فصول : عظام الميتة ولبنها وبيضها .
مسألة : قال : كذلك آنية عظام الميتة .
يعني أنها نجسه وجملة ذلك أن عظام الميتة نجسة سواء كانت ميتة ما يؤكل لحمه أو ما لا يؤكل لحمه كالفيلة ولا يطهر بحال وهذا مذهب مالك و الشافعي و إسحاق وكره عطاء و طاوس و الحسن و عمر بن عبد العزيز Bهم عظام الفيلة ورخص في الانتفاع بها محمد بن سيرين وغيره و ابن جريج لما روى أبو داود بإسناده عن ثوبان أن رسول الله A [ اشترى لفاطمة Bها قلادة من عصب وسوارين من عاج ] .
ولنا : قول الله تعالى : { حرمت عليكم الميتة } والعظم من جملتها فيكون محرما والفيل لا يؤكل لحمه فهو نجس على كل حال وأما الحديث فقال الخطابي : قال : الأصمعي العاج الذيل ويقال : هو عظم ظهر السلحفاة البحرية وذهب مالك إلى أن الفيل إن ذكي فعظمه طاهر وإلا فهو نجس لأن الفيل مأكول عنده وهو غير صحيح لأن النبي A : [ نهى عن أكل ذي ناب من السباع ] رواه مسلم والفيل أعظمها نابا فأما عظام بقية الميتات فذهب الثوري و أبو حنيفة إلى طهارتها لأن الموت لا يحلها فلا تنجس به كالشعر ولأن علة التنجيس في اللحم والجلد اتصال الدماء والرطوبات به ولا يوجد ذلك في العظام ولنا قول الله تعالى : { قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم } وما يحيا فهو يموت ولأن دليل الحياة الإحساس والألم والألم في العظم أشد في اللحم والجلد الضرس يألم ويلحقه الضرس ويحس ببرد الماء وحرارته وما تحله الحياة يحله الموت مفارقة الحياة وما يحله الموت ينجسه به كاللحم قال الحسن لبعض أصحابه لما سقط ضرسه أشعرت أن بعضي مات اليوم ؟ وقولهم أن سبب التنجيس اتصال الدماء والرطوبات قد أجبنا عنه فيما مضى .
فصل : والقرن والظفر والحافر كالعظم أن أخذ من مذكي فهو طاهر وإن أخذ من حي فهو نجس لقول النبي A : [ ما يقطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة ] رواه الترمذي وقال : حديث حسن غريب وكذلك ما يتساقط من قرون الوعول في حياتها ويحتمل أن هذا طاهر لأنه متصل مع عدم الحياة فيه فلم ينجس بفصله من الحيوان ولا يموت الحيوان كالشعر والخبر أريد به ما يقطع من البهيمة مما فيه حياة لأنه بفصله يموت فتفارقه الحياة بخلاف هذا فإنه لا يموت بفصله فهو أشبه بالشعر وما لا ينجس بالموت لا بأس بعظامه كالسمك لأن موته كتذكية الحيوانات المأكولة .
فصل : ولبن الميتة وانفحتها نجس في ظاهر المذهب وهو قول مالك و الشافعي وروي أنها طاهرة وهو قول أبي حنيفة و داود لأن الصحابة Bهم أكلوا الجبن لما دخلوا المدائن وهو يعمل بالأنفحة وهي تؤخذ من صغار المعز فهو بمنزلة اللبن وذبائحهم ميتة .
ولنا : أنه مائع في وعاء نجس فكان نجسا كما لو حلب في وعاء نجس ولأنه لو أصاب الميتة بعد فصله عنها لكان نجسا فكذلك قبل فصله وأما المجوس فقد قيل إنهم ما كانوا يتولون الذبح بأنفسهم وكان جزاروهم اليهود والنصارى ولو لم ينقل ذلك عنهم لكان الاحتمال موجودا فقد كان فيهم اليهود والنصارى والأصل الحل فلا يزول بالشك وقد روي أن أصحاب النبي A الذين قدموا العراق مع خالد كسروا جيشا من أهل فارس بعد أن نصبوا الموائد ووضعوا طعامهم ليأكلوا فلما فرغ المسلمون منهم جلسوا فأكلوا ذلك الطعام والظاهر أنه كان لحما فلو حكم بنجاسة ما ذبح ببلدهم لما أكلوا من لحمهم شيئا فإذا حكموا بحل اللحم فالجبن أولى وعلى هذا لو دخل أرضا فيها مجوس وأهل الكتاب كان له أكل جبنهم ولحمهم احتجاجا بفعل النبي A وأصحابه .
فصل : وإن ماتت الدجاجة وفي بطنها بيضة قد صلب قشرها فهي طاهرة وهذا قول أبي حنيفة و بعض الشافعية و ابن المنذر و كرهها علي بن أبي طالب وابن عمر وربيعة و مالك و الليث وبعض الشافعية لأنها جزء من الدجاجة .
ولنا : أنها بيضة صلبة القشر طرأت النجاسة عليها فأشبه ما لو وقعت في ماء نجس وقولهم أنها جزء منها غير صحيح وإنما هي مودعة فيها متصلة بها فأشبهت الولد إذا خرج حيا من المتية ولأنها خارجة من حيوان يخلق منها مثل أصلها أشبهت الولد الحي وكراهة الصحابة لها محمولة على كراهة التنزيه استقذارا لها ولو وضعت البيضة تحت طائر فصارت فرخا كان طاهرا بكل حال فإن لم تكمل البيضة فقال بعض أصحابنا ما كان قشره أبيض فهو طاهر وما لم يبيض قشره فهو نجس لأنه ليس عليه حائل حصين واختار ابن عقيل أنه لا ينجس لأن البيضة عليها غاشية رقيقة كالجلد وهو القشر قبل أن يقوي فلا ينجس منها إلا ما كان لاقى النجاسة كالسمن الجامد إذا ماتت فيه فأرة إلا أن هذه تطهر إذا غسلها لأن لها من القوة ما يمنع تداخل أجزاء النجاسة فيها بخلاف السمن