مسألة وفصول : جواز التطوع جلوسا وصفته .
مسألة : قال : ويباح أن يتطوع جالسا .
لا نعلم خلافا في إباحة التطوع جالسا وأنه في القيام أفضل وقد قال النبي A : [ من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ] متفق عليه وفي لفظ مسلم [ صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة ] وقالت عائشة أن النبي A لم يمت حتى كان كثير من صلاته وهو جالس وروي نحو ذلك عن حفصة وعبد الله بن عمرو وجابر بن سمرة أخرجهن مسلم ولأن كثيرا من الناس يشق عليه طول القيام فلو وجب في التطوع لترك أكثره فسامح الشارع في ترك القيام فيه ترغيبا في تكثيره كما سامح في فعله على الراحلة في السفر وسامح في نية صوم التطوع من النهار .
مسألة : قال : ويكون في حال القيام متربعا ويثني رجليه في الركوع والسجود .
وجملته أن يستحب للمتطوع جالسا أن يكون في حال القيام متربعا روي عن ابن عمر وأنس و ابن سيرين و مجاهد و سعيد بن جبير و مالك و الثوري و الشافعي و إسحاق وعن أبي حنيفة وعنه يجلس كيف شاء وروي عن ابن المسيب وعروة وابن عمر يجلس كيف شاء لأن القيام سقط فسقطت هيئته وروي عن ابن المسيب وعروة و ابن سيرين و عمر بن عبد العزيز و عطاء الخراساني أنهم كانوا يحتبون في التطوع واختلفت فيه عن عطاء و النخعي .
ولنا : أن القيام يخالف القعود فينبغي هيئته في بدله هيئة غير كمخالفة القيام غيره وهو مع هذا أبعد من السهو والاشتباه وليس إذا سقط القيام لمشقة يلزم سقوط ما لا مشقة فيه كمن سقط عنه الركوع والسجود لا يلزم سقوط الإيماء بهما وهذا الذي ذكرنا من صفة الجلوس مستحب غير واجب إذ لم يرد بإيجابه دليل فأما قوله ويثني رجليه في الركوع والسجود - فقد روي عن أنس قال أحمد يروى عن أنس أنه صلى متربعا فلما ركع ثنى رجله وهذا قول الثوري وحكى ابن المنذر عن أحمد و إسحاق أنه لا يثني رجليه إلا في السجود خاصة ويكون في الركوع على هيئة القيام وذكره أبو الخطاب وهو قول أبي يوسف و محمد وهو أقيس لأن هيئة الراكع في رجليه هيئة القائم فينبغي أن يكون على هيئته وهذا أصح في النظر إلا أن أحمد ذهب إلى فعل أنس وأخذ به .
فصل : وهو مخير في الركوع والسجود إن شاء من قيام وإن شاء من قعود لأن النبي A فعل الأمرين [ قالت عائشة لم أر رسول الله A يصلي صلاة الليل قاعدا قط حتى أسن فكان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين آية أو أربعين آية ثم ركع ] متفق عليه وعنها [ أن رسول الله A كان يصلي ليلا طويلا قائما وليلا طويلا قاعدا وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد ] رواه مسلم قال الترمذي كلا الحديثين صحيح قال : وقال أحمد و إسحاق والعمل على كلا الحديثين