فصول : فيما يحرم لبسه والصلاة فيه ما يرخص فيه من الحرير والذهب .
الفصل الرابع فيما يرحم لبسه والصلاة فيه : وهو قسمان تحريمه عام في الرجال والنساء وقسم يختص تحريمه بالرجال القسم الأول ما يعم تحريمه وهو نوعان أحدهما النجس لا تصح الصلاة فيه ولا عليه لأن الطهارة من النجاسة شرط وقد فاتت والثاني المغصوب وهو تصح الصلاة فيها ؟ على روايتين إحداهما لا تصح والثانية تصح وهو قول أبي حنيفة و الشافعي لأن التحريم لا يختص الصلاة ولا النهي يعود إليها فلم يمنع الصحة كما لو غسل ثوبه من النجاسة بماء مغصوب وكما لو صلى وعليه عمامة مغصوبة - ووجه الرواية الأولى أنه استعمل في شرط العبادة ما يحرم عليه استعماله فلم تصح كما لو صلى في ثوب نجس ولأن الصلاة قربة وطاعة وهو منهي عنها على هذا الوجه فكيف يتقرب بما هو عاص به أو يؤمر بما هو منهي عنه ؟ وأما إذا صلى في عمامة مغصوبة أو في يده خاتم من ذهب فإن الصلاة تصح لأن النهي لا يعود إلى شرط الصلاة إذ العمامة ليست شرطا فيها وإن صلى في دار مغصوبة فالخلاف فيها كالخلاف في الثوب المغصوب إلا أن أحمد قال في الجمعة يصلي في المواضع الغصب لأنها تخص بموضع معين فالمنع من الصلاة فيه إذا كان غصبا يفضي إلى تعطيلها فلذلك أجاز فعلها فيها كما أجاز صلاة الجمعة خلف الخوارج وأهل البدع والفجور كيلا يفضي إلى تعطيلها .
والقسم الثاني ما يختص تحريمه بالرجال دون النساء وهو الحرير والمنسوج بالذهب والمموه به فهو حرام لبسه وافتراشه في الصلاة وغيرها لما روى أبو موسى أن رسول الله A قال : [ حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم ] أخرجه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن صحيح وعن عمر بن الخطاب Bه قال : قال رسول الله A : [ لا تلبسوا الحرير فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ] متفق عليه ولا نعلم في تحريم لبس ذلك على الرجال اختلافا إلا لعارض أو عذر تلد قال ابن عبد البر هذا إجماع فإن صلى فيه فالحكم فيه كالصلاة في الثوب المغصوب على ما بيناه من الخلاف والروايتين والافتراش كاللبس في التحريم لما روى البخاري عن حذيفة قال : نهانا النبي A أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها وأن نلبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه .
فصل : يباح العلم الحرير إذا كان أربع أصابع فما جون لما روى عن عمر بن الخطاب Bه أنه قال : نهى النبي A عن الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع رواه أبو دواد و الترمذي وقال حديث حسن صحيح وفي التنبيه يباح وإن كان مذهبا وكذلك القول في الرقاع ولبنة الجيب وسجف الفراء وغيرها لأنه داخل فيما تناوله الحديث .
فإن لبس الحرير للقمل أو الحكمة أو مرض ينفعه لبس الحرير جاز في إحدى الروايتين لأن أنسا روى أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكوا القمل إلى النبي A فرخص لهما في قميص الحرير في غداة لهما وفي رواية شكيا إلى رسول الله A فرخص لهما في قمص الحرير وأريته عليهما متفق عليهما وما ثبت في حق صحابي ثبت في حق غيره ما لم يقم دليل التخصيص وغير القمل الذي ينتفع فيه بلبس الحرير في معناه فيقاس عليه والرواية الأخرى لا يباح لبسه للمرض لاحتمال أن تكون الرخصة خاصة لهما وهو قول مالك والأول أصح إن شاء الله تعالى والتخصيص على خلاف الأصل تلد فأما لبسه للحرب فإن كان به حاجة إليه كأن كان بطانة لبيضة أو درع ونحوه أبيح قال بعض أصحابنا : يجوز مثل ذلك من الذهب كدرع مموه بالذهب وهو لا يستغني عن لبسه وهو محتاج إليه وإن لم يكن به حاجة إليه فعى وجهين أحدهما يباح لأن المنع من لبسه للخيلاء وكسر قلوب الفقراء والخيلاء في وقت الحرب غير مذموم والثاني يحرم لعموم الخبر وظاهر كلام أحمد C إباحته مطلقا وهو قول عطاء قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن لبس الحرير في الحرب فقال : أرجو أن لا يكون به بأس وروى الأثرم بإسناده عن عروة أنه كان له يلمق من ديباج بطانته سندس محشو قزا كان يلبسه في الحرب .
فصل : فأما المنسوج من الحرير وغيره كثوب منسوج من قطن وابريسم أو قطن وكتان فالحكم للأغلب منهما لأن الأول مستهلك فيه فهو كالبيضة من الفضة والعلم من الحرير وقد روي عن ابن عباس قال : إنما نهى النبي A عن الثوب المصمت من الحرير وأما العلم وسدى الثوب فليس به بأس رواه الأثرم بإسناده و أبو داود قال ابن عبد البر : مذهب ابن عباس وجماعة من أهل العلم أن المحرم الحرير الصافي الذي لا يخالطه غيره فإن كان الأقل الحرير فهو مباح وإن كان القطن فهو محرم فإن استويا ففي تحريمه وإباحته وجهان وهذا مذهب الشافعي قال ابن عقيل الأشبه التحريم لأن النصف كثير فأما الجباب المحشوة من إبريسم فقال القاضي لا يحرم وهو مذهب الشافعي لعدم الخيلاء فيه ويحتمل التحريم لعموم الخبر وهكذا الفرش المحشوة بالحرير .
فصل : فأما الثياب التي عليها تصاوير الحيوانات فقال ابن عقيل : يكره لبسها وليس بمحرم وقال أبو الخطاب : هو محرم لأن أبا طلحة قال : سمعت رسول الله A يقول : [ لا تدخل الملائمة بيتا فيه كلب ولا صورة ] متفق عليه وحجة من لم يره محرما أن زيد بن خالد رواه عن أبي طلحة [ عن النبي A وقال في آخره : إلا رقما في ثوب ] متفق عليه