مسألة وفصل : الفرق بين شك الإمام وشك المنفرد .
مسألة : قال : ومن كان إماما فشك فلم يدركم صلى تحرى فبنى على أكثر وهمه ثم سجد بعد السلام كما روي عن عبد الله بن مسعود عن النبي A .
قوله على أكثر وهمه أي ما يغلب على ظنه أنه صلاة وهذا في الإمام خاصة وروي عن أحمد C رواية أخرى أنه يبني على اليقين ويسجد قبل السلام كالمنفرد سواء اختارها أبو بكر وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو و شريح و الشعبي و عطاء و سعيد بن جبير وهو قول سالم بن عبد الله بن ربيعة ومالك بن عبد العزيز بن أبي سلمة و الثوري و الشافعي و إسحاق و الأوزاعي لما روى أبو سعيد الخدري قال : قال رسول الله A : [ إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدركم صلى أثلاثا أم أربعا ؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته وإن كان صلى تمام الأربع كانتا ترغيما للشيطان ] أخرجه مسلم و أبو داود و ابن ماجة وعن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله A قال : [ إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أزاد أو نقص فإن كان شك في الواحدة والاثنتين فليجعلهما واحدة حتى يكون الوهم في الزيادة ثم ليسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم ثم يسلم ] رواه الأثرم و ابن ماجة ولأن الأصل عذر الإتيان بما شك فيه فلزمه الإتيان به كما لو شك هل صلى أو لا وذكر ابن أبي موسى في الإرشاد عن أحمد رواية أخرى في المنفرد أنه يبني على غالب ظنه كالإمام وهو ظاهر كلام أحمد C في رواية من قال بين التحري واليقين فرق أما حديث عبد الرحمن بن عوف فيقول إذا لم يدر ثلاثا أو اثنتين جعلها اثنتين قال فهذا عمل على اليقين فبنى عليه والذي يتحرى يكون قد صلى ثلاثا فيدخل قلبه شك أنه إنما صلى اثنتين إلا أن يكون أكثر ما في نفسه أنه قد صلى ثلاثا وقد دخل قلبه شيء فهذا يتحرى أصوب ذلك ويسجد بعد السلام قال فبينهما فرق فظاهر هذا أنه إنما يبني على اليقين إذا لم يكن له ظن ومتى كان له غالب ظن عمل عليه لا فرق بين الإمام والمنفرد روي ذلك عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وبنحوه قال النخعي : وقاله أصحاب الرأي إن تكرر ذلك عليه وإن كان أول ما أصابه أعاد الصلاة لقوله عليه السلام [ لا غرار في الصلاة ] ووجه هذه الرواية ما روى عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله A : [ إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم ثم ليسجد سجدتين ] متفق عليه ول البخاري بعد التسليم وفي لفظ فلينظر أحرى ذلك للصواب وفي لفظ فلتحر أقرب ذلك للصواب وفي لفظ فليتحر الذي يرى أنه الصواب رواه كله مسلم وفي لفظ رواه أبو داود قال : إذا كنت في صلاة فشككت في ثلاث أو أربع وأكثر ظنك على أربع تشهدت ثم سجدت سجدتين وأنت جالس فعلى هذا يحمل حديث أبي سعيد على من استوى عنده الأمران فلم يكن له ظن وحديث ابن مسعود على من له رأي وظن يعمل بظنه جمعا بين الحديثين وعملا بهما فيكون أولى ولأن الظن دليل في الشرع فوجب اتباعه كما لو اشتبهت عليه القبلة واختار الخرقي التفريق بين الإمام والمنفرد فجعل الإمام يبني على الظن والمنفرد يبني على اليقين وهو الظاهر في المذهب نقله عن أحمد الأثرم وغيره والمشهور عن أحمد البناء على اليقين في حق المنفرد لأن الإمام له من ينبهه ويذكره إذا أخطأ الصواب فليعمل بالأظهر عنده فإن أصاب أقره المامومون فيتأكد عنده صواب نفسه وإن أخطأ سبحوا به فرجع إليهم فيجعل له الصواب على كلتا الحالتين وليس كذلك المنفرد إذ ليس له من يذكره فيبني على اليقين ليحصل له إتمام صلاته ولا يكون مغرورا بها وهو معنى E : [ لا غرار في الصلاة ] وعلى هذا يحمل حديث أبي سعيد وعبد الرحمن بن عوف على المنفرد وحديث ابن مسعود على الإمام جمعا بين الأخبار وتوفيقا بينها فإن استوى الأمران عند الإمام بني على اليقين أيضا وعلى الرواية الثانية يحمل حديث الرأي فيخالف السنة الثابتة عن رسول الله A وقد روى أبو هريرة أن رسول الله A قال : [ إن أحدكم إذا قام فصلى جاءه الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس ] متفق عليه ولأنه شك في الصلاة فلم يبطلها كما لو تكرر ذلك منه وقوله E : [ لا غرار ] يعني لا ينقص من صلاته ويحتمل أنه أراد لا يخرج منها وهو في شك من تمامها ومن بنى على اليقين لم يبق في شك من تمامها وكذلك من بنى على غالب ظنه فوافقه المأمومون أو ردوا عليه غلطه فلا شك عنده .
فصل : ومتى استوى عنده الأمران بنى على اليقين إماما كان أو منفردا وأتى بما بقي من صلاته وسجد للسهو قبل السلام لأن الأصل البناء على اليقين وإنما جاز تركه في حق الإمام لمعارضته الظن الغالب فإذالم يوجد وجب الرجوع إلى الأصل