصلاة الجنازة .
فصل : وإن قدر المريض على الصلاة وحده قائما ولا يقدر على ذلك مع الإمام لتطويله يحتمل أن يلزمه القيام ويصلي وحده لأن القيام آكد لكونه ركنا في الصلاة لا تتم إلا به والجماعة تصح الصلاة بدونها واحتمل أنه مخير بين الأمرين لأننا أبحنا له ترك القيام المقدور عليه مع إمام الحي العاجز عن القيام مراعاة للجماعة فههنا أولى ولأن العجز يتضاعف بالجماعة أكثر من تضاعفه بالقيام بدليل : [ عن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم ] و [ صلاة الجماعة تفضل على صلاة الرجل وحده سبعا وعشرين درجة ] وهذا أحسن وهو مذهب الشافعي