مسألة وفصلان : التسليم من الصلاة .
مسألة : قال : ثم يسلم عن يمينه فيقول : السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره كذلك .
وجملته أنه إذا فرغ من صلاته وأراد الخروج منها سلم عن يمينه وعن يساره وهذا التسليم واجب لا يقوم غيره مقامه وبهذا قال مالك و الشافعي وقال أبو حنيفة : لا يتعين السلام للخروج من الصلاة بل إذا خرج بما ينافي الصلاة من عمل أو حديث أو غير ذلك جاز إلا أن السلام مسنون وليس بواجب لأن النبي A لم يعلمه المسيء في صلاته ولو وجب لأمره به لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولأن إحدى التسليمتين غير واجبة فكذلك الأخرى .
ولنا : قول النبي A : [ مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم ] ولأن النبي A كان يسلم من صلاته ويديم ذلك ولا يخل به وقد قال : [ صلوا كما رأيتموني أصلي ] ولأن الحدث ينافي الصلاة فلا يجب فيها وحديث الأعرابي أجبنا عنه فيما مضى .
فصل : ويشرع أن يسلم تسليمتين عن يمينه ويساره روي ذلك عن أبي بكر الصديق وعلي وعمار وابن مسعود Bهم وبه قال نافع بن عبد الحارث و علقمة و أبو عبد الرحمن السلمي و عطاء و الشعبي و الثوري و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر وأصحاب الرأي وقال ابن عمر وأنس وسلمة بن الأكوع وعائشة والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز و مالك و الأوزاعي يسلم تسليمة واحدة وقال عمار بن أبي عمار كان مسجد الأنصار يسلمون فيه تسليمتين وكان مسجد المهاجرين يسلمون فيه تسليمة ولما روت عائشة قال : كان رسول الله A يسلم تسلمية واحدة تلقاء وجهه وعن سلمة بن الأكوع قال : رأيت رسول الله A صلى فسلم تسليمة واحدة رواهما ابن ماجة ولأن التسليمة الأولى قد خرج بها من الصلاة فلم يشرع ما بعدها كالثانية .
ولنا : ما روى ابن مسعود قال : رأيت النبي A يسلم حتى يرى بياض خده عن يمينه ويساره وعن جابر بن سمرة أن النبي A قال : [ إنما يكفي أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله ] رواهما مسلم وفي لفظ لحديث ابن مسعود [ أن النبي A كان يسلم عن يمينه : السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله ] قال الترمذي : حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح وحديث عائشة يرويه زهير بن محمد وقال البخاري يروي مناكير وقال أبو حاتم الرازي هذا حديث منكر وسأل الأثرم أحمد عن هذا الحديث فقال : كان يقول هشام كان يسلم تسليمة يسمعنا قيل له أنهم مختلفون فيه عن هشام بعضهم يقول تسليما وبعضهم يقول تسليمة قال : هذا أجود فقد بين أحمد أن معنى الحديث يرجع إلى أنه يسمعهم التسليمة الواحدة ومن روى تسليما فلا حجة فيه فإنه يقع على الواحدة والثنتين وعلى أن أحاديثنا تتضمن زيادة على أحاديثهم والزيادة من الثقة مقبولة ويجوز أن النبي A فعل الأمرين ليبين الجائز المسنون ولأن الصلاة عبادة ذات إحرام وإحلال فجاز أن يكون لها تحللان كالحج .
فصل : والواجب تسليمة واحدة والثانية سنة قال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة وقال القاضي : في رواية أخرى أن الثانية واجبة وقال هي أصح لحديث جابر بن سمرة ولأن النبي A كان يفعلها ويداوم عليها ولأنها عبادة لها تحللان فكانا واجبين كتحللي الحج ولأنها إحدى التسليمتين فكانت واجبة كالأولى والصحيح ما ذكرناه وليس نص أحمد بصريح بوجوب التسليمتين إنما قال : التسليمتان أصح عن رسول الله A حديث ابن مسعود وغيره أذهب إليه ويجوز أن يذهب إليه في المشروعية والاستحباب دون الإيجاب كما ذهب إلى ذلك غيره وقد دل عليه قوله في رواية مهنا أعجب إلي التسليمتان ولا عائشة وسلمة بن الأكوع وسهل بن سعد قد رووا أن النبي A كان يسلم تسليمة واحدة وكان المهاجرون يسلمون تسلمية واحدة ففيما ذكرناه جمع بين الأخبار وأقوال الصحابة Bهم في أن يكون المشروع والمسنون تسليمتين والواجب واحدة وقد دل على صحة هذا الإجماع الذي حكاه ابن المنذر فلا معدل عنه وفعل النبي A يحمل على المشروطية والسنة فإن أكثر أفعال النبي A في الصلاة مسنونة غير واجبة فلا يمتنع حمل فعله لهذه التسليمة على السنة عند قيام الدليل عليها والله أعلم ولأن التسليمة الواحدة يخرج بها من الصلاة فلم يجب عليه شيء آخر فيها ولأن هذه صلاة فتجزئه فيها تسليمة واحدة ولأن هذه واحدة كصلاة الجنازة والنافلة وأما قوله في حديث جابر : [ إنما يكفي أحدكم ] فإنه يعني في إصابة السنة بدليل أنه قال أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه عن يمينه وشماله وكل هذا غير واجب وهذا الخلاف الذي ذكرناه في الصلاة المفروضة أما صلاة الجنازة والنافلة وسجود التلاوة فلا خلاف في أنه يخرج منها بتسليمة واحدة قال القاضي : هذا رواية واحدة نص عليه أحمد في صلاة الجنازة وسجود التلاوة ولأن أصحاب النبي A لم يسلموا في صلاة الجنازة إلا تسليمة واحدة والله أعلم