مسألة وفصول : ستر العورة في الصلاة وحد عوره الرجل .
مسألة : قال : ومن كان من الرجال وعليه ما يستر ما بين سرته وركبتيه اجزأه ذلك .
وجملة ذلك أن ستر العورة عن النظر بما لا يصف البشرة واجب وشرط لصحة الصلاة وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال بعض أصحاب مالك سترها واجب وليس بشرط لصحة الصلاة وقال بعضهم هي شرط مع الذكر دون السهو احتجوا على أنها ليست شرطا بأن وجوبها لا يختص بالصلاة فلم يكن شرطا كإجتناب الصلاة في الدار المغصوبة .
ولنا : ما روت عائشة أن النبي A قال : [ لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ] رواه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن و [ قال سلمة بن الأكوع : قلت يا رسول الله أني أكون في الصيف فأصلي في القميص الواحد قال : نعم وأزرره ولو بشوكة ] حديث حسن وما ذكروه ينتقض بالإيمان والطهارة فإنها تجب لمس المصحف والمسألة ممنوعة قال ابن عبد البر احتج من قال : الستر من فرائض الصلاة بالإجماع على إفساد من ترك وهو قادر على الأستتار به وصلى عريانا قال وهذا أجمعوا عليه كلهم إذا ثبت هذا فالكلام في حد العورة والصالح في المذهب أنها من الرجل ما بين السرة والركبة نص عليه أحمد في رواية جماعة وهو قول مالك و الشافعي و أبي حنيفة و أكثر الفقهاء وفيه رواية أخرى أنها الفرجان قال مهنا سألت أحمد ما العورة ؟ قال الفرج والدبر وهذا قول ابن أبي ذئب و داود لما روى أنس أن النبي A : يوم خيبر حسر الأزار عن فخذه حتى أني لأنظر إلى بياض فخذ النبي A رواه البخاري وقال حديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط وروت عائشة قالت : كان رسول الله A في بيته كاشفا عن فخذه فاستأذن ابو بكر فأذن له وهو على ذلك ثم استأذن عمر فأذن له وهو على ذلك وهذا يدل على أنه ليس بعورة ولأنه ليس بمخرج للحدث فلم يكن عورة كالساق ووجه الرواية الأولى ما روى الخلال بإسناده والإمام أحمد في مسنده [ عن جرهد أن رسول الله A رآه وقد كشف عن فخذه فقال غط فخذك فإن الفخذ من العورة ] وروى الدارقطني [ أن رسول الله A قال لعلي كرم الله وجهه لا تكشف فخذك ولا تنظر فخذ حي ولا ميت ] وهذا صريح في الدلالة فكان أولى وروى أبو بكر بإسناده عن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول الله A : [ أسفل السرة وفوق الركبتين من العورة ] وروى الدارقطني بإسناده عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله A : [ إذا زوج أحدكم عبده أمته أو أجبره فلا ينظر إلى شيء من عورته فإن ما تحت السرة إلى الركبة عورة ] وفي لفظ [ ما بين سرته وركبته من عورته ] وهذا نص والحر والعبد في هذا سواء لتناول النص لهما جميعا .
فصل : وليست سرته وركبتاه من عورته نص عليه أحمد في مواضع وهذا قال به مالك و الشافعي وقال أبو حنيفة الركبة من العورة لأن النبي A قال : [ الركبة من العورة ] .
ولنا : ما تقدم من حديث أبي أيوب وعمرو بن شعيب ولأن الركبة حد فلم تكن من العورة كالسرة وحديثهم يرويه أبو الجنوب لا يثبته أهل النقل وقد قبل أبو هريرة سرة الحسن ولو كانت عورة لم يفعلا ذلك .
فصل : والواجب الستر بما يستر لون البشرة فإن كان خفيفا يبين لون الجلد من ورائه فيعلم بياضه أو حمرته لم تجز الصلاة فيه لأن الستر لا يحصل بذلك وأن كان يستر لونها ويصف الخلقة جازت الصلاة لأن هذا لا يمكن التحرز منه وإن كان الساتر صفيقا .
فصل : فإن انكشف من العورة يسير لم تبطل صلاته نص عليه أحمد وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي تبطل لأنه حكم تعلق بالعورة فاستوى قليله وكثيره كالنظرة .
ولنا : ما روى أبو داود بإسناده عن أيوب [ عن عمرو بن سلمة قال انطلق أبي وافدا إلى رسول الله A في نفر من قومه فعلمهم الصلاة وقال : يؤمكم اقرؤكم فكنت اقرأهم فقدموني فكنت اؤمهم وعلي بردة لي صفراء صغيرة وكنت إذا سجدت انكشفت عني فقالت امرأة من النساء واروا عنا عورة قارئكم فاشتروا لي قيمصا عمانيا فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به ] رواه أبو داود و النسائي أيضا عن عاصم الأحول عن عمرو بن سلمة قال فكنت اؤمهم في بردة موصولة فيها فتق فكنت إذا سجدت فيها جرجت أستي وهذا ينتشر ولم ينكر ولا بلغنا أن النبي A أنكره ولأن ما صحت الصلاة مع كثيره حال العذر فرق بين قليله وكثيره في غير حال العذر كالمشي ولأن الاحتراز من اليسير يشق فعفي عنه كيسير الدم إذا ثبت هذا فإن حد الكثير ما فحش في النظر ولا فرق في ذلك بين الفرجين وغيرهما واليسير ما لا يفحش والمرجع في ذلك إلى العادة وقال أبو حنيفة إن انكشف من المغلظة قدر الدرهم أو من المخففة أقل من ربعها لم تبطل وإن كان أكثر بطلت .
ولنا : أن هذا شيء لم يرد الشرع بتقديره فرجع فيه إلى العرف كالكثير من العمل في الصلاة والتفرق والأحتراز والتقدير بالتحكم من غير دليل لا يسوغ