الصلاة في الأماكن المنهي عنها .
فصل : قال القاضي المنع من هذه المواضع تعبد لا لعلة معقولة فعلى هذا يتناول النهي كل ما وقع عليه الأسم فلا فرق في المقبرة بين القديمة والحديثة أتربتها أو لم تتقلت لتناول الأسم لها فإن كان في الموضع قبر أو قبران لم يمنع من الصلاة فيها لأنها لا يتناولها اسم المقبرة وإن نقلت القبور منها جازت الصلاة فيها لأن مسجد رسول الله A كانت فيه قبور المشركين فنبشت متفق عليه ولا فرق في الحمام بين مكان الغسل وصب الماء وبين بيت المسلخ الذي ينزع في الثياب والأتون وكل ما يغلق عليه باب الحمام لتناول الأسم له وما المعاطن فقال أحمد : هي التي تقيم فيها الإبل وتأوي إليها وقيل هي المواضع التي تناخ فيها إذا وردت والأول أجود لأنه جعله مقابلة مراح الغنم والحش المكان الذي يتخذ للغائط والبول فيمنع من الصلاة فيما هو داخل بابه ولا أعلم في منع الصلاة فيه إلا أنه قد منع من ذكر الله تعالى فيه والكلام فمنع الصلاة فيه أولى ولأنه إذا منع الصلاة في هذه المواضع لكونها مظان للنجاسات فهذا أولى فإنه بنى لها ويحتمل أن المنع في هذه المواضع معلل بأنها مظان للنجاسات فإن المقبرة تنبش ويظهر التراب الذي فيه صديد الموتى ودماؤهم ولحومهم ومعاطن الإبل فيها فإن البعير البارك كالجدار يمكن أن يستتر به ويبول كما روي عن ابن عمر أنه أناخ بعيره مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليه ولا يتحقق هذا في حيوان سواها لأنه في حال ربضه لا يستر وفي حال لا يثبت ولا يستر والحمام موضع الأوساخ والبول فنهي عن الصلاة فيها لذلك وتعلق الحكم بها وإن كانت طاهرة لأن المظنة يتعلق الحكم بها وإن خفيت الحكمة فيها ومتى أمكن تعليل الحكم تعين تعليله وكان أولى من قهر التعبد ومرارة التحكم يدل على صحة هذا تعدية الحكم إلى الحش المسكوت عنه بالتنبيه من وجود معنى المنطوق فيه وإلا لم يكن ذلك تنبيها فعلى هذا يمكن قصر الحكم على ما هو مظنة منها فلا يثبت حكم المنع في موضع المسلخ من الحمام ولا في وسطه لعدم المظنة فيه وكذلك ما أشبهه والله أعلم .
فصل : وزاد أصحابنا المجزرة والمزبلة ومحجة الطريق وظهر الكعبة لأنها في خبر عمر وابنه وقالوا : لا يجوز فيها الصلاة ولم يذكرها الخرقي فيحتمل أنه جوز الصلاة فيها وهو قول أكثر أهل العلم لعموم قوله E : [ جعلت لي الأرض مسجدا ] وهو صحيح متفق عليه واستثنى منه المقبرة والحمام ومعاطن الإبل بأحاديث صحيحة خاصة ففيما عدا ذلك يبقى على العموم وحديث عمر وابنه يرويهما العمري و زيد بن جبير وقد تكلم فيهما من قبل حفظهما فلا يترك الحديث الصحيح بحديثهما وهذا أصح وأكثر أصحابنا فيما علمت عملوا بخبر عمر وابنه في المنع من الصلاة في المواضع السبعة ومعنى محجة الطريق الجادة المسلوكة التي تسلكها السابلة وقارعة الطريق يعني التي تقرعها الأقدام فاعلة بمعنى مفعولة مثل الأسواق والمشارع والجادة للسفر ولا بأس بالصلاة فيما علا منها يمنة ويسرة ولم يكثر قرع الأقدام فيه وكذلك لا بأس بالصلاة في الطريق التي يقل سالكوها كطريق الأبيات اليسيرة والمجزرة الموضع الذي يذبح القصابون فيها البهائم وشبههم معروف بذلك معدا والمزبلة الموضع الذي يجمع فيه الزبل ولا فرق في هذه المواضع بين ما كان فيها طاهرا ونجسا ولا بين كون الطريق فيها سالكا أو لم يكن ولا في المعاطن بين أن يكون فيها إبل في الوقت أو لم يكن وأما المواضع التي تبيت فيها الإبل في مسيرها أو تناخ فيها لعلفها ووردها فلا يمنع الصلاة فيها قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل عن موضع فيه أبعار الإبل يصلي فيه ؟ فرخص فيه ثم قال : إذا لم يكن من معاطن الإبل التي نهي عن الصلاة فيها التي تأوي إليها الإبل .
فصل : ويكره أن يصلي إلى هذه المواضع فإن فعل صحت صلاته نص عليه أحمد في رواية أبي طالب وقد سئل عن الصلاة إلى المقبرة والحمام والحش قال : لا ينبغي أن يكون في القبلة قبر ولا حش ولا حمام فإن كان يجزئه وقال أبو بكر : يتوجه في الإعادة قولان أحدهما لموضع النهي وبه أقول والثاني يصح لأنه لم يصل في شيء من المواضع المنهي عنها وقال أبو عبد الله بن حامد إن صلى إلى المقبرة والحش فحكمه حكم المصلي فيهما إذا لم يكن بينه وبينهما حائل لما روى أبو مرثد الغنوي أنه سمع رسول الله A يقول : [ لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا إليها ] متفق عليه وقال الأثرم ذكر أحمد حديث أبي مرثد ثم قال إسناده جيد وقال أنس : رآني عمر وأنا أصلي إلى قبر يشير إلي : القبر القبر قال القاضي وفي هذا تنبيه على نظائره من المواضع التي نهي عن الصلاة فيها والصحيح أنه لا بأس بالصلاة إلى شيء من هذه المواضع إلا المقبرة لأن قوله E : [ جعلت الأرض مسجدا ] يتناول الموضع الذي يصلي فيه من هي في قبلته وقياس ذلك على الصلاة إلى المقبرة لا يصح لأن النهي إن كان تعبدا غير معقول المعنى امتنع تعديته ودخول القياس فيه وإن كان لمعنى مختص بها وهو اتخاذ القبور مسجدا والتشبه بمن يعظمها ويصلي إليها فلا يتعداها الحكم لعدم وجود المعنى في غيرها وقد قال النبي A : [ إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصوالحهم مساجد ألا فلا تتخوا القبور مساجد أني أنهاكم عن ذلك ] وقال : [ لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ] يحذر ما صنعوا متفق عليهما فعلى هذا لا تصح الصلاة إلى القبور للنهي عنها ويصح إلى غيرها لبقائها في عموم الإباحة وامتناع قياسها على ما ورد النهي فيه والله أعلم .
فصل : وإن صلى على سطح الحش أو الحمام أو عطن الإبل أو غيرها فذكر القاضي أن حكمه حكم المصلي فيها لأن الهواء تابع للقرار فيثبت فيه حكمه ولذلك لو حلف لا يدخل دارا فدخل سطحها حنث ولو خرج المعتكف إلى سطح المسجد كان له ذلك لأن حكمه حكم المسجد والصحيح إن شاء الله قصر النهي على ما تناوله وأنه لا يعدى إلى غيره لأن الحكم إن كان تعبديا فالقياس فيه ممتنع وإن علل فإنما يعلل بكونه للنجاسة ولا يتخيل هذا في سطحها فأما أن بنى على طريق ساباطا أو أخرج عليه خروجا فعلى قول القاضي حكمه حكم الطريق لما ذكره فيما تقدم وعلى قولنا إن كان الساباط مباحا له مثل أن يكون في درب غير نافذ بإذن أهله مستحقا له أو حدث الطريق بعده فلا بأس بالصلاة عليه وإن كان على طريق نافذ فليس ذلك له فيكون المصلي فيه كالمصلي في الموضع المغصوب على ما سنذكره إن شاء الله تعالى وإن كان الساباط على نهر تجري فيه السفن فهو كالساباط على الطريق في القولين جميعا وهذا مما يدل على ما ذكرناه لأنه لو كانت العلة كونه تابعا للقرار لجازت الصلاة ههنا لكون القرار غير ممنوع من الصلاة فيه بدليل ما لو صلى عليه في سفينة أو لو جمد ماؤه فصلى عليه صح ولأنه لو كانت العلة ما ذكره لصحت الصلاة على ما حاذى ميمنة الطريق وميسرتها وما لا تقرعه الأقدام منها وهذا فيما إذا كان السطح جاريا على موضع النهي فإن كان المسجد سابقا وجعل تحته طريق أو عطن أو غيرهما من مواضع النهي أو كان في غير مقبرة فحدثت المقبرة حوله لم تمتنع الصلاة فيه بغير خلاف لأنه لم يتبع ما حدث بعده والله أعلم